السعودية وعلاقتها مع دول إفريقيا

السعودية وعلاقتها مع دول إفريقيا

Aug 15, 2023 - 10:47
السعودية وعلاقتها مع دول إفريقيا
السعودية وعلاقتها مع دول إفريقيا

     تعتبر قارة أفريقيا من أكبر القارات في العالم من حيث المساحة والتنوع الثقافي والاقتصادي. وتسعى العديد من الدول والحكومات توسيع نفوذها وتطوير علاقاتها مع دول هذه القارة المتعددة الثروات. ومن بين هذه الدول تبرز المملكة العربية السعودية، التي تولي اهتمامًا متزايدًا بتعزيز علاقاتها وتوسيع نفوذها في أفريقيا. تهدف السعودية من خلال هذه الجهود إلى تعزيز التعاون الثنائي والاقتصادي والتنموي، وتعزيز الاستقرار في المنطقة. ويعود تاريخ العلاقات السعودية الإفريقية إلى فترة ما قبل التاريخ، حيث كانت القوافل التجارية تتردد بين مملكة الحجاز في الجزيرة العربية وأجزاء من القارة الإفريقية. ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية في العشرينيات من القرن الماضي، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية ودول أفريقيا تتوسع بشكل مستمر. يستعرض هذا المقال استراتيجيات السعودية في بناء نفوذها في أفريقيا والآفاق المستقبلية لهذه العلاقات.

      كتب "نيك كيمبل" الباحث في جامعة هارفارد عن السياسة الخاصة للمملكة العربية السعودية لزيادة نفوذها في القارة الأفريقية: "تسببت الأزمة الأوكرانية وتأثيرها على أسواق الطاقة في جعل المملكة العربية السعودية مرة أخرى في مركز الاهتمام العالمي ، وتمكنت بدورها من استغلال هذه الفرصة، باستخدام ذكائها وطريقة إدارتها لخلافاتها في الماضي مع بعض الدول واعتمادها نهج إقليمي جديد قائم على المناورات الدبلوماسية والإدارة الاقتصادية والمصالحات السياسية". ونرى هذا التطور في استراتيجية المملكة العربية السعودية، خاصة في القارة الأفريقية، التي أصبحت قوة اقتصادية كبيرة وذات ثروات جاذبة لكل الدول الغنية.

     تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات جيدة مع الدول الأفريقية منذ فترة طويلة ، ومن بين 55 دولة أفريقية، هناك 40 دولة لديها سفارات في الرياض، والسعودية لديها سفارات في 35 دولة أفريقية. كما أن هناك 25 دولة أفريقية أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي يوجد مقر أمانتها المركزية في جدة .[1]

       منذ أقل من عام وخلال المنتدى الإفريقي الثاني رفيع المستوى للتعاون من أجل التنمية المستدامة، مثّلَ الصندوق السعودي للتنمية مدير عمليات شرق وجنوب إفريقيا المهندس عزَّام البراك، الذي شارك في الجلسة الأولى من المنتدى، إذ ناقش "الإطار العالمي للتعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي لتنفيذ أجندة 2063 وتحقيق أهداف التنمية المستدامة". حيث نفذ الصندوق السعودي للتنمية مشاريع ضخمة في دول أفريقية عززت الموارد المالية لصندوق التنمية الأفريقي، وتم سداد معظم قروض الصندوق السعودي للتنمية لكل من السودان وموريتانيا والسنغال والجزائر و المغرب العربي وتونس. و عرض أيضاَ البراك خلال المنتدى إنجازات الصندوق في القارة الإفريقية، موضحًا أن الصندوق السعودي للتنمية منذ تأسيسه في عام 1975، قدم الدعم لـ 46 دولة إفريقية من خلال تمويله أكثر من 408 مشروعات في إفريقيا، بقيمة 10.47 مليار دولار.[2]

وساعد تعزيز العلاقات السعودية مع إفريقيا الرياض على تجاوز نقاط ضعف مهمة كان من أهمها قضية الأمن الغذائي. حيث تعتمد المملكة العربية السعودية على شركاء بعيدين جغرافيًا في توفير الغذاء، ولكن الآن تعتبر إفريقيا أرضًا خصبة لزراعة المحصولات الزراعية التي تؤمن الغذاء الذي تحتاجه المملكة العربية السعودية.

شجعت مبادرة الملك عبد الله للاستثمار السعودي في الزراعة البحرية عام 2008 المواطنين السعوديين على شراء الأراضي الزراعية في إفريقيا.  وقد عمل عدد كبير من المستثمرين السعوديين في إثيوبيا والسودان في استثمار الأراضي الزراعية.[3]

من ناحية أخرى، توصلت السعودية والإمارات في عام 2017 إلى اتفاق مع جيبوتي بشأن إنشاء قاعدة عسكرية [4]، وتكرار مثل هذه الاتفاقية مع عدة دول أخرى وفر حزامًا أمنيًا مهمًا في منطقتها الاستثمارية. كما تبيع السعودية 20 مليون دولار من النفط بسعر منخفض لزامبيا، مما يدل على أنها تستخدم احتياطياتها النفطية الضخمة لتحقيق أهداف استراتيجية.

استخدام القوة الناعمة

     يشير الباحث الأمريكي كيمبل كذلك إلى الأنشطة الدينية السعودية للتأثير على الدول الأفريقية بتكاليف مالية ضخمة ، ويضيف: "بصرف النظر عن كل هذا، تستخدم السعودية الدعاية الدينية لجذب سكان القارة الأفريقية ، حيث 446 مليون مسلم معظمهم من السنة. ونرى هذا النهج السعودي في دعم بعض الأطراف في إفريقيا. على سبيل المثال، في نيجيريا، دعمت المملكة العربية السعودية حركة "إيزالا" الإسلامية، والتي كانت محاولة واضحة لترسيخ موطئ قدم استراتيجي وأيديولوجي بين المسلمين الأفارقة.[5]

أدت الحاجة إلى توفير الغذاء إلى تدخُّل المملكة العربية السعودية في القضايا الإفريقية بمزيد من التفصيل والسعي للقضاء على خصومها ، والأهم من ذلك إيران عن طريق الدعاية الدينية والسياسية. وفي هذا السياق، تدعم المملكة العربية السعودية إشادة المساجد والمؤسسات الدينية الإسلامية في إفريقيا، وقد أنشأت شبكة واسعة في جميع أنحاء إفريقيا تسمح للرياض بالتدخل في شؤون الدول الأفريقية. على سبيل المثال، أدى هذا الدعم المالي والسياسي للجماعات الدينية السنية إلى تقوية الصراع القبلي في نيجيريا.

تتنافس السعودية مع تركيا ومصر وإيران على النفوذ في إفريقيا. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن التدخل السعودي في قضايا دول شرق إفريقيا يدخل دائرة نفوذ القاهرة التي تعتبر معنية بقضايا المنطقة خاصة تلك التي تشترك معها بالجغرافيا والأمن القومي.

إن تركيا التي تنافس السعودية على قيادة العالم الإسلامي (الدول الدينية السنية) بذلت جهوداً عديدة من أجل النفوذ الاقتصادي والعسكري في إفريقيا ، وفي نفس الوقت فإن المملكة العربية السعودية لديها منافسة عنيدة مع حليفتها في مجلس التعاون وهي الإمارات العربية المتحدة.

ونظرا لأهمية التعاون والتنسيق بين إفريقيا والسعودية، فمن المتوقع توقيع المزيد من اتفاقيات و وثائق التعاون في الاجتماع القادم لقادة المملكة العربية السعودية والدول الأفريقية الذي سيعقد هذا العام. حيث قال المستشار بالديوان الملكي السعودي أحمد قطان، الخميس، إن بلاده مستعدة لاستضافة القمتين "السعودية-الإفريقية الأولى" و"العربية-الإفريقية الخامسة" خلال العام الجاري. واعتبر قطان في كلمة خلال الاجتماع الوزاري للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية دول الاتحاد الإفريقي المنعقد في كينيا، أن الصوت الإفريقي الداعم للمملكة في استضافة معرض إكسبو 2030 سيكون "حجر الأساس لتحقيق نقلة نوعية لمفاهيم جديدة لقوى التنمية الحقيقة السعودية-الإفريقية" .[6]

إن الآفاق المستقبلية للعلاقات بين السعودية و دول أفريقيا ذات أهمية بالغة وتحمل إمكانيات كبيرة للتعاون المتبادل وتحقيق مصالح مشتركة، وتعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم الإنساني والتنموي، وبالطبع تعكس التزام السعودية الثابت بتعزيز التعاون والتواصل مع القارة الإفريقية حيث تأتي هذه العلاقات الثنائية بناءً على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في مختلف المجالات، وخاصة تلك التي تهدف إلى تعزيز مكانة السعودية على غيرها من الدول في استثمار المكاسب والثروات الموجودة في القارة الإفريقية.

د.حسام السلامة


[1] www.my.gov.sa/wps/portal/snp/content/saudiEmbassies/

[2] www.alyaum.com/articles/6447807/الاقتصاد/مال-وأعمال/1047-مليار-دولار-الصندوق-السعودي-للتنمية-يبرز-إنجازاته-في-إفريقيا

[3] https://2h.ae/BMDa

[4] www.bbc.com/arabic/inthepress-38659354

[5] syaaq.com/25032

[6] asharq.com/ar/75mTZpztyEZtzDkiwK7RU2-السعودية-تعلن-استضافة-قمتين-مع-إفريقي