هل “حربٌ أهليّة” مفتوحة النهايات تُواجه فرنسا؟
هل “حربٌ أهليّة” مفتوحة النهايات تُواجه فرنسا؟
فرنسا، وبسبب هذا التّعاظم للمُمارسات الاستفزازيّة، باتت إحدى أبرز مراكز العُنصريّة، والكراهيّة، والإسلاموفوبيا، في القارة الأوروبيّة. فجاءت عمليّة اغتِيال الفتى نائل (17 عامًا) من قِبَل أحد رجال الشّرطة بمثابةِ المُفجّر لاحتِقانٍ مكتومٍ بلغ ذروة التضخّم والتورم وأمسى من الصّعب السّيطرة عليه.
إنها حربٌ بكُل ما تعنيه الكلمة من معنى، فرُغم نشر 45 ألف شُرطي ورجل أمن، ما زالت الاحتِجاجات مُستمرّة لليوم والحصيلة حتى الآن إحراق أكثر من 2000 سيّارة، ونهب مِئات المحلّات التجاريّة في العاصمة وحدها، واعتِقال 2000 شخص، وإصابة 200 من رجال الشّرطة، ومن المُتوقّع أن تتفاقم هذه الأرقام إذا لم يتم السّيطرة على الموقف ووقف أعمال العُنف، ولكن لا يُوجد حتّى كِتابة هذه السّطور ما يُوحي إلى ذلك.
لقد تحمّل المُهاجرون الكثير من المُمارسات كأعمال التّهميش والاستِفزاز بكُلّ أشكاله، والعرب والمُسلمون منهم خاصّةً، وكظَمُوا الغيْظ وعَضّو على النّواجز، وتعايشوا مع حُكوماتٍ تعمّدت إهانتهم بحِمايتهم للمُتطاولين على عقيدتهم، ورسولهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بالرّسوم الكاريكاتوريّة المُسيئة، واستِضافة حارِقي القرآن الكريم، وفرش السجّاد الأحمر لهُم، والذّريعة تتمحور حول أُكذوبَة “حُريّة التّعبير”.
المسألة ليست سياسات ومُمارسات عُنصريّة تهميشيّة وتبنّيًا للكراهية، والإسلاموفوبيا فقط، إنّما عودة مُؤسفة للماضي الاستِعماري وإرثه، في التّعاطي مع أبناء المُستعمرات المُهاجرين في فرنسا، وأيضًا في التدخّل سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا بطريقةٍ دمويّةٍ تدميريّةٍ في شُؤون بلادهم الأصليّة، أليست حُكومة نيكولاي ساركوزي الفرنسيّة هي التي قادت التدخّل العسكري في ليبيا وأرسلت طائرات حلف النّاتو لقصف المُواطنين العُزّل وقتْل عشَرات الآلاف منهم تحت ذريعة نُصرة “الثورة” وتغيير النظام الدّيكتاتوري، لنكتشف لاحقًا أن الحقيقة مُغايرة لذلك كُلّيًّا، وأن الهدف نهب الثّروات من نفط وغاز، وإحباط مشروع معمّر القذافي لإصدار الدينار الإفريقي المدعوم بالذّهب، ومُحاربة النّفوذ الاستِعماري الزّاحف إلى القارّة السّمراء.إن الطّريق الأقصر في رأينا لعودة الهُدوء إلى فرنسا ومُدنها، يبدأ بالاعتِراف الجدّي بالخطأ، والعمَل على تغيير كُل السّياسات والمواقف التي دعمت التّهميش، والإسلاموفوبيا، والعُنصريّة، وتكريس المُساواة وقيم العدالة والإنسانيّة، وإلّا فإنّ البِلاد ستنجرف إلى حربٍ أهليّةٍ داخليّةٍ، وفي زمنٍ يتدهور فيه اقتِصادها وتصل الدّيون إلى أكثر من ثلاثة ترليونات يورو على الأقل.
ختامًا نقول إن فرنسا، وليس الرئيس إيمانويل ماكرون داعم الإسلاموفوبيا الرّئيسي فقط، تُواجه تحدّيًا غير مسبوق يُهدّد أمنها واستِقرارها، وينعكس بكُلّ وضوح في انتِفاضة المحرومين الحاليّة، وفي فترة ربّما تكون الأسوَأ في تاريخها على الصُّعُد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بل والعسكريّة أيضًا بالنّظر إلى تورّطها بشَكلٍ مُباشر في الحرب الأوكرانيّة، ولا بُدّ من الاعتِراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها، وبأقصى سُرعةٍ مُمكنةٍ، قبل أن تتفاقم وتتناسل وتصل إلى درجةٍ يَصعُب السّيطرة عليها فيما بعد.