الانقسام الداخلي في الكيان الصهيوني وتأثيراته المستقبلية
الانقسام الداخلي في الكيان الصهيوني وتأثيراته المستقبلية
بات الانقسام الداخلي في كيان الاحتلال الإسرائيلي أعمق من أي وقت مضى، حيث اعترف الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني عامي أيالون، بتعميق الانقسام الداخلي، وأثناء التظاهر أمام منزل وزير الحرب في الكيان الصهيوني، أوضح أن التمرد في هذا الكيان سيدمر جيشه، وبالفعل إن الانقسامات الداخلية في كيان الاحتلال تشكل تهديدًا أكبر من خصومها باعتراف الصهاينة، وقد أصدر المسؤولون الأمنيون والعسكريون مرارا خلال الأشهر الفائتة تحذيرات مماثلة قبل عام، في ظل الهجمات من الجانبين أي المعسكر اليميني واليساري، وتدهور الحكم الفاشي، وتراجع الإيمان بمؤسسات الدولة، والمحاكم، وارتفاع الجريمة - كل هذه هي أكبر التهديدات لمستقبل "إسرائيل"، لأن الضعف الداخلي، وفقدان التماسك، وعدم المساواة، والاحتكاك بين المجتمعات المختلفة، ووجود جماعات كاملة من الصهاينة لا يتم استيعابها أو تقديرها في المجتمع، ما يؤدي إلى نهاية خطيرة لن يتوقعها أحد.
انهيار داخي عميق
فهمنا أن الإسرائيليين بحاجة إلى تضامن مجتمعي كبير، باعتبار أنه لا يوجد تضامن مجتمعي دون أمن قومي، وأن تراجع المشاركة والتطوع في الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة كان أكبر برهان ومؤشر على هذا الانهيار الداخلي، والأهم هو اعتراف الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي للنظام الصهيوني المعروف باسم "الشاباك"، بأن الانقسام الداخلي في هذا الكيان أصبح أعمق من أي وقت مضى، والذي قال حرفيّا: "يجب إعطاء الأولوية لأمن إسرائيل على الاهتمام بنتنياهو"، في الوقت الذي فشلت فيه الكيانات الإسرائيلية التي تتبنى عدة استراتيجيات في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن ينسى ما قاله رئيس الاحتلال، إسحاق هرتسوغ ، حول الوضع السياسي المعقد للكيان وما أسماه قبل مدة بـ "التحدي التاريخي" أمام الإسرائيليين.
وفي غضون ذلك، تحدثت وسائل إعلام الكيان الصهيوني أن أكثر من 420 من جنود الاحتياط في وحدة الكوماندوز البحرية التابعة للكيان الإسرائيلي أعلنوا أنهم سيوقفون مشاركتهم التطوعية في قوات الاحتياط من أجل إلغاء الإصلاحات القضائية لمجلس وزاء الاحتلال، وقبل أيام، تظاهر عشرات الآلاف من الصهاينة للأسبوع السابع والعشرين على التوالي ضد حكومة نتنياهو وخطته للإصلاح القضائي في تل أبيب ومدن أخرى، وهذا يعني أن "إسرائيل" ستنهار من الداخل، أو بمعنى آخر الإسرائيليون قريبون من "نقطة اللاعودة" في هذا الوضع، وخاصة على المستوى السياسي والاجتماعي، وقد بدأ المشهد العام الإسرائيلي مع الكنيست والسلطات التشريعية، وصولا إلى السلطات الحكومية والتنفيذية، بما يظهر الوضع الذي وصلت إليه جميع السلطات دفعة واحدة، وهذا ما تؤكده مشاهد الصراع بين جميع السلطات داخل النظام السياسي الإسرائيلي، في حين أن الحكومة الصهيونية، والتوازن بين سلطات حكومة العدو على طول طريق "كسر العظام"، وبالتأكيد يمتد إلى جميع الجوانب الاجتماعية.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 150 ألف شخص شاركوا في مظاهرات ضد نتنياهو في تل أبيب هذا الأسبوع، لكن مصادر أخرى أعلنت أن عدد المتظاهرين في تل أبيب يصل إلى 200 ألف، وكانت احتجاجات هذا الأسبوع أكثر توتراً، فيما استخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين الذين أغلقوا طريق أيالون السريع في عدة أماكن، وهذا الأسبوع، كتب المتظاهرون على لافتاتهم عبارة تحمل موضوع "يجب المقاومة"، وهي عبارة تعبر عن الحاجة إلى المعارضة والإصرار على رحيل نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني المثير للجدل، ويقول مراقبون إن الاحتجاجات الحالية هي مقدمة فقط لتظاهرات كبيرة في الأيام القادمة، وإن المتظاهرين يخططون للاحتجاجات وتعطيل في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، وأكدوا أنهم سيقاتلون ضد خطة نتنياهو بكل الوسائل المتاحة لهم.
نتنياهو وطريق النهاية
يبرر نتنياهو ومؤيدوه ما يطلقون عليه "الإصلاح" بأنه عملية طال انتظارها، لكن نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف يريدون من السياسيين ممارسة المزيد من النفوذ في الكيان، وتشمل التغييرات المقترحة والتي لقت معارضة كبيرة، منح الحكومة السيطرة على تعيين قضاة المحكمة العليا ومنح الكنيست سلطة إلغاء أحكام المحاكم التي تبطل القانون، ويزعم نتنياهو ومؤيدوه بأن الإصلاح عملية لاستعادة توازن القوى بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولم يظهر سوى القليل من علامات الاهتمام بالمظاهرات واتهم المتظاهرين بتجاهل إرادة الشعب، ما رفع نسبة المعارضين له.
ولكن بعد أن وصل الانقسام إلى درجة خطيرة في كيان الاحتلال، لن تتوقف خطط الحكومة الفاشية ولن تقوم بإجراء أي حوار موسع، وكأن نتنياهو جاء ليفتح كل جراح وانقسامات هذا المجتمع المعقد بتركيبته الاحتلالية، ويجادل منتقدو الحكومة بأن الأسس الديمقراطية التي يقوم عليها الكيان مهددة، ويخشون أن تسمح الإصلاحات للحكومة بالدوس على حقوق الإسرائيليين والسماح للجماعات الصهيونية الأرثوذكسية المتطرفة والدينية بتعميق دور الدين في المجتمع، فيما يسعى رئيس الوزراء إلى تمرير المشاريع التي تثبت وجوده المهزوز، حيث تعززت حركة الاستيطان اليهودي القومي المتطرف لتوسيع انتشارها في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وسط تصاعد العنف والبغضاء في المجتمع الإسرائيلي ومع الفلسطينيين، وقد شاهد العالم الفضيحة المدوية للجرائم الإسرائيلية في الضفة والتعامل السادي من قوات الاحتلال.
يذكر أن نتنياهو قام بالعديد من السياسات التي لها تأثير سلبي واسع على المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك توسيع صلاحيات محكمة الحاخام وتعزيز قواعد التحول الديني والهجرة، وتعهد أيضا بضم الضفة الغربية "في أوقات مختارة، مع مراعاة المصالح الوطنية والدولية لكيان إسرائيل"، ومنذ فوزه في انتخابات الكيان، صاغ الائتلاف الحكومي قوانينه على عدة جبهات، تتراوح من التغييرات التشريعية إلى التغييرات التي تسمح للأشخاص المدانين بارتكاب جرائم بالهروب من السجن والعمل كوزراء، وإضفاء الشرعية على 9 مواقع استيطانية يهودية في عمق الضفة الغربية، وحتى "إسرائيل" تعترف بأنها بنيت بشكل غير قانوني.
النتيجة، أجمع الإسرائيليون على "نهاية إسرائيل" المنقسمة على ذاتها، ونتيجة لوجود نتنياهو، وفقدان حكومته للشرعية أكثر فأكثر ، أصبح الكيان ماض في طريق نهاية لا رجعة فيه، ولا يمكن للكيان بأكمله أن يوقف ما يمكن وصفها "عملية التدمير الذاتي الداخلي للكيان"، لأنه غلى الرغم من جميع هراء الإعلام العبري، وصل الانقسام الذي يعاني منه الكيان المحتل إلى المرحلة القصوى ولا توجد طريقة لصده، وبما أن المجتمع الإسرائيلي غارق في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والاضطرابات الأمنية والسياسية، فإننا نتأكد من أن لديهم أزمة ثقة كبيرة بينهم أولا ومع الحكومة ثانيا، ولكن إذا اتفق الإسرائيليون على شيء ما، فهو "نهاية الكيان الإسرائيلي".
المصدر: الوقت