العواقب العالمية لاستمرار الصراع في السودان
عرفت السودان كدولة مستقلة منذ 67 عاماً أوقاتاً من الحرب أكثر مما عرفت السلام، حيث قتل نصف مليون شخص في الحرب السودانية الأولى (1955 – 1972)، ومليوني شخص في الحرب السودانية الثانية (1983 – 2005)، وما يقدر بنحو 300 ألف شخص في الحرب في دارفور، كما كانت الصراعات الأخرى في شرق السودان، وجبال النوبة والنيل الأزرق مدمرة للغاية.
من هنا، إن القتال الضاري الذي اندلع في 15 نيسان الماضي ليس سوى غيض من ما يمكن أن يصبح عليه العنف، لأن الصراع الحالي بين الجيش الوطني السوداني وبين قوة وطنية شبه عسكرية من أجل السيادة، في حين أن الأسباب هي إرث من اختلالات الدولة السودانية، والطموح المكشوف للنخب العسكرية، إلا أن أوجه التشابه بين القوات، وليس اختلافاتها، هي الأكثر أهمية، خاصةً أن لدى كلتا القوتين سجل من الوحشية والدمار المستشري، كما أن كلاهما مذنب بارتكاب جرائم في الأسابيع الأخيرة، وفي نزاعات سابقة، وهما على استعداد لتقديم التزامات، لكن ليس لديهم نية للوفاء بها. كما ويعتبر كلاهما لاعبان هائلان اقتصادياً، ولهما مخزون وافر من الأسلحة والذخيرة والمال للحفاظ على مستويات عالية من العنف المنظم. وبالتالي، تتضاءل احتمالات نهاية سريعة للقتال مع مرور الأيام، وحتى مع تزايد يأس النداءات من أجل إنهاء العنف من كل من المجتمع المدني السوداني والمجتمع الدولي.
إن اشتداد الصراع ليس حتمياً، حيث لا تزال هناك فسحة أمل صغيرة لتقليص القتال بدلاً من توسيعه، لكن احتمالية نشوب حرب طويلة الأمد لا يمكن تجاهلها. كما أن تداعيات الحرب الطويلة في السودان يمكن أن تكون كبيرة وأكثر كارثية بالنسبة للشعب السوداني، ومن العواقب الجيوسياسية المحتملة للصراع الدائر:
أزمة إنسانية إقليمية
في حال طال أمد الحرب، فسيكون هناك كارثة إنسانية، وتنموية أخرى في منطقة من العالم تعاني بالفعل من الجفاف وعدم الاستقرار المزمن، ما يؤدي إلى إجهاد ميزانيات المساعدة الدولية، وزيادة نقاط الضعف في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي بأكملها. حتى قبل أعمال العنف الأخيرة، كان ثلث سكان السودان، أي أكثر من 15 مليون شخص، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما ويقدر عدد المشردين داخليا بـ 3.7 مليون، ويعتمدون إلى حد كبير على المساعدات الإنسانية، وقد توقف العنف في أغلبها. كما أن هناك ملايين آخرون في خطر الآن، حيث تقوضت استراتيجيات صمود المجتمع بسبب التدمير الذي حدث بالفعل.
المزيد من تدفقات اللاجئين في جميع أنحاء العالم
بدءاً من الأول من أيار الجاري، عبر ما يقدر بـ 114 ألف شخص الحدود البرية للسودان، ودخلوا ست ولايات مجاورة، كما أن أولئك الذين غادروا عن طريق البحر إلى دول مثل السعودية هم في الغالب مزدوجو الجنسية، أو من رعايا دول أخرى. وتتوقع الأمم المتحدة مغادرة أكثر من 800 ألف سوداني البلاد. وبالنسبة لبلد تعداده السكاني أكثر من 40 مليون نسمة، يعتبر هذا العدد قليل نسبياً، لكن آثار الهجرة القسرية قد تستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم. وفي حين أن معظم النازحين سيبحثون عن ملاذ في البلدان المجاورة، قد يضطر الآخرون إلى البحث عن أماكن أبعد. كما ويعتبر السودان أيضاً دولة مضيفة مهمة للاجئين الفارين من صراعات أخرى، حيث تم الاعتراف بمليون شخص في السودان قبل 15 نيسان الماضي، وقد يكون بعض هؤلاء اللاجئين، الذين يُحتمل أن يكونوا مجبرين الآن على الانتقال، مترددين أو غير قادرين أو غير راغبين في العودة إلى بلدانهم الأصلية وفي حال اشتد القتال، فإن أعداد النازحين واللاجئين ستزداد.
التأثير الأكبر هو في جنوب السودان
“البلد” التالي الأكثر تضرراً من الاضطرابات في السودان هو جنوب السودان، الذي انفصل في عام 2011، رغم استمرار الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين. العديد من اللاجئين الذين يستضيفهم السودان هم من جنوب السودان، حيث لا يزال العديد من سكان الجنوب يعيشون شمال الحدود. لقد عانى جنوب السودان نفسه من حالة عدم الاستقرار، وتعرّض تحوله السياسي المستمر لخطر المماطلة والتوقف. في السنوات الأخيرة، لعب السودان دوراً مفيداً بشكل عام، وإن كان قاسياً أحيانا، في محاولة لمعالجة المشاكل السياسية في جنوب السودان. لكن إذا استنفدت الحرب السودان، فقد تتضاءل مساهمة الوساطة التي يمكن أن تقدمها للسلام في جنوب السودان، مع عواقب سلبية على بلد هش بالفعل وشتاته مترامي الأطراف.
تهريب المزيد من الذهب الدولي
يعتبر السودان منتجاً مهماً للذهب، فهو من منتجي الذهب العشرين الأوائل في جميع أنحاء العالم – وحسب بعض التقديرات من العشرة الأوائل – وقد جذب هذا القطاع اهتمام التعدين الأسترالي، لكن من الصعب معرفة أرقام الإنتاج الحقيقية، حيث يختفي الكثير من ذهب السودان في الأسواق غير الشرعية، مما يمول الصراع في الداخل وفي الحرب في أوكرانيا. وفي حالة استمرار العنف أو تصاعده، ستزداد الدوافع لتحويل إنتاج الذهب غير القانوني في السودان، مما يؤدي إلى تفاقم اندماج الذهب المتنازع في الأسواق القانونية، حيث يسعى أبطال الصراع في السودان إلى غسل الأموال بدلاً من رؤية العائدات تعود إلى ميزانية الحكومة.
تراجع إنتاج القمح العالمي
لطالما جذبت إمكانات السودان الزراعية الانتباه، حيث دفعت الحرب في أوكرانيا إلى بذل جهد جديد لزيادة إنتاج القمح في السودان للمساعدة في موازنة الأسعار المرتفعة نتيجة توقف الصادرات من أوكرانيا. كان الطموح على المدى الطويل هو أن يصبح السودان نفسه مُصدِّر للقمح، لكن الحرب الجديدة لا يحتمل أن تحقق أي من الطموحين. لم يصبح السودان منتجاً رئيسياً للقمح، ولكن كما أظهرت السنوات الأخيرة، فإن الأسواق العالمية معرضة حتى لصدمات بعيدة، مع زيادة الطلب وانخفاض العرض، وبذلك فإن قلة من المستهلكين سيرحبون بأسعار أعلى.
المصدر: البعث