طبيعة العلاقات الفرنسية العراقية

طبيعة العلاقات الفرنسية العراقية

يوليو 30, 2023 - 14:41
طبيعة العلاقات الفرنسية العراقية
طبيعة العلاقات الفرنسية العراقية

منذ تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة ووصول شارل ديغول إلى السلطة، أرادت فرنسا إنشاء دولة مستقلة، ولكن ليس في ظل كتلتين عملاقتين كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. لهذا السبب حاولت السباحة عكس التيار وبناء علاقات حسنة مع الدول العربية. بالطبع ، احتاجت فرنسا إلى هذه العلاقة لتأمين المواد الخام والنفط لإعادة الإعمار بعد الحرب. في السبعينيات والثمانينيات كانت فرنسا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للعراق. حيث كانت من الموردين الرئيسيين للأسلحة العراقية المتطورة والذخيرة في الحرب مع إيران.

لكن الحرب العراقية الكويتية ثم بعده الهجوم الأمريكي على العراق تسببا في انقطاع طويل في العلاقات بين البلدين. بعد ظهور داعش بدأت فرنسا، التي تعرض أمنها للخطر بسبب وجود إرهابيي داعش الفرنسيين، الذين لم يعودوا بالضرورة تحت قيادة من أوجدهم، بدأت بالتفكير تدريجياً في السيطرة على هذه الظاهرة ومكافحتها وتحت هذه الذريعة، حتى اليوم، تحتفظ بقواتها العسكرية في الشرق الأوسط والعراق.

توصف العلاقات بين هذا البلد والعراق الآن بأنها "ديناميكية للغاية". في السنوات الأخيرة ، قام مسؤولون عراقيون في فرنسا وأيضاً الفرنسيون في العراق بالعديد من الرحلات "رفيعة المستوى"، بما في ذلك إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي. سافر إيمانويل ماكرون إلى الشرق الأوسط عشر مرات خلال السنوات الست الماضية له في السلطة.

ومع ذلك ، يختلف الخبراء حول طبيعة العلاقات بين فرنسا والعراق. وبحسب عادل بكوان ، مدير مركز الأبحاث الفرنسي للدراسات العراقية (Cfri_Irak )، فإن "باريس تعتقد أن العراق هو مركز الشرق الأوسط. عندما تكون الدولة آمنة ومستقرة ومتطورة، المنطقة بأكملها لها تأثير إيجابي. وعلى العكس من ذلك، عندما يفقد العراق الاستقرار والأمن والتنمية، ستكون المنطقة أيضًا في حالة اضطراب. ويذكر هذا الخبير أن: "فرنسا مستعدة لإقامة شراكة وليس تعاون فقط في كافة المجالات مع جمهورية العراق". العراق منقسم عرقيا ودينيا وسياسيا، وفي ظل هذه الانقسامات، يمكننا في بعض الأحيان أن نوجدعلاقات خفيفة، لكن العراقيين بشكل عام يريدون المشاركة في هذه الشراكة طويلة الأمد مع فرنسا."

 تعتقد ميريام بينراد، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة شيلر الدولية، أنه إذا كانت هذه علاقة ثنائية ديناميكية، " فإن هذه ليست علاقة تستطيع فرنسا من خلالها أن تمارس نفوذاً كبيراً في العراق وتوفر له فرصاً كبيرة". وتضيف أنها "بصرف النظر عن الخطة العسكرية والقتال المحدود للغاية ضد داعش، ظل التعاون محدودًا نسبيًا بين البلدين. لذلك تتعاون فرنسا مع العراق كما تتعاون مع دول أخرى في الشرق الأوسط و لا توجد أولوية خاصة للدبلوماسية الفرنسية الحالية فيما يتعلق بالعراق. وبحسب معطيات موقع وزارة الخارجية، فإن فرنسا هي الشريك الثاني للعراق في التحالف ضد داعش، وتشارك باريس أيضًا في مهمة الناتو (NM-I  مهمة حلف شمال الأطلسي في العراق، غير مقاتلة).[1]

تعتقد الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، هلويز فايه، أن "باريس هي آخر عاصمة غربية تضع مكافحة الإرهاب في مقدمة أولوياتها في المنطقة، هناك خطر إيجاد "ريع أمني" في العراق وسورية، وذلك في ظل تصاعد المنافسة على صادرات الأسلحة إلى دول الخليج الفارسي.ومع ذلك فقد تم القضاء على التهديد الإرهابي المحلي تقريبًا وتحتاج فرنسا إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة. في عام 2021 ، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 1100 هجوم في العراق، لكن هذا العدد يتناقص عامًا بعد عام ولم يعد داعش تقريبًا قادرًا على تنسيق هجمات واسعة النطاق في العراق.

قضية أخرى هي معوقات الوجود الفرنسي الفعال في العراق ومنها تواجد إيران وحلفائها في المنطقة (مثل حزب الله العراقي والحشد الشعبي). على الرغم من أن المحللين الفرنسيين يعلمون أن تجنيد الحشد الشعبي في العراق أمرٌ من آية الله السيستاني لتعبئة الناس ضد داعش، فإنهم يدركون جيدًا أن القوة العسكرية الشيعية المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكل مشكلة للنفوذ الفرنسي في المجالات الأمنية والعسكرية داخل العراق. نتيجة لذلك بعد تمرد قوات فاغنر، وهي تعتبر قوة عسكرية خاصة وغير رسمية في روسيا، فقد أظهروا بعد تلك الحادثة مواقف لتشويه سمعة الحشد الشعبي بالمقارنة مع تلك القوات المرتزقة.

لذلك ، هناك شكوك جدية حول قدرة ماكرون على إيجاد موطئ قدم له في العراق. لأنه على الرغم من اهتمام ماكرون الكبير بتقديم صورة كاريزمية عن نفسه، إلا أنه في الواقع لم يُظهر قوة حقيقية حتى في بلده، ورافقت حركاته الإستعراضية العديد من الاحتجاجات والإعتراضات. خلال سنوات الاستعمار الطويلة ، حافظت فرنسا على سياستها ضمن المصلحة الشخصية دون احترام حقيقي للشعب وثقافته وحضارته. في هذه الفترة الزمنية ليس من الممكن تحديد أهمية البلدان و وضعيتها بشكل واضح، خاصة وأن العراق يختلف اختلافًا جوهريًا عن لبنان أو إفريقيا. في البلدان المذكورة تمتلك فرنسا قاعدة ثقافية وتاريخًا مشتركًا في التواصل مع الناس (باللغة الفرنسية)، ولكن في العراق ليس للغة الفرنسية وحتى للغة الإنجليزية مكانة خاصة أو انتشار واسع فيه. نتيجة لذلك يجب أن تقضي فرنسا بضع سنوات في تغيير ثقافة الشعب وتوسيع اللغة الفرنسية. لهذا السبب من المحتمل أن نشهد زيادة في مراكز ومعاهد تعليم اللغة الفرنسية بالإضافة لمراكز مشابهة للمراكز الثقافية لخلق فضاء فكري تنويري فني تجلب الناس إليها كي لا تبقى بعيدة عن اهتمامات الناس.

بالطبع في الوقت الحالي، بدأت من المناطق الكردية والسنية، حيث تقل احتمالية المواجهة وتوجد نزعات انفصالية ومعارضة بين الناس. حقيقة أن وجود منظمة "أطباء بلا حدود" يتركز في هذه المناطق و قد لا يكون بعيد الإرتباط بخطط فرنسا المستقبلية في هذه المناطق. يبدو أنها ستدخل المناطق الشيعية بحذر أكبر ، وربما أكثر من خلال المدارس ورياض الأطفال ، خاصة للفتيات (ومع إيجاد صفوف مختلطة) لأن البالغين لديهم معلومات أقل تحديدًا عن الأطفال وسيؤدي ذلك إلى وضع أقل حساسية.

حکیمه زعیم باشی


[1]. https://amp.france24.com/fr/moyen-orient/20230320-entre-paris-et-bagdad-une-relation-ancienne-en-pleine-reconstruction