النفوذ التركي في أفريقيا
خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، كانت أوروبا هي الهدف الأول والرئيسي للسياسيين الأتراك، وكانوا يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن بعد ذلك خاب أمل الأتراك جراء العديدة من التصرفات السلبية التي قام بها الأوروبيون ودفعتهم إلى الاهتمام بأجزاء أخرى من العالم.
خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، كانت أوروبا هي الهدف الأول والرئيسي للسياسيين الأتراك، وكانوا يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن بعد ذلك خاب أمل الأتراك جراء العديدة من التصرفات السلبية التي قام بها الأوروبيون ودفعتهم إلى الاهتمام بأجزاء أخرى من العالم. وضمن هذا السياق، أوجدت تركيا "خطة العمل من أجل أفريقيا" عام 1998، والتي بدأ تنفيذها الفعلي عام 2005 بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا. ويتضمن هذا البرنامج علاقات اقتصادية وثقافية وتعليمية كانت ناجحة، بحيث زادت التجارة بين تركيا وأفريقيا ثمانية أضعاف خلال عقدين فقط.
إن نمو العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وأفريقيا مثير للإعجاب حقًا. وقد زادت التجارة الثنائية بين تركيا والقارة من 5 مليارات دولار في عام 2003 إلى أكثر من 40 مليار دولار في عام 2022. ويعمل المقاولون الأتراك حاليًا على مشاريع بناء بقيمة 85 مليار دولار. وتقدم الخطوط الجوية التركية خدمات النقل لأكثر من 60 وجهة داخل أفريقيا.
وتسعى تركيا إلى مشاركة نموذجها التنموي، الذي أدى إلى نموها الاقتصادي السريع، مع الدول الأفريقية. ويركز النهج الذي تتبناه تركيا على المساواة السياسية، والتنمية الاقتصادية المتبادلة، والشراكة الاجتماعية طويلة الأمد بدلاً من خلق علاقات تبعية جديدة.
هناك عامل آخر في العلاقات التجارية والاقتصادية بين تركيا وإفريقيا وهو هدفهما المشترك المتمثل في إصلاح أنظمة الحكم العالمية. لقد تحدث العديد من الزعماء الأفارقة عن إصلاح المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي تنظر إليها العديد من البلدان المستعمرة باعتبارها تركيزاً غير عادل للسلطة الاقتصادية والسياسية في العواصم الغربية.[1]
وترتبط دوافع تركيا للتعامل مع إفريقيا أيضًا بمحاولة البلاد الحصول على مكانة ونفوذ أعلى في السياسة الدولية، حيث تقدم تركيا نفسها كشريك خير له دوافع إنسانية في المقام الأول. كثيراً ما يؤكد صناع القرار السياسي على أن سياسات النهج غير المتماثل أو الهرمي أو الاستعماري الجديد غير موجودة في علاقات تركيا مع أفريقيا.
وقامت أنقرة بتوسيع قوتها الناعمة تدريجياً، سعياً وراء نفوذ أكبر عبر القارة الأفريقية. ويمكن رؤية أمثلة القوة الناعمة لتركيا في الأنشطة الإنسانية، وجهود الدبلوماسية الدينية والثقافية، والمنح الدراسية المختلفة.[2]
كما رافق توسع العلاقات توسع الجهود الرامية إلى تعزيز اللغة والثقافة التركية في هذه القارة. واليوم يدرس آلاف الطلاب الأفارقة في الجامعات التركية أو بين الجالية القبرصية التركية بمساعدة المنح الدراسية التركية. بالإضافة إلى ذلك، توفر مدارس التعليم التركية التعليم باللغة التركية لنحو 20 ألف طالب في 24 دولة أفريقية.
وبالإضافة إلى استخدام القوة الناعمة، استخدمت تركيا القوة العسكرية أيضاً ضمن هيئة الدبلوماسية الدفاعية المتنامية وبناء القدرات العسكرية، للتعامل مع البلدان الأفريقية. وباعت الشركات التركية مركبات مدرعة إلى دول أفريقية، كما تبرعت الحكومة التركية بمركبات لبعض الدول بالإضافة إلى ذلك، تحلق طائرات تركية بدون طيار فوق القارة الأفريقية.
وإلى جانب تجهيز القوات المسلحة الصومالية بأنظمة الأسلحة التركية المتطورة، أنشأت تركيا أيضًا قاعدة عسكرية لها تسمى تركسوم في مقديشو عام 2017 لتدريب الجيش الصومالي، وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد. [3]
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، وقعت تركيا اتفاقيات تجارة حرة مع خمس دول أفريقية هي المغرب وتونس وموريشيوس والسودان ومصر. كما تنشط شركات البناء التركية في الجزائر وليبيا أكثر من أي مكان آخر في القارة، لكنها في الآونة الأخيرة تتواجد بشكل متزايد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وفي عام 2021، بلغت قيمة المشاريع التي نفذها المقاولون الأتراك في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 5 مليارات دولار، وهو ما يمثل 17.8% من مشاريع البناء التركية في الخارج، لتحتل المرتبة الثالثة بعد أوراسيا والشرق الأوسط. (مقابل 0.3 بالمئة عام 2008).
تتشابك سياسة تركيا في أفريقيا مع جهود أنقرة لوضع تركيا كمدافع عن المحرومين والمظلومين على المستوى العالمي. وتطرح قيادة حزب العدالة والتنمية شعار "القضايا الأفريقية تحتاج إلى حلول أفريقية" كمبدأ محرك لنهج تركيا تجاه المنطقة.
وينسجم هذا الشعار مع انتقادات أنقرة للدول الغربية بسبب ماضيها الاستعماري، وهو أحد نقاشات السياسة الخارجية التركية. على سبيل المثال، في أعقاب انقلاب النيجر في يوليو 2023، وصف أردوغان الانقلاب بأنه "رد على سنوات من القمع والاحتلال الفرنسي، وأشار إلى أن تركيا ستواصل تطوير علاقات إيجابية مع الأفارقة".[4]
وبشكل عام، لا بد من القول إن تركيا نجحت في زيادة علاقاتها مع القارة الأفريقية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ويمكن تلخيص أسباب هذه الزيادة فيما يلي: خيبة الأمل من أوروبا، والتخطيط طويل المدى، والإجماع على إصلاح الأنظمة العالمية، والعلاقات المحترمة والمختلفة بين المستعمرين الأوروبيين والدول الأفريقية، وعدم الاكتفاء بعلاقات اقتصادية بحتة وعلاقات متعددة الأبعاد.
ومع الخطط الموضوعة والنظرة الإيجابية للشعب الأفريقي تجاه تركيا، فإن الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات لا تزال مشرقة ومزدهرة.
[1] https://african.business/2024/02/politics/the-ankara-consensus-how-turkey-is-boosting-influence-in-rising-africa
[2] https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/19448953.2023.2236514
[3] https://www.atlanticcouncil.org/blogs/turkeysource/turkeys-approach-to-africa-can-shed-light-on-natos-future-engagement-on-the-continent/
[4] https://ip-quarterly.com/en/turkeys-geostrategy-opportunism-and-dissonance