اشتباكات السودان ومخاطر التقسيم
لم يكن مفاجئًا للمتابعين ما يحصل الآن من معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فمن المعروف أن هذه القوات أُنشئت لتنفيذ مهام من خارج الصندوق (القوانين) في اقليم دارفور والتي ما كان بمقدور الجيش السوداني تنفيذها.
في المرحلة الأولى من انشائها لم تكن قوات الدعم السريع سوى ميليشيا شبه عسكرية مشكّلة ومكّونة من ميليشيات (الجنجويد) التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور.
تأتمرُ قوات الدعم السريع بأمرِ الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي الذي برزَ بعدَ سقوط نظام البشير وصارَ في وقتٍ لاحقٍ نائب رئيس المجلس العسكري الذي ينوي قيادة البلاد في الفترة الانتقاليّة. خلال الاحتجاجات السودانية في عام 2019 وبعدَ الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش والذي مكّنه من الوصول للسلطة صارَ لقوات الدعم السريع صلاحيات أكبر ولعبت الدور الأبرز فِي القمع العنيف للمتظاهرين.
إلى جانب قوات الأمن الأخرى نفذت قوات الدعم السريع مجزرة القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019 والتي راحَ ضحيّتها ما يزيد عن 100 شخص من المُعتصمين العُزّل في العاصِمة. وصول الأمور الى مرحلة القتال سببه الأساسي هو الصراع على تقاسم النفوذ والمال، فمن المعروف أن حميدتي وعائلته يسيطرون على العديد من مناجم الذهب والأراضي الزراعية وقطعان الماشية.
أما الفريق أول عبد الفتاح البرهان فحتى توليه قيادة القوات البرية لم يكن سوى جنرال مغمور بدأ بترسيخ سلطته ونفوذه بعد عام ٢٠١٥ وبدأت فيما بعد تظهر شخصيته المرتبطة بالصراع الذي يمكن وصفه بمعركة كسر العظم بين رئيس الوزراء الحمدوك وبينه وبين قائد قوات الدعم السريع وهي معركة محورها السلطة والثروات.
اذًا الصراع لا يستهدف الانتقال بالسودان الى حال أفضل وهو صراع سيكون مكلفًا وغير قابل للحل أقله في المنظور القريب، وسيدفع الشعب السوداني ثمنًا كبيرًا بنتيجته.
بالنظر إلى طبيعة المعارك الدائرة يبدو واضحًا التقارب في ميزان القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أقلّه في عدد الأفراد فقوات الدعم السريع تتشكل من 100 الف مقاتل وهو العدد نفسه لقوات الجيش السوداني العاملة والذي يمكن أن يصل الى 250 الف في حال اعلان حالة الطوارئ واستدعاء الاحتياط وهو أمر متعذر حاليّاً لأسباب سياسية وقبائلية.
وبالنظر أيضًا إلى أن الجيش السوداني لا يمتلك إلا 75 الف مقاتل بسبب توزع 25 الف على الوحدات الإدارية وسلاحي الجو والبحرية وبذلك نستطيع الجزم أنه في حال طال زمن المعارك سيكون باستطاعة قائد قوات الدعم السريع أن يجند وبظرف شهر كحد أقصى ما مجموعه 25 الف مقاتل إضافي من إقليم دارفور مسقط رأسه.
طبيعة المعارك الحالية يمكن القول انها شديدة التعقيد بسبب حالة الالتحام وبسبب طبيعة انتشار القوتين حيث تتواجد قوات الدعم السريع في كل المناطق التي يتواجد فيها الجيش.
وفي حين أن حركة الجيش السوداني ثقيلة الى حد ما بسبب الاعتماد على الدبابات والمدرعات ستكون حركة قوات الدعم السريع أكثر مرونة بسبب الاعتماد على عربات الدفع الرباعي التي تصل الى 10 الآف عربة إضافة الى أن سلاح الجو لن يكون له تأثير كبير في معارك المدن بسبب حالة الالتحام.
وفيما سيكون الجيش مقيدًا بمجموعة كبيرة من القوانين الحاكمة ستكون قوات الدعم السريع خارج أي قوانين وأعراف عسكرية وهو ما نشأت عليه أصلًا.
تتجه المعارك إلى الشراسة والتوسع أكثر، وستكون الكلمة للبندقية لفترة ليست بالقصيرة في غياب أي إمكانية للتفاهم أو التأثير الخارجي سواء العربي أو الدولي وهو ما سيعقد الأمور أكثر.
بما يرتبط بالتقسيم، فليس خافيًا ولا سرًّا ما كّلف به برنارد لويس من الادارة الأميركية منذ عقود برسم خرائط بديلة عن خرائط سايكس - بيكو، وكل ما حصل على مدى العقدين الفائتين جرى لتحقيق عمليات تقسيم للمنطقة حيث كانت العديد من دول المنطقة مستهدفة وعلى رأسها سوريا ومصر والعراق والسودان.
- في مصر تم تجاوز المرحلة السابقة ويمكن القول إن الأوضاع مستقرة على المستويين السياسي والأمني بعد هزيمة الجماعات الإرهابية في سيناء، لكن بوجود اهتزازات دائمة تصيب الجانب الاقتصادي وهو جانب يشكل مخاطر مستقبلية على الأمن القومي المصري في حال تراكمت الأزمات ولم تؤدِ الاجراءات الى تجاوزها.
- في سوريا وعلى الرغم من وأد خطط تفتيتها وتحويلها الى امارات متناحرة لا تزال المخاطر موجودة بسبب الاحتلالات الاسرائيلية والأميركية والتركية ووجود جيوب كبيرة للجماعات الإرهابية وخصوصا في ادلب واريافها وارياف حلب اضافة الى المخاطر الأمنية وخصوصاً في الجنوب السوري.
- في العراق ورغم هزيمة تنظيم "داعش" الارهابي فإن التقسيم المذهبي الذي أرساه الأميركي عبر قوانين بريمر لا تزال تهدد العراق باحتمالات تقسيمه لكن بنسب ضئيلة في هذه المرحلة بسبب التحولات الجيوسياسية في الإقليم وعلى رأسها التقارب الايراني - السعودي.
- المخاطر الكبرى الآن تتهدد السودان وهي مخاطر مزمنة لكنها بعد اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع وبسبب ميزان القوى المتقارب والانقسامات القبلية فالسودان مهدد بالانقسام الى ثلاث دول في الحد الأدنى خصوصًا أن انفصال جنوب السودان شكل نموذجًا موجودًا وبسبب ارتباطات للقوى النافذة المتحاربة الآن بجهات خارجية ومن ضمنها علاقات علنية وسرية مع كيان العدو الاسرائيلي.
يبقى أن تقسيم السودان ستكون له تأثيرات خطيرة على الأمن القومي المصري وهي مخاطر اضافية لما هو قائم من فوضى في ليبيا.
عمر معربوني