معادلات جديدة بعد عام من الحرب الأوكرانية
بعد مضي عام على بدء الحرب الروسية– الأوكرانية، تمّ وضع العديد من الخطط والمعادلات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وجوهر تلك الخطط والمعادلات ينحصر في أنه: لا هدنة- لا مفاوضات- لا وقفاً لإطلاق النار، وحرب مستمرة حتى آخر أوكراني. تلك المعادلة فرضها قانون الحرب الذي تصرّ فيه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأوروبية على استخدام أوكرانيا “حصان طروادة” للقتال ضد روسيا من دون أن تخسر هذه الدول جندياً واحداً على أرض المعركة التي تمّ تأجيجها!.
من الواضح أن المعركة التي تجري على الأرض الأوكرانية ليست بين روسيا وأوكرانيا، بل هي حرب عالمية ثالثة تشارك فيها أكثر من ثلاثين دولة ضد روسيا، حيث يتمّ فيها استخدام الجيش والشعب الأوكراني وقوداً لها.
في هذه الحرب الساخنة، يتمّ استخدام أحدث الأسلحة في العالم، وأكثرها تطوراً وقدرةً، بحيث يتمّ استنفاد ترسانات الأسلحة في أكثر من دولة غربية، خاصة وأن العديد من الدول قد عبّرت عن النقص الهائل في مخازنها العسكرية نظراً لضراوة العمليات العسكرية، وحجم الذخائر التي تُستخدم يومياً. في حين أن شركات صناعة الأسلحة هي الأكثر حماسة لاستمرار الحرب، باعتبارها فرصة لا تعوّض، وخاصة مجمعات الصناعات الحربية الأمريكية والكارتيلات الكبرى العالمية لكسب مليارات الدولارات من أجل توفير احتياجاتها اللوجستية، بحيث بات لوبي الأسلحة هو الأكثر قوةً ونفوذاً في صناعة القرارات السياسية والعسكرية لدى الولايات المتحدة والدول الغربية الأوروبية التي عمدت مؤخراً إلى مراجعة سياساتها الدفاعية، وبدأت في ضخ عشرات المليارات من الدولارات في موازناتها الدفاعية لتعزيز ترساناتها من الأسلحة، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا مؤخراً.
إن التوجّه الاستراتيجي الجديد نحو زيادة حجم العسكرة، وتحشيد القوى وتكديس السلاح يعني أن آفاق السلام تتقلص، فيما تتسع رقعة المواجهة العسكرية التي لها ارتداداتها على معظم دول العالم، وهذا ينطبق على الحرب الأوكرانية الساخنة، حيث إن أحد أهداف استمرارها وديمومتها، هو محاولة إلحاق هزيمة عسكرية بـ روسيا من جهة، وتطبيق حصار عسكري على الصين من جهة أخرى من خلال التحالفات الجديدة في كلّ من المحيطين الهندي والهادئ، لمنع البلدين من مشاركة الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي تتربع على عرشه منفردة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991.
الجديرُ بالذكر أنّ هذه الحرب أفرزت العديد من المصالح الدولية، فقد أضحت للحرب الأوكرانية وظيفة مهمّة تجعل الكيان الصهيوني طرفاً مهماً في معادلة الحرب مع جماعة الدول المهتمة بمستقبل الحرب واستدامتها. كما نشأت العديد من المصالح وتعزّزت أخرى نتيجة رفع الحظر الفعلي والدستوري والمادي والمعنوي الذي كان مفروضاً عليها، أو معمولاً به ذاتياً لتلك البلدان وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية على مسألة التسلح، وربما العودة إلى نظام المجتمع العسكري، وإعادة بناء الجيوش.
ليس هذا فحسب، بل عاد الحديث مجدداً وبشكل جاد وعميق، عن قضية سيطرة وهيمنة أو تسلّط مجموعة المصالح المرتبطة بدور المجمعات الصناعية العسكرية في إدارة الدول، أو على الأقل التأثير غير المباشر في الشؤون السياسية والاقتصادية، ومختلف أبعاد المجتمعات المتقدمة في العالم الغربي، حتى باتت صالونات السلطة الحاكمة، ودهاليزها في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وكوريا الجنوبية تعترف بحقيقة الدولة العميقة التي تتخذ قرارات الحرب والسلم كما تراه مصالحها، وخاصة مسألة تزويد أوكرانيا بأنواع محدّدة من السلاح، والإغداق على حكومتها وجيشها بالمعلومات الضرورية والمعونات المالية من دون رقيب أو حسيب.
المصدر: البعث