قائد الجيوش الأميركية: الحرب ضد موسكو وبكين من أشد الحروب صعوبة
في29 آذار الماضي أعلن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميللي في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون العسكرية الأميركية التابعة لمجلس النواب بموجب ما نشره موقع وزارة الدفاع أنه «يجب على الولايات المتحدة أن تبقى أقوى دولة في الكرة الأرضية لكي يستمر السلام بينها وبين روسيا والصين فهي تواجه لأول مرة دولتين كبريين نوويتين تجدان مصلحة قومية لهما في منافسة الولايات المتحدة وهما معاً يملكان الوسائل القادرة على تهديد الأمن القومي الأميركي لكن الحرب مع أي منهما ليست محتمة ولا وشيكة رغم أن القتال في حرب ضدهما معا سيكون صعباً جداً».
وأضاف ميللي: «لكي نردع الطرفين عن شن حرب شاملة نحتاج للاستعداد ولتحديث قدراتنا ولذلك نتطلب ميزانية بقيمة 842 مليار دولار لتأمين هذين الشرطين».
هذا ما يدل بالطبع بعد أكثر من عام على حرب الغرب ضد روسيا في أوكرانيا على أن أحد أهداف تقديم السلاح والعتاد لاوكرانيا هو إبقاء روسيا منشغلة في ساحتها لاختبار قدرة السلاح الروسي أمام كافة أنواع السلاح الأميركي – الأوروبي التقليدي كمرحلة أولى من أجل إبقاء الولايات المتحدة أقوى قوة ردع عالمية، ومنع هزيمتها أو تدهور قوتها، وهذا هو أهم شرط إستراتيجي أميركي لاستمرار الهيمنة الأميركية ونظامها العالمي الذي فرضته خلال قرن، وهو في الوقت نفسه، ما يجعل واشنطن غير راغبة بالسماح لأوكرانيا بالتفاوض مع روسيا أو غيرها على هدنة أو إيقاف للنار.
وبالمقابل يرى «مركز أبحاث راند» الأميركي الذي يديره زبينغو بريجينسكي في دراسة بعنوان «تجنب الحرب طويلة الأمد وانهائها» أن الحروب عادة لا تتوقف إلا بواحد من هذه السيناريوهات: إما الانتصار الحاسم لأحد الطرفين، وإما بإيقاف النيران والهدنة كأمر واق، وإما الشروع بالمفاوضات للتوصل لحل متفق عليه»، ويشير المركز إلى مثال سابق للهدنة في الخمسينيات حين اتفق على إيقاف النار في الحرب الكورية عام 1953 بتقسيم كوريا واستمرار الهدنة كأمر واقع حتى الآن، وفي أوكرانيا من المحتمل أن يكون هذا السيناريو أحد الحلول الممكنة لإيقاف الحرب على الساحة الأوروبية، أما على الساحة الصينية – الآسيوية فيبدو أن واشنطن تسعى إلى تحويل تايوان إلى نسخة مماثلة لأوكرانيا لإشغال الصين بحرب استنزاف تشن من تايوان لاختبار أسلحة الصين كمرحلة أولى، فواشنطن بدأت بتعزيز قدرات تايوان الحربية بمنحها أسلحة مجانية بقيمة 500 مليون دولار وزادت من أشكال الدعم العسكري لكوريا الجنوبية استعدادا لتهيئة هذا الخيار ضد الصين، وبالمقابل سارعت القيادة الصينية على لسان «جيش التحرير الشعبي الصيني» بالإعلان في 16 أيار الجاري أن «الجيش سيسحق كل محاولات التدخل الخارجي وأنه لم يعد يتحمل ذلك أبداً».
وتنشغل مراكز الأبحاث الغربية والأميركية بعد هذه التطورات بمحاولة الإجابة على أهم سؤال وهو: «هل يمكن لواشنطن والأطلسي مجابهة الدولتين الكبريين روسيا والصين معاً؟ وهل يمكن الاستفراد بواحدة منهما»؟
يلاحظ الجميع أن كلا المعسكرين الأميركي الغربي والمعسكر الروسي الصيني نفذا خلال عام عدداً من المناورات العسكرية في مختلف المناطق البحار، وهذه المناورات تشكل اختبارات متواصلة لقوة كل طرف، ولا يعلم نتائجها إلا الذين قاموا تنفيذها، لكن معظم رجال الأبحاث يميلون إلى وصفها بنوع من استعراضات قوة الردع بين الطرفين إضافة للفوائد التي تتيحها عسكرياً، ويحذر بعض المختصين بهذه الشؤون من أن أي خطأ يرتكبه الطرف الأميركي بتقدير قوة روسيا أو الصين قد يقود إلى حرب شاملة تصبح الساحة العالمية أسيرة لها أو رهينة فيها، ويميل البعض إلى الاستخلاص بأن واشنطن لا يمكن أمام دولتين كبريين أن تجد فائدة باستخدام قواتها بحرب مباشرة ضدهما ما دامت توجد قوى بشرية عسكرية غير أميركية توظفها ضد روسيا والصين وعند ذلك تفضل الاستمرار في هذه اللعبة لحماية جزء من هيمنتها بدلا من المقامرة في حرب مباشرة مع دولة منهما أو دولتين، وكان ميللي قد أقر «بوجود صعوبة كبيرة جداً» في مجابهتهما في هذه الظروف وبخاصة في معضلة المجابهة النووية، لكن النتيجة النهائية من كل هذه الاحتمالات والفرضيات تؤكد أن الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لا يمكن أن يفرضا على العام نظامهما الذي تآكل في أوكرانيا ضد روسيا وسينتهي دوره في تايوان ضد الصين.
المصدر: الوطن