الولايات المتحدة ومحاولاتها لإخراج إيران من السوق العراقية!
الولايات المتحدة ومحاولاتها لإخراج إيران من السوق العراقية!
بالرغم من أن قيمة التبادل التجاري بين إيران و العراق تبلغ 11 مليار دولار، حيث تبقى بعيدة عن تجارتها مع الإمارات البالغة 16 مليار دولار والتجارة بينها وبين الصين البالغة 53 مليار دولار، إلا أنها مهمة جداً، وتعتبر بغداد أحد أهم شركاء طهران التجاريين. ومع ذلك فإن استمرار التحديات الحالية يمكن أن يبدد الأمل في استمرار هذه التجارة ويتسبب في أضرار جسيمة لها، على عكس الساحة العراقية، لإنها ستكون عمليا تحت تصرف لاعبين آخرين مثل تركيا والإمارات والسعودية، وستبقى تحت مظلتهم لتعزيز التجارة والاستثمار في العراق.
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أمس أنه تم فرض عقوبات على 14 مصرفا عراقيا لتداولها بالدولار مع طهران لمنع تحويل العملة إلى إيران، وهذا له خلفية أخرى وهي أن الولايات المتحدة تسعى لإخراج إيران من السوق العراقية، وهو الهدف الذي سيساعد على تحقيقه المشاكل الحالية الناجمة عن عدم قدرة العراق دفع تكلفة الكهرباء والغاز المصدرة إلى العراق بسبب العقوبات الأمريكية والإفراج عن تلك الأموال بشكل قطرات متقطعة بأمر من واشنطن.
على الرغم من أن النظام المصرفي في العراق ليس قويا جدا ، إلا أن العقوبات المفروضة على البنوك العراقية لن تجعل بغداد أكثر انخراطا في التجارة مع إيران فقط، خوفا من تشديد هذه العقوبات في المستقبل، ولكن من المحتمل أيضا أن تجعل الدول المجاورة الأخرى التي زادت في السنوات الأخيرة من مستوى تبادل السلع بينها وبين إيران ، أكثر ترددا في تطوير التجارة مع طهران. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن مشاكل بغداد في سداد ديونها لإيران يتم إظهارها أحيانا من خلال العقوبات والأوامر الأمريكية التي تتم عبر هذا وذاك، فإن تثبيط تلك العقوبات وإفشالها تلقائيا أصبح حاضراَ في أذهان أصحاب القرار في البلدان الأخرى.
لدى بغداد مشاريع مختلفة على جدول أعمالها من أجل حل أزمة الكهرباء والمشاكل الناجمة عن استيراد الكهرباء من إيران، كالربط المباشر مع الشبكة الكهربائية لدول مجلس التعاون الخليجي، وشبكة المملكة العربية السعودية والأردن ومصر، وبهذه الطريقة تريد تأمين حوالي 4 آلاف ميغاواط من الكهرباء للعامين المقبلين لتلبية الاحتياجات الأساسية. تستورد حاليا 4000 ميغاواط من الكهرباء من إيران سنوياً. لكن محطات توليد الكهرباء التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 20 ألف ميغاواط تعتمد على الغاز المستورد من إيران. في الوقت الحالي، لا يمكن للعراق الاستغناء عن كهرباء وغاز إيران، لكن مع الخطط الموضوعة على جدول الأعمال سيقلص اعتماد العراق عليها تدريجياً.
في الوقت الحالي، تحتاج الحكومة العراقية إلى 15000 ميغاواط لإمداد البلاد بالكهرباء على مدار 24 ساعة. وبالإضافة إلى محاولة الربط بشبكات الكهرباء مع دول أخرى، تم مؤخرًا توقيع عقد بقيمة عشرة مليارات دولار مع شركة توتال، وإنتاج 1000 ميغاواط من الطاقة الشمسية وتزويدها بالغاز الذي تحتاجه لمحطات الطاقة، والتي يتم استيراد معظمها من إيران. يقال أنه حتى عام 2030 من المحتمل أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي من إمدادات الغاز لمحطات الطاقة هذه. كما تم هذا العام توقيع عقد مع شركة سيمنز للطاقة الألمانية لتجديد محطات توليد الكهرباء وإنتاج 5000 ميغاوات من الكهرباء.
على عكس بعض الذين يربطون نفوذ الولايات المتحدة في العراق بالوجود العسكري، فإن هذا التأثير ليس مجرد معدات بسبب وجود حوالي 3000 جندي أمريكي، ولكنه مرتبط أكثر بالروافع الناعمة مثل الاقتصاد. بصرف النظر عن متطلبات الهيمنة الاقتصادية الأمريكية التي تجبر الدول على تطبيق العقوبات اليوم، فإن الشريان الاقتصادي للعراق هو عملياً في يد الولايات المتحدة التي كانت قائمة منذ عام 2003 نتيجة لاتفاقات بحجة تأمين الممتلكات العراقية من شكوى الدول المتضررة من سياسات صدام يتم إيداع عائدات العراق النفطية في حساب في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وعلى الرغم من تجاوز القضية المذكورة بدفع الكويت تعويضات الحرب الإجمالية وقدرها 52 مليار دولار وعدم الإعلان عن عدم وجود شكوى من دولة أخرى لتلقي تعويضات البنك المركزي للولايات المتحدة. وعلى الرغم من نقل الادارة والاشراف على هذه الاصول الى البنك المركزي العراقي في اطار اتفاق العام 2008 لكن الولايات المتحدة تواصل مراقبة هذا الحساب الذي بلغ نحو 115 مليار دولار ولا يستطيع العراق سحب ولو دولار واحد منه دون موافقة البنك المركزي الأمريكي.
للسحب من هذا الحساب آليته الخاصة، أولا على البنك المركزي العراقي توضيح سبب ومكان تحويل الأموال من خلال طلب وتستغرق مراجعة هذا الطلب حوالي 20 يوما ، ويتم تحويل الدولار إلى بغداد بالطائرة مع احتساب تكلفة التحويل والتأمين.
بالإضافة إلى ذلك، ضاعف العراق في العامين الماضيين استثماراته في الأوراق المالية الأمريكية إلى 40 مليار دولار.
وفقاً للتوضيح الذي سبق، فإن قيادة التجارة الخارجية للعراق هي في الأساس بيد أمريكا ، وإذا زادت من ضغطها على بغداد للحد من التجارة مع إيران ، كما يتضح من العقوبات المصرفية الأخيرة بعد ارتباط العراق بالنظام المالي "سويفت" فإن العراق عملياً ليس لديه سلطة أو مقدرة على معارضة ذلك.