بعد أن حسم الرئيس الأسد قراره.. ما مصير التقارب السوري – التركي؟
بعد أن رسم الرئيس السوري بشار الأسد معالم سياسة بلاده للمرحلة المقبلة وفي مقدم ملفاتها العلاقات مع تركيا، و حسم قراره بشأن لقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغا ، بات الغموض يلف مسار المصالحة التركي - السوري.
الرئيس الأسد وعبر إطلالتين إعلاميتين رافقتا زيارته إلى روسيا إحداهما مع وكالة "سبوتنيك" الروسية و الاخرى مع قناة «روسيا اليوم»، خرج، بتصريحات مباشرة توضح موقف بلاده من التطبيع مع تركيا في هذه المرحلة، إذ أعاد التذكير بالموقف المبدئي الذي أعلنته دمشق سابقا والذي يقضي بوقف دعم المسلحين وسحب القوات غير الشرعية قبل أي تواصل على مستويات أعلى بين مسؤولي البلدَين.
وقال: "بالنسبة إلى اللقاء مع الرئيس إردوغان، فهذا يرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون تركيا فيها جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا"، متسائلا: "ما هي قيمة هذا اللقاء ولماذا نقوم به إن لم يكن سيحقق نتائج نهائية بالنسبة إلى الحرب في سوريا؟"
إصرار دمشق على وجود أرضية موضوعية للإنفتاح التركي السوري، تشمل وضع خطة واضحة لسحب القوات التركية غير الشرعية من سوريا، خلط أوراق أنقرة التي تستعجل التقارب مع دمشق كأولوية للدولة التركية والرئيس التركي قبل الانتخابات الرئاسية .
يقول متابعون للشأن السوري والتركي أنه وبعد وصول الرئيس الأسد الى العاصمة الروسية، تسربت معلومات غير رسمية عن تأجيل اللقاء الرباعي بين نواب وزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا في العاصمة الروسية، إلى موعد غير محدد، وهو ما كان متوقعا لدى متابعي هذا الشأن الذين يرصدون موقف دمشق المتعلق بتفاصيل مسار التقارب مع تركيا الذي تقوده موسكو وطهران، وقد تم تأكيد هذه المعلومات في وقت متأخر من يوم الأربعاء، وصولا إلى يوم الخميس الفائت، حيث جرى إعلان إلغاء الاجتماع تماما، في ظل إصرار دمشق على تنفيذ شروط محددة أرسلتها لأنقرة عبر الوسطاء الروس والإيرانيين، وعجز أنقرة عن إقناع السوريين بالجلوس على الطاولة لمتابعة المباحثات قبل التعهد خطيا بتنفيذ أية شروط.
وبحسب ما تردد في الأوساط الإعلامية فإن إردوغان أراد تحقيق تقدم سياسي معنوي كبير في ملف التسوية مع سوريا، من دون أن يقدم للجانب السوري أي ضمانات عملية وواقعية تتعلق بانسحاب القوات التركية التي تحتل أجزاء من الأرض السورية في الشمال، أو أن يوقف دعم الفصائل الإرهابية المسلحة في إدلب وريفها وريفي حلب واللاذقية، التي لم توقف اعتداءاتها واستفزازاتها ضد الجيش السوري والأهالي المدنيين في تلك المناطق.
لذلك، ركزت وسائل الإعلام التركية التابعة أو القريبة إلى السلطة والحزب الحاكم في أنقرة، كما بعض المسؤولين الأتراك، على الحديث عن تقدم إيجابي وخطوات متلاحقة في هذا الملف، منها الاحتفاء بالاجتماع الرباعي المشار إليه، من دون المرور على الشروط السورية الواضحة في هذا الشأن، وعلى رأسها وضع جدول زمني قصير لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، والشروع في خطة إنهاء وضع الفصائل المسلحة في إدلب والشمال فورا.
لكن هذا الاجتماع الرباعي لم يتم حتى الآن، بسبب عراقيل عديدة أبرزها وجود خلاف جوهري بين النظرتين السورية والتركية إلى الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، والذي تصر دمشق على ضرورة وجود جدول زمني واضح لإنهائه قبل الانخراط في أي اجتماع، بينما تحاول أنقرة أن يكون هذا الإجراء لاحقا لتفاهمات سياسية بين البلدين.
والمعلومات الصحفية المسربة تشير إلى أن دمشق قدمت بنودا واضحة يجب القبول بها قبل أن تنتقل الاجتماعات إلى مستويات دبلوماسية ومن ثم رئاسية، أهمها ما أشرنا إليه بخصوص الالتزام بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية وفق اتفاقية ملزمة، ثم تعهد الدولتين بعدم دعم أي أنشطة أو جماعات إرهابية تستهدف الطرف الآخر، وأيضا أن تحصل سوريا على حصتها الكاملة من مياه نهري الفرات ودجلة، وتقديم أنقرة تسهيلات اقتصادية كبيرة لسوريا.
والمؤكد، بحسب التصريحات الرسمية والمعطيات، أن موسكو وطهران تدعمان بقوة موقف دمشق، وتسعيان لإقناع الأتراك بتقديم تفاهمات خطية مكتوبة وواضحة تحدد جدولا زمنيا لكل الخطوات الواجب اتخاذها من قبل أنقرة، كما ان محاولات الأتراك لدى العاصمتين الايرانية والروسية لم تفلح لدفعهما باتجاه الضغط على دمشق للمضي قدما في تفاهمات شفهية تستند إلى تصريحات إيجابية فحسب.
المصدر: العالم