انعكاسات الصراع السياسي الداخلي على “الجيش” الصهيوني
بدأت الخلافات الداخلية الإسرائيلية تنعكس على جيش العدو، فقد أعلن نحو 6 آلاف جندي وضابط احتياط في مختلف وحدات جيش العدو الإسرائيلي عن رفضهم الخدمة
جاء إعلان جنود الاحتياط في سلاح الجو بعد احتجاج سابق في وحدة استخبارات النخبة 8200، الأمر الذي يزيد من خشية قادة العدو من انخراط الجيش في الصراع السياسي، وذلك في ضوء المشاركة الواسعة لجنود في قوات الاحتياط في الحركة الاحتجاجية الواسعة، على نحو يشير بأن الأزمة السياسية التي يمر به العدو امتدت تداعياتها إلى مؤسسة الجيش.
التطوّر اللافت في تظاهرات السبت، هو انضمام ضباط كبار في الاحتياط وفي مقدّمتهم عشرات الطيارين الحربيين وضباط في وحدات السايبر والاستخبارات العسكرية، وخريّجو الوحدات القتالية في الجيش والشاباك والموساد. وبرز عدد من المؤشرات على حقيقة التباينات داخل الجيش الإسرائيلي، فكثير من الجنود متأثرين بأحكام حاخامية، وليس محاكم مدنية، كما أن وحدات الجيش منقسمة طبقياً وأيدلوجياً. فالفئات الفقيرة المحسوبة على اليهود الشرقيين و”الصهيونية الدينية” تخدم في الوحدات القتالية البرية، ويُعتبرون أكثر قرباً من الحكومة (اليمين العلماني والقومي)، بينما يخدم أبناء الطبقات الغنية في الوحدات الاستخباراتية و”السايبر” وسلاح الطيران الأمر التي يوفّر لهم فرصاً اقتصادية في الشركات التكنولوجية داخلياً وخارجياً، بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، ويُعتبر المجنّدون فيها مقرّبين من المعارضة (اليسار والفئات الليبرالية). إلى جانب الدوافع الليبرالية والاقتصادية التي تنحو باتجاه مشاركة وحدات النخبة العسكرية في الاحتجاجات، تتوفّر لديهم مخاوف من أن تسهّل “التعديلات القضائية” عمليات الملاحقة لهم في المحاكم الدولية على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبوها خلال خدمتهم العسكرية، وإمكانية ملاحقتهم أمام المحاكم الجنائية.
رئيس أركان جيش العدو الأسبق، غادي آيزنكوت، اعتبر أن حكومة نتنياهو ألحقت “الضرر بالوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي وما تسمى بالمكانة الدولية لإسرائيل، وهو ما سينعكس على أمنها في ظل الواقع الميداني المتفجّر في الضفة في ظل التحديات على مستوى الملف النووي الإيراني”.
ساهمت الاتفاقيات الائتلافية التي منحت بتسلئيل سموترتش صلاحيات داخل الجيش، في إذكاء الخلافات داخله، وتنازع للصلاحيات فيما يخص الضفة المحتلة، والتي كشفتها أحداث قرية حوارة قضاء نابلس المحتلة، وأظهرت نوعاً من التباين داخل مؤسسة الجيش، بين معارضة هليفي لما حدث، وتأييد سموتريتش الذي دعا لإبادة حوارة.
يدرك العدو بأنه في حال انتشرت ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، فإنّ لذلك تداعيات خطيرة عليه، على الصعيدين الداخلي والخارجي، على نحو أدى لتكرار التحذيرات من تفشي الظاهرة، من كلا الطرفين المنقسمين، حكومة ومعارضة.
وقد كشفت الانتقادات الحادة من الفريق الموالي للحكومة، ضد جنود العدو الذين رفضوا الخدمة، حقيقة كون قطاعات داخل الجيش بدأت تؤثر وتتأثر بشكل عميق بالأزمة السياسية. فقد قال وزير الاتصالات في حكومة العدو شلومو كرعي: “إلى الرافضين الخدمة، الوقحين، شعب إسرائيل سيتدبّر أمره وسيكون على ما يرام من دونكم-اذهبوا إلى الجحيم”. بينما وصف يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة، الرافضين والمحتجين بأنهم إرهابيون وليسوا فوضويين فحسب. كما غرّدت وزيرة الإعلام والدعاية ديستال اتابريان قائلة: “الطيارون الذين يربطون خدمتهم بشروط، ليسوا وطنيين، ليسوا ملح الأرض، ليسوا صهيونيين، ليسوا أفضل شبابنا، ليسوا رائعين، ليسوا شعب إسرائيل. الطيارون الذين يربطون توفير الأمن للمواطنين بنتائج الانتخابات، سقطوا في النرجسية، لست مهتمة بما فعلوه من أجل البلد، فالمساعدون في رياض الأطفال يفعلون الكثير من أجل البلد، في هذا هم متساوون”.
رئيس أركان العدو، هرتسي هليفي حذّر من أن الوضع الحالي خطير للغاية، وأضاف بأنه إذا لم يتم حل الأزمة الحالية، فقد يجد “الجيش” الإسرائيلي و”إسرائيل” نفسيهما في مشكلة خطيرة. ويعكس تحذير قائد أركان جيش العدو هرتسي هليفي وسبقه تحذير وزير أمن العدو يوآف غالانت الموجّه إلى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو خطورة الموقف بعد رفض الخدمة لقطاعات مختلفة من الجيش، وخاصة سلاح الجو.
إن توسّع-الرفض-للخدمة في أوساط جيش احتياط العدو يشكّل تهديداً خطيراً على الجيش، وقدراته في مواجهة التهديدات الخارجية. كما أن غياب الحلول للمشكلة السياسية بين الحكومة والمعارضة ستؤدي إلى اتساع الرفض في أوساط الاحتياط، الأمر الذي يؤكد أن تأثير الأزمة السياسية سيشمل أغلب القطاعات داخل مجتمع العدو بما فيها مؤسسة الجيش.
هذا ولم تكن حادثة رفض طاقم شركة الطيران الخاصة نقل نتنياهو إلى روما، مجرد حادثة رمزية، ورغم استطاعته بصعوبة العثور على طيار متطوّع حريدي، إلا أنها تعكس عمق الأزمة التي باتت تعصف بأهم مؤسسة داخل العدو.
وفي حال استمرّت الأزمة السياسية، وفشلت مساعي رئيس الكيان، إسحاق هرتسوغ، للوصول إلى حلول وسط مقبولة لطرفي الأزمة، فإن مؤشرات رفض الخدمة داخل أوساط جيش العدو ستتوسّع، الأمر الذي يشكّل خطورة على أمن العدو وتضعف ما يسمى، بمنظومة الردع الاستراتيجي لديه.
يقدّر العدو بأن الأيام المقبلة تعتبر حاسمة، ففي حال لم تثمر جهود وقف ظاهرة رفض الخدمة، فإن الظاهرة ستنتشر وتتوسّع لتشمل قطاعات الجيش المختلفة، بما فيها القوات البرية. فقد زادت مخاوف العدو من أن تؤدي احتجاجات الطيارين من قوات الاحتياط في سلاح جو العدو إلى أزمة ثقة بين القوتين البرية والجوية، الأمر الذي سيزيد من التهديدات الخارجية، ولا سيما المقاومتان الفلسطينية واللبنانية وإيران، التي تراقب حالة الضعف الداخلي، التي انعكست على المؤسسة العسكرية، الأمر الذي استدعى المعارضة لتحذير نتنياهو بأن التهديد أصبح وجودياً وخطيراً.