العلاقات الهندية – العربية بين الماضي و الحاضر

العلاقات الهندية – العربية بين الماضي و الحاضر

يوليو 16, 2023 - 08:22
العلاقات الهندية – العربية بين الماضي و الحاضر
العلاقات الهندية – العربية بين الماضي و الحاضر

    منذ فجر التاريخ تطورت العلاقات الهندية العربية عبر سنوات طويلة، وقد قامت تلك العلاقات على التبادل الثقافي، والهجرات وحركة السكان نتيجة التبادل التجاري. وتشير العديد من المؤلفات والمراجع التاريخية إلى اتصالات واسعة قامت بين منطقة الخليج الفارسي واليمن ومصر من ناحية، والهند من ناحية أخرى واستمرت تلك الصلات حتى في العصر الإسلامي. ولاحقاً قامت أول علاقة سياسية قوية بين بلاد الهند والعرب في القرن الثامن الميلادي، أيام القائد العربي محمد بن قاسم الثقفي، الذي فتح بلاد السند والهند عسكرياً، وأسّس أول حكومة إسلامية مستقلة فيها، وقد تركت الحضارة الإسلامية في الهند العديد من التحف المعمارية مثل تاج محل وقطب منار وغيرها .[1]

   لاشكّ أن تطور العلاقات بين الدول يرتكز على السياسة الخارجية والأبعاد الإستراتيجية لمستقبل تلك العلاقات؛ وهذا ماتبنته الهند منذ استقلالها عام 1947م عن المستعمر البريطاني، حيث بنت علاقاتها على أسس الإحترام المتبادل وعدم التدخل بشؤون الدول وتحييد الدين واعتماد السياسة العلمانية في معظم القضايا الدولية، مع التماشي ولو بشكل غير مباشر مع مصالحها العامة وخاصة في المجال الإقتصادي والتجاري كونها تعد من أهم الدول في شرق آسيا لها وزنها وثقلها التجاري.

    يتناول هذا المقال أيضاً تطور العلاقات الهندية العربية في السنوات الأخيرة، والذي نتج عنه تحسناً كبيراً في جميع المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية بالإضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين الهند و الدول العربية، فلم تعد العلاقات العربية – الهندية مقتصرة على الجوانب الاقتصادية والثقافية فحسب، حيث فتحت السياسة التي أطلقها رئيس الوزراء الهندي، مودي، في عام 2014والمتعلقة بالتواصل مع غرب آسيا، التي يحتل العرب الجزء الأكبر منها، الباب أمام إنشاء شراكة استراتيجية عربية هندية تحقق للطرفين مصالحهما المشتركة وتقلل من اعتماد العرب التقليدي على الغرب في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.

    إن ملف العلاقات الاقتصادية العربية الهندية آخذ في التوسع، ويشمل العديد من الدول العربية، فالجزائر والهند على سبيل المثال تهتمان بتطوير تعاونهما في مجالات الصناعات الصيدلانية، وأبحاث الفضاء وتكنولوجيا المعلومات، كما أن هناك علاقات ثنائية قوية بين مصر والهند، فهناك أكثر من 50 شركة هندية تعمل في مصر في التصنيع، بالإضافة إلى أن المغرب والهند قررا تطوير العلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهذا ماحدث أيضاً في مصر مؤخراً حيث وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، مطلع الشهر الماضي، الإعلان المشترك لرفع العلاقات بين بلديهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وعلى هامش اللقاء قام الرئيس المصري بتقليد رئيس الوزراء الهندي "قلادة النيل" وهي تعتبر من أرفع الأوسمة المصرية.

وفي حديثه لـ"سبوتنيك"، قال خبير الشؤون الأسيوية د. وائل عواد إن "الهند تتطع إلى الاستثمار في دول آسيا وأفريقيا، وهذه الشراكة مهمة لاعتبار أن الهند تدرك أهمية الوجود الجيوسياسي لها في مصر خاصة بالنسبة لاستثماراتها في أفريقيا، وبالتالي فهي ترغب في الاستثمار في قناة السويس بما يدفعها لأن تكون لاعبا دوليا في عملية نقل بضائعها من الهند عبر دول الخليج إلى مصر، ومن ثم إلى أفريقيا وأوروبا". [2]

    أما الإمارات والتي تعتبر الشريك الأول عربياً مع الهند فقد وصل حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما والذي وصل خلال عام 2022 إلى 189 مليار درهم، بنمو قدره 15% مقارنة بعام 2021، وبلغت قيمة التدفقات الاستثمارية الإماراتية إلى الهند نحو 56.5 مليار درهم بنهاية 2022، وتركزت في قطاعات الطاقة المتجددة، والاتصالات والبنية التحتية للطرق والعقارات والشركات الناشئة. وفي قطاع السياحة أيضاً صرح وزير الإقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري في لقائه مع وفد رفيع المستوى من الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الخاص في جمهورية الهند؛ "أن الهند تعتبر من بين أهم الأسواق السياحية المصدرة لزوار الإمارات خلال عام 2022، حيث استقبلت الإمارات نحو 5 ملايين زائر هندي، فيما بلغ عدد الزوار الإماراتيين إلى الهند نحو 58 ألفاً، ونتطلع إلى العمل المشترك من أجل دعم النمو المتزايد لحركة السائحين بين البلدين خلال المرحلة المقبلة".[3]

    استكمالاً لما تم ذكره سابقاً لابدَّ أن نشيرَ إلى مخرجات الدورة السادسة لمؤتمر "الشراكة العربي-الهندي" التي اختتمت أعمالها في العاصمة نيودلهي على مدى يومين من 11 حتى 13 يوليو/تموز ، حيث أكدت الدول العربية والهند على أهمية تعزيز العلاقات وتوجيهها نحو التنمية المستدامة، تحت شعار "التعاون التجاري العربي- الهندي: الطريق إلى الأمام" بتنظيم مشترك بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، و وزارة الخارجية الهندية، واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، واتحاد الغرف العربية، واتحاد رجال الأعمال العرب، أكدت من خلاله الدول العربية والهند على أهمية التعاون الوثيق بينهما على مختلف المستويات لتعزيز تبادل المعرفة والتجارب والخبرات في جميع القطاعات ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن أهمية التكاتف بين الجانبين لتعزيز العلاقات وتوجيهها نحو التنمية المستدامة، واستكشاف فرص جديدة للتعاون. [4]، وبحسب بيان لاتحاد رجال الأعمال العرب أكد الأمين العام المساعد للاتحاد طارق حجازي، أهمية العلاقات الاستثمارية العربية-الهندية، التي تطورت خلال السنوات الأخيرة، وأضاف أن الهند ثالث أكبر دولة مستثمرة في الوطن العربي من حيث عدد المشاريع خلال عام 2021، حيث بلغت 105، وبقيمة استثمارات بلغت 4.8 مليار دولار، وبنسبة 14.6 بالمئة من إجمالي رؤوس الأموال المستثمرة في الوطن العربي، وثاني أكبر دولة مستثمرة في الوطن العربي من حيث إيجاد الوظائف للفترة نفسها بما يقارب 8700 فرصة عمل، وبنسبة 11.5 بالمئة من إجمالي عدد الوظائف.[5]

في النهاية تشير كل المعطيات التاريخية والمعاصرة على عمق العلاقات المتينة بين الهند والدول العربية، رغم مرورها ببعض الفتور خلال مراحل مختلفة، ومابناه الأجداد الهنود والعرب بين طرفي آسيا من طرق وصلت الشرق بالغرب وأوصلت التوابل والروائح العطرة من بلاد الهند والسند إلى البلاد العربية ومنها إلى الغرب الأقصى من العالم، وجاءت بالسيف الهندي الذي لطالما استخدمه العرب وتغنوا به خلال حروبهم وغزواتهم، سيبقى بوصلة التحرك إلى مختلف المجالات، وخاصة الثقافية والإجتماعية التي طورتها الترجمات بين اللغات الهندية والعربية وساهمت بشكل كبير في إغناء الثقافتين رغم كل الإختلافات الموجودة.  

حسام السلامة


[1] www.skynewsarabia.com/middle-east/814820-الهند-والعرب-علاقات-اقتصادية-قديمة-جديدة

[2] https://2h.ae/IvtB

[3] https://2h.ae/lpyt

[4] https://petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=250828&lang=ar&name=news

[5] http://www.jba.com.jo/SubDefault.aspx?PageId=95&NewsId=13828