زيارة رئيسي.. وخروج واشنطن من توقيت المتوسط
هي زيارة تضبط ساعة المنطقة على توقيت محور المقاومة وتعلن تقويماً جديداً للشرق الأوسط قائم على السلام والاستقرار بعد عقود وسنوات من الممانعة لمشاريع الاستكبار الصهيوأميركي لتمد زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد ابراهيم رئيسي سجادها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي بين طهران ودمشق فوق معادلة جديدة وكبرى في المنطقة شكلتها انتصارات وثبات سورية وايران وكل الدول المناهضة لمشروع الهيمنة الأميركية. الزيارة الأهم لهذا التوقيت في قاموس المصطلحات السياسية للمحللين وأصحاب النظريات السياسية، فهي مشهد من مشاهد دخول المنطقة الى عالم متعدد الأقطاب يتكامل فيه هذا المشهد مع ما جرى قبله من صور ومشاهد مصالحة سعودية – ايرانية وسورية – عربية صدمت واشنطن التي تستشعر من الشرق وما يجري فيه من انفتاح ومصالحات للدول خطر تراجع نفوذها ليس في فقط منطقة الخليج الفارسي، بل في العالم كله.. فالشرق الأوسط طالما كان المرآة العاكسة لحال الإدارة الأميركية واليوم تظهر فيه بوضوح ملامح أفول الهيمنة الأحادية لواشنطن بعد ظهور المصافحات الاقليمية بوساطات صينية وروسية تفسح مجالاً للحوار حول طاولات السلام وعودة العلاقات الطبيعية.
القمة الايرانية – السورية في دمشق وسط ظروفها الاقليمية والعالمية تأتي بعد مراحل من العمل السوري – الايراني المشترك عبر محور المقاومة الذي مزق خرائط كونداليزا رايس وأسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأطفأ حرائق الارهاب التي أشعلتها أميركا وربيبتها “اسرائيل” في المنطقة، فأفرغ كل مضامين اتفاقات “ابراهام”، لذلك وأكثر تجحظ عيون “إسرائيل” وهي ترقب المشهد، ويسيل حبر تحليلاتها فوق وجع الخسارة وتقلق أكثر وتخاف من أهمية زيارة الرئيس ابراهيم رئيسي في هذه الظروف التي تتراجع فيها كل استراتيجياتها التي وضعها نتنياهو لحصار سورية وايران، والتي انقلب فيها سحره السياسي الأسود في التطبيع على السحرة الصهاينة وبدلاً من أن يوسع نتنياهو علاقاته في دول الخليج الفارسي ويحقق وعود خطابه الانتخابي بالمزيد من التطبيع تخطف أنفاسه الانفتاحات العربية والاسلامية على بعضها مازاد طين نتنياهو الغارق بالمشاكل الداخلية بلّة وبسرعة فاقت التوقعات الأميركية والصهيونية التي حلمت يوماً بـ”ناتو” لدول الخليج الفارسي تهدد فيه دول المنطقة المقاومة لها وعلى رأسها ايران فجاءها الرد اليوم من الزيارة الى دمشق ليس لأنها الأولى ولا الأخيرة.
فالعلاقات السورية – الايرانية عميقة وعريقة؛ لكنها اليوم تأخذ زخماً أكبر وسط المصالحة السعودية – الايرانية والسورية – العربية والإقليمية أيضاً، ما يعكس انتصار كل من سورية وايران وكسرهما الحصار السياسي بعد الانتصار العسكري ضد الارهاب وسعيهما لكسب المعركة الاقتصادية بالتغلب على العقوبات وبمشاركة دول المنطقة والعالم الذي بات على يقين بأن سقوط الهيمنة الأميركية يكتمل بسقوط الدولار في سلة المهملات التجارية بين الدول.
ولعل أهم رسائل الزيارة هو أن يرتقي مستوى التنسيق بين دمشق وطهران في كل المجالات الى مستوى العلاقة التاريخية والسياسية، وهو ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد قبل أيام من الزيارة لوفد ايراني رفيع المستوى، وهذا يشير الى أن سورية وايران تطمحان لمزيد من تطوير العلاقة على مستوى محور المقاومة ليكون المشهد أكثر تماسكاً وقوة على حساب تراجع الخطط الإسرائيلية في المنطقة والنفوذ الأميركي أمام خيار تنويع الدول في شراكاتها الاستراتيجية خاصة مع الصين وروسيا.
لذلك وأكثر نرى الجنون الاسرائيلي يحاول بعدوانه على سورية التعبير عن يأسه في محاولاته كسر محور المقاومة باستهدافه المباشر على الأرض السورية وما يتبجح به من حجج واهية للعدوان وعن استهدافه قواعد لإيران؛ لكن الضربات تأتي عكسية ومؤلمة للكيان الغاصب الذي فشل في كل محاولاته ضرب التحالف والشراكة السورية – الايرانية والتي حيكت بخيوط من ذهب العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين والتي تعود جذورها الى انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ هناك، حيث جمع مبدأ رفض المحتل الاسرائيلي وكل الاتفاقيات معه دمشق وايران، وبدأت تظهر ملامح محور المقاومة في العلاقات السياسية والثقافية بين البلدين وفي بداية الثمانينيات تبلور المشهد أكثر مع صعود المقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة ودعم سورية وايران بكل إمكاناتهما لها ورفضهما لمؤتمر مدريد، وبدأت بعدها الاتفاقات العسكرية والاقتصادية واشتد عود المقاومة في حرب تموز وما تلاها من محطات مضيئة في تاريخ تلك العلاقة الإستثنائية بين بلدين والتي تجاوزت مرحلة المصالح، وارتقت الى مستوى أخلاقي تجسد في مبادئ محور المقاومة القائم على رفض العدوان ورفع الظلم عن شعوب المنطقة كلها لتشكل العلاقة السورية – الايرانية نموذجاً جديداً في أشكال العلاقات الدولية.
فما جمع طهران ودمشق تجلى أكثر بعد الحرب الارهابية على سورية، حيث كان الجيش العربي السوري وحلفاؤه في ايران والمقاومة اللبنانية غرفة عمليات قتالية واحدة تدافع عن العالم بأسره وتخلصه من رجس الإرهاب الذي نشرته واشنطن والغرب كالوباء في المنطقة، فكان للعلاقة الوثيقة بين البلدين الدور الأعظم في فضح الحبل السري بين التطرف وواشنطن ومحاربة هذا المشروع الخطير وإفشاله، وإسقاط قناع الديمقراطية الأميركية ومن ثم إخراجها ذليلة من معادلة المنطقة كلها.
واليوم تأتي زيارة الرئيس الايراني الى سورية تتويجاً لكل انتصارات المرحلة السابقة وخطوة ذهبية تؤسس لانعطافة في المنطقة تقودها سورية وايران بانتصارهما وفرضهما واقعاً جديداً رحبت به معظم الدول العربية والاقليمية ووجدت به الحل الأمثل للاستقرار والتنمية لكل الشرق الأوسط بدلاً من خراب الحرائق التي أشعلها الغرب ليتدفأ الكيان الصهيوني الغاصب على أجساد شعوب المنطقة.
زيارة رئيسي مهمة كما وصفتها كل وسائل الإعلام حتى المعادية وهي تحت الأضواء العالمية التي باتت ترى بوضوح عمق العلاقة الايرانية – السورية ونتائجها الايجابية ليس فقط على الشعبين السوري والايراني، بل أيضاً على كل من ذاق مرارة التحالف مع واشنطن واستبدادها بأن تكون أميركا أولاً فجعلت العلاقة السورية – الايرانية أميركا أخيراً في كل الحسابات الإقليمية بدءاً من السياسية وليس انتهاء بالاقتصاد والثقافة، ولان بين البلدين ورقة ذهبية لا تحترق رغم كل لهيب واشنطن وهي ورقة المقاومة، لذلك لم تخش العقوبات الأميركية، بل انتصرتا عليها وكسرتا قيودها وتحدتاها ببواخر النفط الايراني وهي تزود سورية بالطاقة في الوقت التي يسرق الاحتلال الأميركي النفط في الشرق السوري.
اليوم مع زيارة الرئيس الايراني مرحلة أخرى من تمريغ أنف عقوبات قيصر الأميركي في وحل التجاوز والارتقاء بالتعاون الثنائي الى أرقى الدرجات السياسية والاقتصادية التي بات الشعبان السوري والايراني مرتاحين لها أكثر وهما المؤمنان أن رغيف المقاومة نضج وسيشبع المنطقة بأسرها.