خطّة الجنرال الأمريكي فينزل والرغبة باستئصال المقاومة
بالتزامن مع التقارير الإعلاميّة والتسريبات حول خطّة الجنرال الأمريكي فينزل، تجنّبت الحكومة الأردنية التعليق على المعلومات التي تحدّثت عن مُشاركة الأردن بخطّة أمنية لجمع وتدريب وتأهيل “قوات خاصة فلسطينية” تتولّى ما أُطلق عليه "استعادة الهدوء" في مدن الضفة الغربية، في ظل ارتفاع احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية والتنبؤ بذلك على أكثر من صعيد وجهة سياسيّة، وقد كثر الحديث مؤخراً عن مبادرات أردنية ذات بعد بيروقراطي ودبلوماسي وسياسي وحتى أمني في عمق معادلة الأزمة الفلسطينية مع الاحتلال، لإعادة تأهيل وتدريب قوات أمنية فلسطينية على أمل مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية في تمكين أجهزتها وأذرعها الأمنية مجددا في ظل الازمة الحادة التي تواجهها، ورسم صورة سوداوية لتداعيات انهيار السلطة من التدهور في الأوضاع الأمنية، وبما أن تل أبيب لم تنجح حتى بمُساعدة من الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة في رام الله في وأدها، يبدو أن الأمور تأخذ مسارات أخرى في هذا الخصوص، حيث أثارت التسريبات جدلا واسعاً وخاصة في فلسطين.
خطة للقضاء على المقاومة
في الوقت الذي تسير فيه تلك الأحداث عقب هجوم السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” المستمر على المقاومة وتحديدًا مجموعات “عرين الأسود”، حذّرت بيانات المعارضة في الأردن بشكل صريح من المساهمة في “التآمر على المقاومة الفلسطينية”، رغم عدم وجود معلومات دقيقة ودامغة حول برامج محددة متفق عليها لإحتضان عملية تدريب وتجميع للقوات الأمنية التابعة للسلطة، والتي لاحظ الجميع مؤخرا أنها تحرّكت بخُشونة لاستعادة زمام الأمور في منطقة نابلس وبالأخص خلال اليومين الماضيين، فيما يحذر مراقبون للشأن الفلسطيني من خطة أمريكية – إسرائيلية تشارك فيها السلطة الفلسطينية لاستئصال المقاومة في الضفة، بافتعال حرب أهلية على غرار خطة الجنرال الأمريكي كيث دايتون عام 2006، والتي وضعت بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، حيث إنها ما زالت قائمة، مع تغير الأدوات والشخصيات والجغرافية.
واليوم تنفذ مشاريع العدو نفسها، لكن على يد الجنرال الأمريكي مايك فينزل، ويقول الكاتب والباحث الفلسطيني مصطفى اللداوي، إنه “قبل أن ينعتق الفلسطينيون من رقبة دايتون ولعنته، ويتخلصوا منه ومن تركته، طالعهم خلَفه الجديد مايك فينزل، المبعوث الأمريكي الجديد، الذي يحمل ذات الأفكار، ويسير مع السلطة الفلسطينية على ذات المنوال، يعد ويكذب، ويتعهد ويخلف، ويمنيهم ويورطهم، ويغرقهم أكثر في التنسيق الأمني” وفقاً لمواقع إخباريّة، وقد أثيرت مسألة دور الأردن في هذه القضية على هامش اجتماع قمة العقبة الأمنية الأخير على ساحل البحر الأحمر (350 كيلومتر جنوبا)، بمشاركة وفد يمثل السلطة الفلسطينية، ومسؤولين من الحكومة الإسرائيلية، وحضور وفود من أمريكا ومصر والأردن، لبحث ومناقشة ملفات سياسية وأمنية وعسكرية، وسط تنديد فصائلي وشعبي كبيرين، وصدر عن القمة بيان أكد على ضرورة خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، و”منع المزيد من العنف”، ووقف الاستيطان والبؤر الاستيطانية لستة أشهر، ووضع الجنرال الأمريكي “مايك فنزل” خطة لتدريب 12 ألف عنصر أمني فلسطيني لمحاربة المقاومة في شمال الضفة الغربية.
وعلى هذا الأساس، يرغب وزير الخارجية الامريكي توني بلينكن عودة الأجهزة الأمنية التابعة لرام الله لمواجهة المقاومين وخصوصا في مدينتي نابلس وجنين، والمقصود بالتحديد كل من مجموعة "عرين الأسود" و "كتيبة جنين"، حيث يرغب العدو ومن خلفه مواجهة المقاومة التي تتطور كماً ونوعاً، فيما يتم الحديث عن مبادرة مصرية أردنية - أمنية غامضة يعتقد ان لها علاقة بإعادة تاهيل وتدريب مكونات الأجهزة الامنية الفلسطينية وبصورة تعالج الملاحظات الامنية اللوجستية التي تحتفظ بها المستويات الامنية الصهيونية.
من جانب آخر، تضغط بعض الدول العربية مع واشنطن على السلطة الوطنية الفلسطينية بصورة توحي بان المطلوب من الأطراف العربية في المحيط وفي الداخل الفلسطيني بعد الان امريكيا، هو حل مشكلة ومعضلة تل أبيب في المدن التي توجد فيها مجموعات مقاومة مسلحة نشطة في الأراضي المحتلة والضفة الغربية وأبرزها نابلس وجنين، وخلف الكواليس يتم طبعا تمرير وتبرير هذه التفاهمات والهرولات على اساس ان الفراغ الذي خلفته الاختراقات الصهيونية للمدن الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني بين السلطة وكيان العدو يمكن ان تلجأ لتعبئته طهران وحلفاؤها في المنطقة، وقد لاحظ الجميع أن عاصمتين عربيتين مثل القاهرة وعمان ينخرطان بشكل واضح وملموس في الترتيبات الأمنية التابعة للبيت الأبيض تحت عنوان برنامج التهدئة والبحث عن ما يمكن تسميته "أفق سياسي مفقود" والعمل على منع التأزيم واندلاع حالة فوضى و انهيار النظام القانوني في الاراضي المسلوبة إسرائيليا، علما بان فصائل المقاومة في كل الأحوال هي الهدف الأول والأخير من كل هذه الترتيبات بصرف النظر عن مدى استمرايتها ونتائجها.
دورٌ أردنيّ قديم
عقب العاصفة الإعلاميّة التي أثارتها الأنباء التي تتعلق بهذه القضية والحساسة، يرى مسؤولون أردنيون لم يكشفوا عن هوياتهم –وفقاً لمواقع إخباريّة معروفة- أن مُساهمة الأردن ليست جديدة أبداً في تدريب وتأهيل قوات الأمن الفلسطينية، معتبرين أنّ حقن دماء الفلسطينيين وتثبيت برنامج التهدئة في نهاية المطاف، هو جزء من استراتيجية أشمل تدعمها عمان مع "الشرعية الفلسطينية"، وبالتالي لا مبرر –باعتقادهم- للقلق ولا للإثارة ولا لإخراج موضوع المساهمة الأردنية في تدريب وتأهيل كوادر أمنية تابعة للسلطة في فلسطين والتعامل معها خارج سياقها وبصيغة منحرفة فيها الكثير من المبالغة وفقاً لمحللين.
من ناحية ثانية، يتحدّث آخرون عن دور أُردنيّ متجدّد في تدعيم أجهزة السلطة الفلسطينية بهدف حقن دماء الفلسطينيين والتخفيف من الاقتحامات الصهيونية وتقديم خدمة شمولية للتهدئة، حسب رأيهم، لكن مثل هذا الأمر وفي سياق الترقب المرتبط بما يسمى "خطة الجنرال الامريكي فينزل" الجديدة كبديل عن خطة الجنرال دايتون أو تجديد لها هو ما يُقلق الشارع الفلسطيني الذي تعود على الغدر العالميّ عُموماً.
أيضاً، يمكن اعتبار أنّ خطة الجنرال فينزل بدأت عمليّاً على الأرض في نابلس في إطار مناورة لإعادة انتشار قوات الأمن الفلسطينية، لكن مشاعر القلق تتزايد باستمرار بين الأردنيين على الجزء المتعلق بالمصالح الاساسية والحيوية للدولة الاردنية في ظل انحيازات تحضيرات مؤتمر النقب 2 وشيوع منطق التنمية الاقتصادية على حساب الافق السياسي في ترجمة لا يبدو انها حرفية وبكل الأحوال مقلقة لما يسميه الأمريكي برنامج وقف التصعيد والتهدئة في الأراضي المحتلة الفلسطينية، كما تقول مواقع إخباريّة، وهو برنامج يُريد تهدئة "ظاهريّة" ذات بُعد أمني "لصالح إسرائيل" دون تهدئة الاحتقان السياسي او معالجة القضايا الاساسية ودون الضغط الحقيقي على حكومة اليمين المتطرف في كيان الاحتلال أيضا، وعلى أساس خطوات لبناء الثقة المعدومة أساساً بين الأمنيين، عشيّة انطلاق موسم مؤتمر النقب المؤجل في نسخته الجديدة.
المصدر: الوقت