واشنطن على الهامش
«واشنطن على الهامش»، ليس توصيفاً عرضياً لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كي تنشره صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فلهذا التوصيف دلالات ومعان يسلط الضوء على العديد من المستجدات في المنطقة، فكلنا يعلم الدور الأمني والعسكري لواشنطن في الشرق الأوسط، في ظل ضعف واضح للدور الدبلوماسي لها، والذي لا يتحرك إلا وفق المصالح الذاتية البعيدة كل البعد حتى عن أصغر المصالح الضرورية للحلفاء والشركاء.
الصحيفة الأميركية نشرت أن الاتفاق الذي تم بين طهران والرياض وجرت مفاوضاته في بكين، أظهر إعادة ترتيب مؤقتة على الأقل للتحالفات والخصومات المعتادة، مع ترك واشنطن على الهامش، معتبرة أن الاتفاق يعدُّ من بين أكبر التطورات وأكثرها تقلباً، وهو تحوّلٌ «أذهل العواصم في العالم»، مشيرةً إلى أن التحالفات والتنافسات التي حكمت الدبلوماسية لأجيال انقلبت في الوقت الحالي على الأقل، وبحسب الصحيفة فإن الأميركيين الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى القرن الماضي، يجدون أنفسهم الآن «على الهامش» في لحظة تغيير كبير.
الفراغ الدبلوماسي لواشنطن في المنطقة، لا يملؤه إلا دبلوماسية مقتدرة وذات أفق إستراتيجي بعيد المدى، تنم عن سمات قطب عالمي متنام غايته تحقيق السلام والازدهار لكل شعوب العالم، عوضاً عن الحروب والحصار والتجويع الذي أرخت ظلاله سياسة القطب الواحد.
خطوة المملكة العربية السعودية في هذا الاتجاه كقوة إقليمية كبيرة، خطوة جريئة وشجاعة تحسب لها لجهة مصالحها القومية والوطنية، وكذلك الأمر للجمهورية الإسلامية في إيران، التي لطالما أكدت على علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
أما الكيان الصهيوني الذي يعيش أسوأ مراحل نشأته على المستويين الداخلي والخارجي، فهو مصاب بالذهول، لأن الاتفاق يعد هزيمة دبلوماسية من العيار الثقيل، تزيد من حدة التوتر والانقسام بين ساسته وقادته الذين لم يتوقفوا عن تحميل بنيامين نتنياهو مسؤولية هذه الهزيمة، بعد أن حاول وضع العالم والمنطقة في أجواء الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
الصين توجت تقدمها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي بتقدم دبلوماسي عظيم في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم قابلية للانفجار واشتعال النزاعات العسكرية، خاصة في ظل حضور عسكري أميركي كبير مدعوم بمخفر متقدم كالكيان الصهيوني، لتبدو المشاهد السياسية هي «التهميش الأميركي والذهول الإسرائيلي».
نتائج الاتفاق السعودي الإيراني تحت الرعاية الصينية يحسب للجميع، ولكن كما تعودنا في السياسة نحن بانتظار نتائجه على ملفات المنطقة كاملة التي تتشابك مع بعضها بعضاً، ولاشك أن أي اتفاق يضع الحوار كوسيلة للحل هو اتفاق ناجح حتماً، وسيحقق النتائج الإيجابية المرجوة له.
المصدر: الوطن