السوريون في تركيا.. أزمة مستمرة تستدعي حلاً عاجلاً
تقدمت أنقرة في مسار التطبيع مع الدولة السورية برئاسة السيد بشار الأسد الأمر الذي يثير قلق فئات من المعارضة السورية المتحالفة مع الجانب التركي، فضلا عن المخاوف في صفوف ملايين اللاجئين السوريين على الأراضي التركية من تبعات المسار على وجودهم في تركيا، سيما في ظل تصاعد خطاب المعارضة والسياسات الحكومية المشددة ضد من يُوصف "بمخالفي شروط الإقامة" منهم.
تقدمت أنقرة في مسار التطبيع مع الدولة السورية برئاسة السيد بشار الأسد الأمر الذي يثير قلق فئات من المعارضة السورية المتحالفة مع الجانب التركي، فضلا عن المخاوف في صفوف ملايين اللاجئين السوريين على الأراضي التركية من تبعات المسار على وجودهم في تركيا، سيما في ظل تصاعد خطاب المعارضة والسياسات الحكومية المشددة ضد من يُوصف "بمخالفي شروط الإقامة" منهم.
وفي تصريحات صحفية الشهر المنصرم، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إمكانية لقائه بالرئيس السوري بشار الأسد ورفع العلاقات إلى المستوى العائلي كما كانت قبل القطيعة. ومع ذلك، يواجه هذا التحرك تحديات كبيرة داخليًا، إذ يشهد المجتمع التركي زيادة في الاعتداءات على اللاجئين السوريين، وهو ما يعكس توترًا متزايدًا. آخر هذه الاعتداءات وقعت في ولاية قيصري حيث تعرضت ممتلكات لاجئين سوريين للتخريب.
ووفقا لوسائل الإعلام فهناك مجموعة من الأسباب تقف خلف أحداث ولاية قيصري، وعلى رأسها حملات التحريض، وخطاب الكراهية حيث إنه أسبوعيا يتصدر هاشتاغ يرتبط بالسوريين والعرب وسائل التواصل الاجتماعي التركية، وهناك عدم جدية لدى الحكومة في ملاحقة مروجي العنصرية وخطاب الكراهية، ولم تتم ملاحقة أكثر المروجين لذلك".
السياسات الحكومية والمستقبل الغامض للاجئين
هذا التحريض يأتي في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم التي تعيشها تركيا والتي أصبحت عامل ضاغط على المواطن التركي، كذلك فإن البعض يتحدث عن دور للتيار القومي كذلك في تأجيج العنصرية تجاه الأجانب لأنها تعزز الأفكار القومية لدى الشباب التركي، وغياب استراتيجية واضحة أو خطة طويلة الأمد لتنظيم السوريين في تركيا،
فمن الممكن أن يكون لما حدث انعكاسات أشد وطأة على خلفية تواصل حملة الترحيل الواسعة جنوب البلاد، والتي من المتوقع أن تمتد موجاتها إلى ولايات ومدن أخرى بسبب عزم الحكومة التركية على ترحيل ما لا يقل عن مليون سوري إلى بلادهم.
اللاجئون السوريون كورقة سياسية
لطالما كان موضوع اللاجئين السوريين أداة لتسجيل النقاط السياسية في تركيا، مما يزيد من استغلال هذا الملف في التجاذبات بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة. تصاعدت الحملات المناهضة لوجود اللاجئين مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، حيث تستخدم المعارضة ورقة اللاجئين للضغط على الحكومة وجذب أصوات الناخبين.
ترتبط أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا بشكل وثيق بالحل السياسي للقضية السورية. تشير المعطيات الراهنة إلى إمكانية حل قريب، مما قد يخفف الجدل حول اللاجئين في تركيا. إلا أن هذا الحل ليس قريبًا بما يكفي ليطمئن اللاجئين السوريين، الذين يواجهون تحديات كبيرة يوميًا، سواء من خلال سياسات الترحيل أو التصاعد في حدة العنصرية والتحريض ضدهم.
كما أنه هناك مساع لدى الحكومة التركية لطي وجود اللاجئين السوريين في تركيا خلال سنوات قليلة، وهذا ما يجري تطبيقه الآن. ما يجعل كل من يرتكب مخالفة بسيطة أو يتم رفع شكوى ضده، معرضا للترحيل.
الوضع الاقتصادي الذي تشهده تركيا أسهم في تصاعد موجات الاستياء بين الأوساط الشعبية، مع توجيه أصابع الاتهام نحو اللاجئين كسبب للأزمات القائمة،
وهو أمر مثير للاستغراب لأنه أقر الاقتصاديون الأتراك مرات عديدة بإسهام كبير للسوريين في دورة الاقتصاد التركي، خلال السنوات السبع الماضية، وبالرغم من العبء الاقتصادي لهم على الاقتصاد التركي، إلا أن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كان أكبر.
وقد قدم السوريون إلى سوق العمل التركي، خبرات عديدة، وكذلك للمنشآت والمصانع التركية، فضلاً عن المصانع والورشات والمطاعم وسواها، أضافة إلى قوى عاملة رخيصة.
التأثير الاقتصادي للاجئين السوريين
واحتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في تركيا خلال عام 2015، المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك وفقا لبيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وأسّس رجال الأعمال السوريين خلال العام الماضي 1,595 شركة، وليس هناك أرقام دقيقة لحجم الاستثمارات السورية في تركيا، حيث يقدرها بعض الخبراء الاقتصاديين بحوالي 10 مليارات دولار، أو ما يزيد عن ذلك.
وبالعودة التاريخية لموضوع اللاجئين السوريين لطالما كان هذا الموضوع بمثابة أداة لتسجيل النقاط السياسية في تركيا، حيث بات يشكل مادة للتجاذب السياسي، ما بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة التركية، وخاصة في الاستحقاقات الانتخابية، الأمر الذي ينعكس سلباً على وضع السوريين في تركيا، من جهة إثارته لنزعات معادية لهم،
حيث تسهم بعض وسائل الإعلام التركية في إلقاء تبعات تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على السوريين، الأمر الذي يجعل غالبية المواطنين الأتراك الفقراء يصبّون غضبهم واستياءهم على اللاجئين السوريين، زاعمين أن ارتفاع الأسعار وخاصة إيجارات السكن وارتفاع نسب البطالة سببها التواجد السوري.
ولا شك في أن مسألة اللاجئين السوريين وأوضاعهم، مرتبطة بشكل أساسي بالحل السياسي للقضية السورية، الذي يبدو أنه لم يعد بعيد المنال وفق المعطيات الراهنة، وبالتالي، فإن الجدل حول اللاجئين السوريين في تركيا إذا ما انحلت الأمور في طريقه للحل الفوري.
وكانت ولاية غازي عنتاب، شهدت خلال الأيام القليلة التي سبقت أحداث قيصري حملة أمنية كبيرة ضد اللاجئين السوريين، إذ كثفت إدارة الهجرة التركية من دورياتها لملاحقة من تقول إنهم مخالفون لشروط الإقامة في تركيا، وذلك في أعقاب إصدار 41 منظمة تركية بيانا تحذر فيه من خطر وجود السوريين على التركيبة الديمغرافية للمدينة الواقعة جنوب البلاد.
بدوره شدد أردوغان على عدم تسامح بلاده مع المحاولات الرامية إلى الإضرار باقتصادها والقطاع السياحي، مشيرا إلى أنه من غير الممكن "حبس تركيا في مياه العنصرية والفاشية الضحلة".
وتشهد تركيا بين الحين والآخر حملات مناهضة لوجود اللاجئين والمقيمين الأجانب أو السياح في البلاد، تتصاعد حدتها مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، حيث تعمل المعارضة على استخدام ورقة اللاجئين للضغط على الحكومة التركية وجذب أصوات الناخبين.
ختاماً يمكن القول إن التطبيع بين أنقرة ودمشق يحمل في طياته تحديات داخلية وخارجية على حد سواء. يتعين على الحكومة التركية مواجهة هذه التحديات بحذر لتجنب تفاقم الأوضاع الداخلية وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
المصادر:
1- https://cuts.top/GXjg
2- https://cuts.top/J3hB
3- https://cuts.top/J3im