"طريق التنمية" وحرب الممرات !

في خضم التوجه إلى السيطرة على الطرق والمعابر والممرات التجارية العالمية نشهد حركةً سريعة نحو البلدان التي تمر منها تلك الممرات والطرق الاستراتيجية الهامة. فمنذ أيام، وقعت دولة الإمارات والعراق وتركيا وقطر مذكرة تفاهم رباعية للتعاون في مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي. وشهد توقيع مذكر التفاهم رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين في العاصمة بغداد.

ابريل 28, 2024 - 08:08
"طريق التنمية" وحرب الممرات !
"طريق التنمية" وحرب الممرات !

        في خضم التوجه إلى السيطرة على الطرق والمعابر والممرات التجارية العالمية نشهد حركةً سريعة نحو البلدان التي تمر منها تلك الممرات والطرق الاستراتيجية الهامة. فمنذ أيام، وقعت دولة الإمارات والعراق وتركيا وقطر مذكرة تفاهم رباعية للتعاون في مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي. وشهد توقيع مذكر التفاهم رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين في العاصمة بغداد. وقع مذكرة التفاهم عن الجانب الإماراتي سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية وعن الجانب العراقي وزير النقل رزاق محيبس، وعن الجانب التركي وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، وعن الجانب القطري وزير المواصلات جاسم بن سيف السليطي.

وكان قد قال مكتب رئيس الوزراء العراقي، في بيان له إن المذكرة بين الدول الأربع تهدف إلى التعاون المشترك بشأن مشروع طريق التنمية الاستراتيجي، وتتضمن المذكرة قيام الدول الموقعة بوضع الأطر اللازمة لتنفيذ "مشروع طريق التنمية الاستراتيجي"، الذي سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، كما سيعمل على زيادة التجارة الدولية وتسهيل التنقل والتجارة، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي.[1]

وقال رئيس الوزراء العراقي: إن الطريق إلى التنمية لا يقتصر على اختصار المسافة فحسب، بل يصبح جسرا بين شعوب وثقافات المنطقة ويدعم الأمن والاستقرار في المنطقة. وأضاف: تتضمن مذكرة التفاهم هذه إجراءات الدول الموقعة لتحديد الأطر اللازمة لتنفيذ خطة التنمية.

بداية مشروع "طريق التنمية"

كان قد أعلن العراق خلال مؤتمر جمع مسؤولين من دول مجاورة في بغداد مشروع خطّ بري وخط للسكك الحديدية يصل الخليج بالحدود التركية، حيث يطمح العراق من خلاله ليصبح طريقاً أساسياً لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا. ولا يزال المشروع الذي حدّدت الحكومة العراقية كلفته بنحو 17 مليار دولار وبطول 1200 كلم داخل العراق، في مراحله الأولى.

وتطمح بغداد إلى تنفيذ هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم “طريق التنمية”، بالتعاون مع دول في المنطقة، هي قطر والإمارات والكويت وعمان والأردن وتركيا وإيران والسعودية وسورية، والتي دعي ممثلوها يوم السبت إلى العاصمة العراقية للمشاركة في المؤتمر المخصص لإعلان المشروع في 27 أيار/مايو 2023 .  [2]

"طريق التنمية" يشمل طريقين للطرق البرية والسكك الحديدية يربطان جنوب تركيا من نقطة فيشخابور الحدودية في كردستان العراق وبالقرب من الحدود السورية إلى (البصرة - بندر الفاو) وحتى الخليج العربي، حيث يمر هذا طريق عبر محافظات النجف وكربلاء وبغداد والموصل، ويوفير فترات عبور أقصر من قناة السويس ويؤمن الاتصال المباشر مع أوروبا عبر ميناء مرسين، وهذا هو الطريق الأقرب والأسرع الذي يربط أوروبا بالخليج الفارسي عبر أراضي تركيا والعراق.

أهمية هذا الطريق

ترجع أهمية هذه الطريق إلى سببين: أولاً، هناك اهتمام متزايد بتطوير طرق التجارة الدولية والعابرة للحدود في المنطقة والعالم؛ وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، فقد أصبحت اليوم المنافسة الجغرافية والاقتصادية مهمة جداً؛ فمن ناحية، نرى مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومن ناحية أخرى نرى الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تدعمه الولايات المتحدة. وهنا تأتي أهمية هذا الطريق التي تتقاطع مع مصالح الصين في تكميل مشروعها مباردة الحزام والطريق، ويعتبر طريقاً ينافس الممر الهندي – الأمريكي.

بحسب قول وزير النقل والبنية التحتية التركي (عبد القادر أورال أوغلو): مع اكتمال مشروع "طريق التنمية" الذي يمر عبر تركيا والعراق، سيتم تقليص عملية نقل البضائع بمقدار 25 يومًا. وأوضح أيضاً: يستغرق مرور السفن عبر قناة السويس 35 يوما، وأكثر من 45 يوما من جنوب أفريقيا، لكن في حال اكتمال طريق التنمية سيتم تخفيض هذه المدة إلى 25 يوما. وتندرج فكرة طريق التنمية في هذا الخط من أنه مشروع اقتصادي تنموي يتمحور حول هدف سياسي، وهو الحفاظ على الوضع الراهن من خلال البحث عن حلول جزئية للتحديات الاقتصادية.

وقال ناصر الأسدي، مستشار سوداني لشؤون النقل، إن الهدف من طريق التنمية هو تحقيق أكثر من مجرد روابط تجارية عابرة للحدود، حيث أن الطريق أيضاً بمثابة شريان يسمح بتدفق دماء جديدة إلى الاقتصاد العراقي. [3]

ردود الأفعال !

بعد التوقيع على هذه المذكرة ظهرت ردود أفعال مختلفة على مستوى دول المنطقة، ومنها في الكويت، حيث صدرت مواقف غاضبة من أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، الذين علّق أكثر من ثلثهم (من أصل 50 عضواً) على توقيع مشروع "طريق التنمية" في بغداد، والذين اعتبروه في ظل تعثر إنجاز مشروع "ميناء مبارك"، فشلاً لسياسات الحكومة الكويتية في موضوعات التنمية وتطوير الموانئ.

وقال الخبير الاقتصادي الكويتي محمد رمضان : "لو كانت الكويت عندها ميناء وتجهيزات لوجستية كافية لأصبحت جزءا مهما من هذا المشروع، ومن الممكن أن تنطلق السكك الحديدية من الكويت إلى العراق وإلى تركيا وهكذا، ولكن بسبب عدم وجود أي بنى تحتية أو لوجستية جاهزة يمكن استخدامها لمثل هذه المشروعات، وبالتالي تم الاتجاه إلى العراق بطبيعة الحال. وتابع: خسرنا فرصا للاستثمار اللوجستي والنقل لتأخرنا في بناء البنى التحتية اللازمة لمثل هذه المشروعات المهمة والحيوية في البلاد". [4]

إقصاء إيران وحرب الممرات

إن استبعاد إيران عن طرق النقل الدولية والممرات العالمية هو سياسة تخطط لها دول معادية لأيران وأولها أمريكا، فمن خلال العقوبات الشديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على كل الدول التي تتعامل مع إيران، لن تتشجع تلك الدول وحتى جيران إيران على المضي في تطوير مشاريع النقل والتجارة الدولية عبر الاراضي الإيرانية. فبالنسبة لهذا الطريق رغم أن إيران كانت موجودة في بداية إنطلاق هذا المشروع وكانت حاضرة في مؤتمر الإعلان الخاص فيه منذ عام تقريباً، فلماذا الآن تم إقصاءها من مشروع "طريق التنمية الاستراتيجي"؟ كل هذه المخططات حول محاولة إبعاد إيران عن الممرات الدولية أو إيجاد طرق منافسة لابد أن ينظر له وإلى مخاطره وأهدافه في المستقبل، إن الوضع المحيط بإيران يتغير بسرعة وحتى لايتم استبعادها من التطورات الجيوسياسية والجيواقتصادية، يجب أن تجد حلولاً سياسية ودبلوماسية لكسب هذه المشاريع الاستراتيجية الهامة في ظل السباق الحاصل على السيطرة على أهم الطرق الدولية في العالم، وإيران لها موقع جغرافي هام يصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، ولهذا يريدون ضرب ميزة إيران الجيوسياسية والجيواقتصادية، وربما يكون لها عواقب اقتصادية وأمنية لإن كثيراً من الحروب كان هدفها الأساسي هو السيطرة على الممرات والطرق الدولية أو منعها ومثال ذلك الحرب السورية التي كان من أهمها مد خط الغاز من إيران إلى سورية عبر العراق والذي عارضته قطر وتركية بشدة لأنه يحد من توريد الغاز القطري لأروبا.

د.حسام السلامة


[1] https://www.sharjah24.ae/ar/Articles/2024/04/22/ZX66

[2] www.swissinfo.ch/ara/العراق-يعلن-مشروع-طريق-التنمية-للربط-البري-بين-دول-الخليج-وتركيا/48546538

[3] https://economy-news.net/content.php?id=42779

[4] www.alaraby.co.uk/economy/غضب-كويتي-من-مشروع-طريق-التنمية-يهدّد-ميناء-مبارك