منظمة العفو الدولية تطالب الكيان الصهيوني "دًمِروا الفصل العنصري و ليس منازل الفلسطينيين" فهل من مجيب؟
سلمت مكاتب منظمة العفو الدولية (أمنستي) حول العالم الأسبوع الفائت عرائض وقعها أكثر من 200 ألف شخص من 174 بلداً على الأقل إلى السلطات الاحتلال الإسرائيلي، تدعوها فيها إلى وضع حد لهدم منازل الفلسطينيين كخطوة أولى نحو تفكيك نظام الفصل العنصري. و قد حملت العريضة عنوان"دمّروا الفصل العنصري وليس منازل الفلسطينيين!
و جاء تقديم هذه العريضة في اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري في العالم و الذي يحتفل به سنوياً المجتمع الدولي إحياءً لذكرى مقتل 69 متظاهرا سلميا مُناهضًا لنظام الفصل العنصري، على أيدي شرطة جنوب أفريقيا في 21 مارس/آذار 1960.
وحسب المنظمة الحقوقية فإن الإخفاق المستمر في محاسبة السلطات الإسرائيلية "يمثل وصمة عار على ضمير المجتمع الدولي" مشيرة إلى أن نظام الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان.
وخلصت "أمنستي" إلى أن مطلبها بوضع حدٍ لهذا "الظلم" يحظى الآن بدعم 203 آلاف و410 أشخاص ينتمون إلى بلدان بشتى أنحاء العالم، مضيفة إن هذا التضامن "يذكرنا بأن الأصوات المناهضة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي تزداد ارتفاعًا باطراد. ولن نسكت حتى تفكيك هذا النظام ومحاسبة السلطات الإسرائيلية".
من جانبها قالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى "أمنستي" إن سياسات التخطيط "التمييزية" التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي وهدم منازل الفلسطينيين الممنهج "تُجسد العنصرية الكامنة في قلب نظام الفصل العنصري القاسي".
وأضافت إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "تسعى منذ عقود إلى تحقيق أهدافها الديموغرافية العنصرية الجليّة من خلال طرد الفلسطينيين من منازلهم وتهجيرهم من أراضيهم. ومنذ بداية 2023، هُجِّرَ أكثر من 400 فلسطيني نتيجة عمليات الهدم، بينما يطال خطر التهجير مئات الآلاف".
ونوهت العفو الدولية في بيانها بأن مطلب المنظمة بوضع حدٍ لهذا الظلم يحظى بدعم 203,410 أشخاص ينتمون إلى بلدان في شتى أنحاء العالم. وتابعت: “يُذكّرنا هذا التضامن بأن الأصوات المناهضة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي تزداد ارتفاعا باطراد، ولن نسكت حتى تفكيك هذا النظام ومحاسبة السلطات الإسرائيلية”.
كما قالت “العفو الدولية” إنه مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تدعو منظمة العفو الدولية الدولَ الأعضاء إلى دعم التحركات والقرارات الرامية إلى إنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ويشمل ذلك تجديد تمويل قاعدة بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالشركات المتورطة في أنشطة في المستوطنات غير القانونية أو المتعاملة معها.
كما جاء في بيان “أمنستي” أنه يتعين على الدول الإيفاء بالتزاماتها القانونية واتخاذ خطوات لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، بما في ذلك من خلال الاستعراض الدوري الشامل لإسرائيل، المقرر إجراؤه في 9 مايو/ أيار في مجلس حقوق الإنسان.
وكررت منظمة العفو الدولية دعوتها جميعَ الدول للضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلية لوضع حد لعمليات هدم المنازل، وعمليات التهجير القسري، وتوسيع المستوطنات؛ ولرفع الحصار عن قطاع غزة؛ ووضع حد للإفلات من العقاب على الهجمات غير القانونية المرتكبة ضد الفلسطينيين من قبل قوات جيش الاحتلال والمستوطنين.
ما هو الفصل العنصري " أبارتهايد "؟
يُعتبر الفصل العنصري انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.
وقد استُخدم مصطلح “أبارتهايد” في الأصل للإشارة إلى نظام سياسي في جنوب أفريقيا تمثل في فرض التفرقة العرقية والهيمنة والقمع بوضوح من جانب فئة عرقية على فئة أخرى. ومنذ ذلك الحين، اعتمد المجتمع الدولي هذا المصطلح لإدانة وتجريم مثل هذه الأنظمة والممارسات أينما تقع في العالم.
وبموجب الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ونظام روما الأساسي والقانون الدولي العُرفي، فإن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري تقع عندما يُرتكب أي عمل لاإنساني أو وحشي (وخاصة أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان) في سياق نظام مُمأسس من القمع والهيمنة بصورة ممنهجة من جانب فئة عرقية معيّنة على فئة عرقية أخرى، بقصد إدامة هذا النظام.
ويمكن فهم الفصل العنصري باعتباره نظام معاملة قاسية غير انساني يتسم بتمييز بشكل منهجي ومطوّل من جانب فئة عرقية ما تجاه أفراد فئة عرقية أخرى، بقصد الهيمنة على الفئة العرقية الأخرى.
مساعٍ حقيقية أم مجرد كلام؟
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، زار وفد من الدبلوماسيين الأوروبيين “حوارة” و”زعترة”، وهما بلدتان فلسطينيتان في محافظة نابلس تعرّضتا لهجمات وحشية من المستوطنين.
وفي أعقاب زيارتهم، دان الدبلوماسيون الأوروبيون الهجمات على الفلسطينيين في حوارة، وشددوا على ضرورة “حماية جميع المدنيين وضمان المساءلة”.
وعلقت المنظمة على تلك الزيارة والتصريحات، قائلة إنها “مساعٍ جديرة بالثناء ولكنها لن تتحقق حتى تفكيك نظام الفصل العنصري”.
وأضافت إن الاتحاد الأوروبي محتاج إلى “الاعتراف بحقيقة النظام الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، وإلى أن يفعل ذلك، فإن هذه التصريحات لا ترقى إلى أكثر من مجرد كلام.
ويُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نظام الفصل العنصري بأنه جريمة ضد الإنسانية، تتميز بارتكاب “أفعال لاإنسانية”، مثل القتل غير المشروع والتعذيب والنقل القسري، والتي تلتزم بالإبقاء على نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أي جماعة عرقية أخرى.
وفي تقرير صدر في فبراير/شباط 2022، خلُصت منظمة العفو الدولية إلى أن معاملة سلطات الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين ترقى إلى نظام الفصل العنصري بناءً على هذا التعريف بالذات.
ووفق المنظمة تُخضع سلطات الاحتلال الفلسطينيّين أينما يعيشون تحت سيطرتها الفعلية “للقمع والهيمنة المنهجيين”.
وقدم تقرير منظمة العفو الدولية أدلة مفصّلة على ذلك، تبيّن كيف أن قوانين إسرائيل وسياساتها مصممة خصيصا لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم وأراضيهم ومواردهم.
لكن مع كل هذه الشواهد لم يتغير شيء على أرض الواقع و كل ما نلمسه على أرض الواقع هو ازدياد عنصرية الكيان الصهيوني يوماً بعد يوم.
في حين أن نظام الفصل العنصري مرفوض في العالم فلماذا يقبل العالم ذاته ممارسته ضد الفلسطينيين؟
لطالما تجاهل المجتمع الدولي حقوق الإنسان عند التعامل مع ما يكابده الفلسطينيون من معاناة ومشقة على مدى عقود. وقد ظل الفلسطينيون الذين يواجهون وحشية القمع الإسرائيلي يطالبون، على مدى أكثر من عقدين، بتعريف الحكم الإسرائيلي كنظام فصل عنصري. وعلى مر السنين، بدأ يتشكل اعتراف عالمي أوسع بأنّ معاملة سلطات الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين ما هي إلا نظام فصل عنصري.
إلا أن الحكومات التي تتحمل مسؤولية ولديها من القوة والنفوذ ما يتيح لها التحرك بشكل ما، رفضت اتخاذ أي إجراءات مجدية لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي، واختارت بدلاً من ذلك أن تتستر وراء عملية سلام متداعية على حساب مبادئ حقوق الإنسان والمساءلة. وللأسف، لا توجد بوادر لإيجاد حل عادل في الوقت الراهن باتجاه، إنما ثمة تدهور في حالة حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطينيين.
وتطالب منظمة العفو الدولية الكيان الإسرائيلي بإنهاء هذه الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري، عن طريق تفكيك إجراءات الشّرذمة والعزل والتمييز والحرمان التي تُمارَس في الوقت الحالي ضد الفلسطينيين.
على ماذا تقوم سياسة الفصل العنصري الممنهج التي يتبعها الكيان الصهيوني؟
منذ عام 1948، عكفت الحكومات المتعاقبة في الكيان الصهيوني على إنشاء وإدامة نظام من القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم. ويتبدى هذا النظام بأشكال متباينة في شتى المناطق التي تمارس فيها سلطات الاحتلال السيطرة على حقوق الفلسطينيين، ولكن هدفه واحد في كل الحالات، ألا وهو: منح امتيازات لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين. وقد فرضت سلطات الاحتلال هذا النظام من خلال 4 استراتيجيات أساسية:
1- الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
و تتمثل هذه الاستراتيجية في إفقار الفلسطينيين بشكل متعمَّد، ما يجعلهم في وضع شديد السوء بالمقارنة مع اليهود الإسرائيليين. وعملت السلطات الإسرائيلية طوال عقود على تخصيص الموارد بشكل عنصري لمنفعة اليهود داخل فلسطين المحتلة والمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما ضاعف من جوانب عدم المساواة هذه. فعلى سبيل المثال، يعيش ملايين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة والقدس الشرقية المحتلة في مناطق مكتظَّة بالسكان وأقل تطوراً بوجه عام وتفتقر إلى ما يكفي من الخدمات الأساسية، مثل خدمات جمع القمامة، والكهرباء، والمواصلات العامة، والمياه، ومرافق البنية الأساسية للصرف الصحي.
2- العزل والسيطرة
وهو نظام من القوانين والسياسات التي تُبقي الفلسطينيين محصورين داخل معازل، وخاضعين لإجراءات عدة تسيطر على حياتهم، وتفصلهم عن اليهود الإسرائيليين. وتحرم إسرائيل المواطنين الفلسطينيين من حقهم في المساواة والمواطنة والحالة القانونية، بينما يواجه الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيوداً شديدة على حريتهم في الحركة والتنقل. كما تفرض إسرائيل قيوداً على حق الفلسطينيين في لم شمل الأسرة، وذلك على نحو يتسم بالتمييز العميق. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الفلسطينيون من أهالي الأراضي الفلسطينية المحتلة الحصول على حق الإقامة أو الجنسية من خلال الزواج، بينما يُتاح ذلك لليهود الإسرائيليين.
3- نزع ملكية الأراضي والممتلكات
حيث عمدت إسرائيل على مدى عقود من الاستيلاء على الأراضي والممتلكات، وهدم المنازل، وعمليات الإخلاء القسري، بشكل يتسم بالتمييز.
4- تقسيم الفلسطينيين بين مناطق تحت سيطرة مختلفة
و يتمثل جوهر هذا المنهج العنصري في إبقاء الفلسطينيين معزولين عن بعضهم البعض في مناطق مختلفة تخضع لنُظم قانونية وإدارية متباينة. في سياق مساعي الكيان الصهيوني لإنشاء "إسرائيل" كدولة يهودية في عام 1948، طردت قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم، وهدمت مئات من القرى الفلسطينية فيما يرقى إلى مستوى التطهير العِرقي.
المصدر: الوقت