لعبة ثلاثية الأبعاد
تدخل الصين والولايات المتحدة في منافسة طويلة الأمد، والتي ستشكّل العملية التاريخية لصعود الصين، وكذلك المشهد العالمي في القرن الحادي والعشرين. منذ أن تولّى جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة، أولت واشنطن أولوية قصوى لجذب أوروبا لربط الكتلة بعربة الولايات المتحدة المناهضة للصين.
تلعب أوروبا دوراً حاسماً في تشكيل استراتيجيات كلّ من الصين والولايات المتحدة، وسيكون لها تأثير مهمّ على الاتجاه المستقبلي للمنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة. وبالنظر إلى مكانة الاتحاد الأوروبي كشريك رئيسي لكلّ من الصين والولايات المتحدة، تحاول معظم الدول تجنّب الانحياز إلى أي جانب في التنافس بين الصين والولايات المتحدة، ووضع سياسات وطنية تستند إلى مصالحها الخاصة.
من الناحية الأيديولوجية، تشترك معظم الدول الأوروبية في موقف مماثل مع الولايات المتحدة. أما بالنسبة للأمن فإن معظم الدول الأوروبية هم حلفاء عسكريون تقليديون للولايات المتحدة، وتحافظ على التنسيق والتواصل الوثيقين مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الأمنية. أما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فمن المتوقع أن تعزّز الدول الأوروبية وجودها العسكري لدعم “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” الأمريكية من خلال إرسال قوات بحرية إلى غرب المحيط الهادئ، أو إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، تحافظ بعض الدول الأوروبية على علاقاتها التجارية السليمة مع الصين، ولكن على الرغم من تزايد حجم الاستثمار والتجارة بين الصين وأوروبا، فإن التعاون بين الجانبين في بعض الصناعات يخضع لقيود متعدّدة. من هنا تجد الصين صعوبة في التعاون بعمق مع أوروبا في مجالات التكنولوجيا المتطورة، والذكاء الاصطناعي، وفي بناء البنية التحتية الرئيسية، بسبب التأثير من الولايات المتحدة بحجة “المخاوف الأمنية”!.
خذ القضايا الأيديولوجية، على سبيل المثال، أظهرت برلمانات بعض الدول الأوروبية دعماً لتايوان، متجاهلةً موقف بكين بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، مما يضرّ بعلاقاتهم مع الصين. على مدى السنوات الأخيرة أثارت بعض البلدان الصغيرة مثل جمهورية التشيك وليتوانيا الصين من خلال إرسال مسؤولين لزيارة تايوان، وإنشاء ما يُسمّى “مكاتب تمثيلية” في منطقة الجزيرة التي حصلت على دعم من الاتحاد الأوروبي، مما يعكس التحالف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
في السابق، انتقد رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية الألمانية أنالينا بربوك، وزيرة خارجية ألمانيا الجديدة لقولها إن أوروبا قد تقاطع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 قبل تغيير موقفها. كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صراحةً إنه لا ينبغي تسييس الأولمبياد، وهذه هي الرسالة العقلانية التي يجب أن ترسلها أوروبا إلى بقية العالم.
تشير الأمثلة المذكورة أعلاه إلى أن بعض البلدان الصغيرة والبرلمان الأوروبي، وبعض البرلمانات الوطنية تميل إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية بسبب تركيزها على الأيديولوجيا، بينما تصوغ الدول الكبرى في الاتحاد سياساتها على أساس اعتبارات أكثر تعقيداً، خائفين من إثارة غضب أيّ من جانبي التنافس الصيني الأمريكي، في محاولة للحفاظ على التوازن في علاقاتهم مع القوتين العظميين، واختيار موقف يناسب مصالحهم الوطنية الخاصة.
المصدر: البعث