انتخابات تركيا.. وفق معايير إردوغان ومقاييسه فقط؟
يقول زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو إن حجم هذا الفساد ليس أقل من 418 مليار دولار، وأنه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية سوف يلاحق كل المتورطين في هذا الفساد
المادة 106 من الدستور التركي تنصّ على أنه " لا يحق لأحد أن ينتخب رئيساً للجمهورية لأكثر من ولايتين متتاليتين"، لكنّ المفوضية العليا للانتخابات وافقت على طلب إردوغان ترشيح نفسه لولاية ثالثة، إذ سبق له أن انتخب في آب/ أغسطس 2014 وحزيران/ يونيو 2018.
كذلك ورد في المادة 101 " أن المرشح لانتخابات الرئاسة يجب أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية مدتها أربع سنوات"، لكن المفوضية وافقت على مشاركة إردوغان في الانتخابات، ومن دون أن ترد على اعتراض المعارضة التي تقول إن إردوغان لا يحمل مثل هذه الشهادة، التي لم يرها أحد وليست موجودة حتى في سجلات الجامعة (هذا ما قاله الرئيس السابق للمجلس الأعلى للتعليم العالي يوسف أوزجان) التي يقول إردوغان إنه تخرج منها. ولم يبالِ إردوغان بكل هذه الاتهامات ما دام صاحب القرار النهائي في هذا الموضوع هو المفوضية العليا للانتخابات، ولا سلطة تعلو عليها، فيما صدر حكم قضائي بحق الصحفي اركون بويراز بالسجن لمدة ست سنوات؛ لأنه أثبت أن الشهادة التي قال إردوغان إنه حاصل عليها مزوّرة.
وجاء في المادة 103 التي تتضمّن نص القسم الدستوري الذي يؤديه الرئيس بعد انتخابه فقرة تفيد " أن الرئيس المنتخب يجب أن يكون محايداً، وعلى مسافة متساوية مع كل الأحزاب، كما عليه أن يقطع علاقته مع الحزب الذي ينتمي إليه بعد أن يصبح رئيساً للجمهورية" لكنّ إردوغان لم يلتزم بذلك، فهو رئيس جمهورية وزعيم "حزب العدالة والتنمية" في آن واحد.
قانون الانتخابات والعُرف السياسي المتبع يلزمان وزراء العدل والداخلية والاتصالات تقديم استقالاتهم قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، وذلك لضمان نزاهة الانتخابات. ولم يلتزم إردوغان بهذا القانون أيضاً، إذ طلب من وزرائه والمقربين منه البقاء في مناصبهم (في حين يفرض القانون عليهم الاستقالة) حتى إذا رشحوا أنفسهم للانتخابات التشريعية؛ من أجل الحصول على حصانة برلمانية في حال هزيمة إردوغان في انتخابات الرئاسة. ويقول الإعلام إن من هؤلاء وزير الدفاع خلوصي آكار، ورئيس المخابرات هاكان فيدان، ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم.
وفي انتخابات آب/ أغسطس 2014، عندما رشح إردوغان نفسه لانتخابات الرئاسة خلفاً لعبد الله غول، لم يستقل من منصبه كرئيس للوزراء وبقي زعيماً لحزب "العدالة والتنمية" إلى أن قام بتعيين أحمد داود أوغلو خلفاً له في الحكومة والحزب.
وفي استفتاء نيسان/ أبريل 2017 الذي نجح إردوغان من خلاله في تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي، اتهم زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو المفوضية العليا للانتخابات بتزوير النتائج بعد أن اعتمدت نحو 2.5مليون بطاقة اقتراع غير مختومة بختم المفوضية، وهو ما ساهم في تمرير التعديلات الدستورية فأصبح إردوغان الحاكم المطلق للبلاد، بعد أن سيطر على البرلمان والجيش والأمن والمخابرات والقضاء والإعلام الحكومي و95٪ من الإعلام الخاص.
وفي الانتخابات البلدية التي جرت في آذار/مارس 2019، والتي فاز فيها أكرم إمام أوغلو على منافسه رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدرم، بفارق 13 ألف صوت، أصدر إردوغان تعليماته إلى المفوضية العليا للانتخابات فألغت هذه النتيجة بذرائع تافهة، وقررت تكرار الانتخابات في حزيران /يونيو، فانتقم الشعب من المفوضية وإردوغان وانتصر إمام أوغلو هذه المرة بفارق 806 آلاف صوت، وبعد أن قال إردوغان خلال الحملة الانتخابية " إما أن تصوّتوا لـ بن علي يلدرم أو السيسي"، ويقصد بذلك أكرم إمام أوغلو.
وعلى الرغم من مطالب المعارضة باستخدام الحبر على الأصابع بعد أن يصوّت الناخب؛ لمنع عمليات التزوير، رفضت المفوضية العليا للانتخابات هذا الطلب أيضاً، مع استمرار الحديث عن مضيّ الحكومة في منح السوريين الجنسية التركية حتى يصوّتوا لإردوغان و"العدالة والتنمية" في الانتخابات.
ودفع ذلك أحزاب المعارضة إلى استنفار كل إمكانياتها لمنع أي عملية تزوير قد تلجأ إليها المفوضية، وذلك بتكليف مندوبين عن هذه الأحزاب كمراقبين في جميع صناديق الاقتراع في عموم البلاد، وعددها أكثر من 200 ألف صندوق.
ومن دون أن يمنع كل ذلك بعض الأوساط، وربما للحطّ من معنويات الناخبين الذين سيصوّتون لكليجدار أوغلو، من الحديث عن عملية تزوير كبيرة، قد تقوم بها المفوضية العليا للانتخابات، وتضطر في نهاية الأمر إلى إعلان إردوغان فائزاً ليلة الانتخابات. وهو الاحتمال الذي يضع البلاد أمام تحديات خطيرة جداً، في ظل رفض المعارضة ما ستعلنه المفوضية العليا.
ومن دون أن تعني كل هذه الأحاديث أن إردوغان سيكتفي بأسلحته هذه لمنع كليجدار أوغلو الذي تتوقع له كل استطلاعات الرأي أن يفوز في الانتخابات بفارق سيتراوح بين 6-10 نقاط، وهو ما تثبته التظاهرات الجماهيرية الضخمة التي تشهدها المدن التي يزورها كليجدار أوغلو، يرافقه تارة رئيسا بلدية أنقرة وإسطنبول، وتارة أخرى زعماء أحزاب "تحالف الأمة" وهو ما يحظى باهتمام أكبر من الجماهير.
في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون لإردوغان، وعبر سيطرته على المجلس الأعلى للإعلام والمحاكم المختصة والهيئة العليا للاتصالات، أن يحدّ من فعالية وسائل الإعلام المعارضة، بما في ذلك حجب شبكات التواصل الاجتماعي قبل أسبوع من الانتخابات، إذ تعدّ المعارضة الأقوى في هذه الشبكات التي فضحت إردوغان خلال السنوات العشرين الماضية. والأهم في كل ذلك قضايا الفساد الخطيرة التي تورط فيها هو وأفراد عائلته والمقربون منه. ويقول زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو إن حجم هذا الفساد ليس أقل من 418 مليار دولار، وأنه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية سوف يلاحق كل المتورطين في هذا الفساد، ويعيد هذه المبالغ إلى أصحابها، أي الشعب التركي.
ومن دون أن يكون لدى إردوغان ما يستطيع أن يقوله للشعب الذي يصدّق أقوال المعارضة، ويحاول التصدي لها عبر مقولات وشعارات قومية ودينية يريد لها أن تبعد أنظار المواطن عن همومه اليومية، التي يكتفي إردوغان بمعالجتها بقرارات آنية لم تعد تقنع المواطنين، وكذلك باتت المعارضة أكثر ذكاءً وحنكة منه. فعلى سبيل المثال، عندما قرر إردوغان، الأسبوع الماضي، رفع الحد الأدنى من معاشات المتقاعدين من 5000 ليرة تركية (250 دولاراً) إلى 7500 ليرة، قال كمال كليجدار أوغلو إنه فور انتخابه سيجعل هذا الرقم 8500 ليرة، وهو الحدّ الأدنى للأجور، مضيفاً أنه سيدفع للمتقاعدين مبلغ 8500 ليرة إضافية كمعايدة في عيدَي الفطر والأضحى، مع التذكير بأن هذا المبلغ الآن هو 2000 ليرة.
كل ذلك يدفع الرئيس إردوغان وإعلامه إلى التركيز على الجوانب القومية والدينية في محاولة منه للتذكير بشكل غير مباشر بـ"علوية" كليجدار أوغلو. ويفسر ذلك الضجة الكبيرة التي أثارها إردوغان وإعلامه على الصورة التي ظهر فيها كليجدار أوغلو في أحد المكاتب وهو يدوس بحذائه على سجادات مفروشة على الأرض، وهو ما عدّه إردوغان إهانة للدين الإسلامي.
ومن دون أن يبالي إردوغان وإعلامه بردّ المعارضة، وخاصة زعيم حزب "السعادة" الإسلامي، تامال كاراموللا أوغلو الذي خاطب إردوغان قائلاً:
إذا كنت حريصاً كل هذا الحرص على السجادة فلماذا لا تستنكر ما قام به أصدقاؤك الإسرائيليون الذين دنّسوا بأحذيتهم القذرة ليس فقط السجاد بل الحرم القدسي بأكمله في المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى"!.
حسني محلي