الرئيسان الجاران، إلى متى القطيعة؟
لقد كان واضحاً موقف تركيا من الأزمة السوربة منذ بداية الأحداث في سورية حيث بدأت تتخذُ سياسة مناهضة للدولة السورية متناسيةً بذلك كل سنوات الصداقة والعلاقة المتينة بين البلدين التي تطورت لتصبح صداقة شخصية على مستوى الرئيسين، حيث تبنت موقفًا داعمًا للمعارضة السورية ومعاديًا للدولة السورية، واستمرت بتوفير الدعم السياسي في المحافل الدولية للمعارضة السورية، كما فتحت حدودها أمام المجموعات الإرهابية والجهادية من كافة الجنسيات الذين جاءوا تحت مسمى الجهاد في سورية وبدأوا مسيرة الدمار والخراب و تفكيك المجتمع السوري وتحريضه ضد بعضه وضد دولته تنفيذا لمخططات تم إعدادها في غرف المخابرات الأجنبية.
لقد كان واضحاً موقف تركيا من الأزمة السوربة منذ بداية الأحداث في سورية حيث بدأت تتخذُ سياسة مناهضة للدولة السورية متناسيةً بذلك كل سنوات الصداقة والعلاقة المتينة بين البلدين التي تطورت لتصبح صداقة شخصية على مستوى الرئيسين، حيث تبنت موقفًا داعمًا للمعارضة السورية ومعاديًا للدولة السورية، واستمرت بتوفير الدعم السياسي في المحافل الدولية للمعارضة السورية، كما فتحت حدودها أمام المجموعات الإرهابية والجهادية من كافة الجنسيات الذين جاءوا تحت مسمى الجهاد في سورية وبدأوا مسيرة الدمار والخراب و تفكيك المجتمع السوري وتحريضه ضد بعضه وضد دولته تنفيذا لمخططات تم إعدادها في غرف المخابرات الأجنبية.
مع استمرار تصاعد الوضع في سورية وازدياد تعقيداته، ومن دون وجود أي بوادر على قرب حل سياسي آنذاك كانت السياسة التركية تلعب دورها في تحريك المعارضة وتوجيهها حسب المخطط المعمول لها وبدأت تسيطرُ عسكرياً من خلال عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها تحت مسميات عديدة هدفها التوغل أكثر ضمن الجغرافيا السورية ومنذ ذاك الحين بدأت تتعامل الدولة السورية مع الجارة المعتدية على أراضيها بأن وجودها غير شرعي ومخالف للقوانين الدولية بدون موافقة الدولة السورية وهو احتلال للأراضي السورية.
ومع تطور الأوضاع في المنطقة بدأت المواقف التركية بالتغيّر؛ بسبب تصاعد الضغط الشعبي الداخلي نتيجة استغلال اللاجئين سياسيًا من قبل بعض الأحزاب واتخاذهم ورقة للضغط على الحكومة التركية، خاصة في فترات الانتخابات، بالإضافة إلى وجود ضغوط خارجية من دول داعمة للرئيس الأسد ممثلة بروسيا بشكل أساسي من أجل الانفتاح على تطبيع العلاقات مع سورية.
بدأت تركيا منذ أغسطس/آب عام 2022 بإطلاق تصريحات داعية للتقارب مع الرئيس الأسد في سورية، في سابقة جاءت متزامنة مع سعي الحكومة التركية لحلحلة خلافاتها مع دول المنطقة، مثل الإمارات والسعودية ومصر، وخلال هذا العام جرت زيارات ذات مستوى رفيع مقارنة بالاتصالات الاستخباراتية الضعيفة التي كانت تجري في السنوات الماضية، إذ وصلت لمستوى وزراء الدفاع والخارجية، كما عبّر الرئيس أردوغان بنفسه عن عدم ممانعته لقاء الرئيس بشار الأسد في حال توافرت الظروف المناسبة، إلا أن هذه المساعي لم تنجح حتى الآن.
رغم كل تلك التصريحات والإنفتاح الذي بدأت تدعي إليه تركيا على لسان مسؤوليها وحتى رئيسها، تبين فيما بعد أنها فقط من باب الدعاية عند قرب الانتخابات البرلمانية والرئاسية وذلك لحلحلة الملف السوري وإبراز دور إيجابي لتركية في إعادة العلاقات وتضييق الخلافات بين المعارضة والحكومة السورية وأيضاً حل قضية اللاجئين السوريين في تركيا لتخفف الضغط من قبل المعارضة التركية على أردوغان.
والآن وبعد استقرار الوضع السياسي في تركيا لأردوغان ونجاحه في الانتخابات الرئاسية أصبحت القضية السورية ثانوية بالنسبة له ويعتقد أن ملف تطبيع العلاقات رغم ضرورته لم يعد من الأولويات، حيث ألقى مؤخراً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "باللوم" على الرئيس السوري بشار الأسد فيما يتعلق بعدم حصول تقدم في مسار التطبيع الذي ترعاه روسيا وتشارك فيه إيران، قائلاً إن سورية لا تتبنى نهجا إيجابيا تجاه تطبيع العلاقات مع بلاده.
وجاء حديث أردوغان على متن طائرته إلى صحافيين رافقوه أثناء العودة من محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عنه القول إن تطبيع العلاقات ممكن إذا تحقق تقدم في مجال مكافحة الإرهاب وبشأن العودة الآمنة والطوعية للاجئين وعلى المسار السياسي. ورأى الرئيس التركي، أن على نظيره السوري الابتعاد عن أي تصرفات تلحق الضرر بمسار التطبيع". [1]
لكن في الحقيقة لم يتغير أبداً موقف القيادة السورية وخاصة الرئيس الأسد ومنذ البداية كانت مطالب الدولة السورية هي انسحاب الاحتلال التركي كشرط أساسي حتى تبدأ المناقشات حول تطبيع العلاقات وكبادرة حسن نية باتجاه هذا المسار.
في مقابلته الأخيرة مع قناة سكاي نيوز عربية، كان الرئيس السوري بشار الأسد واضحاً وصريحاً، حيث رفض أي احتمال لإجراء محادثات مباشرة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لم تنسحب القوات التركية من الأراضي السورية. وقال الرئيس الأسد: "هدف أردوغان من اللقاء معي هو إضفاء الشرعية على الاحتلال التركي في سورية، ولماذا يجب أن نلتقي أنا وأردوغان؟ لتناول المشروبات الغازية؟". وأضاف أن "الإرهاب في سورية يُصنع في تركيا" [2]
يوم أمس، قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إن "الاحتلال التركي في شمال سورية سينتهي، وتركيا تعلم أن انسحابها هو السبيل الوحيد لإعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه."[3]
وأكد جاويش أوغلو سابقاً أن الدفع باتجاه الحوار بين أنقرة ودمشق جاء من جانب روسيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين «يقترح على تركيا، منذ زمن بعيد، التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد وأن بوتين والمسؤولين الروس قالوا منذ فترة طويلة دعونا نوصلكم بالنظام، وكانت هناك لقاءات بين أجهزة المخابرات في البلدين لفترة". [4]
في الحقيقة وبالنظر إلى مسيرة العلاقات، لم تكن العلاقات السورية التركية في حالة طبيعية منذ استقلال سورية عام 1946 وصولاٌ إلى نهاية القرن الماضي، بل سادت حالة من العداء والتأزم مجمل هذه الفترة المديدة، وذلك على خلفية أسباب عديدة، حيث انتقل التأزم إلى مرحلة خطيرة من تنامي التعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل ونظرت القيادة السياسية السورية إليه بوصفه يهدف إلى وضع سورية بين فكي كماشة، وأن الحلف العسكري والسياسي والأمني بين تركيا وإسرائيل يشكل ضغطاً إستراتيجياً عليها في مختلف المجالات، بالمقابل، كانت تركيا تتهم الدولة السورية بإيواء وتدريب عناصر حزب العمال الكردستاني، وأنها تستخدم "الورقة الكردية" لزعزعة أمنها. كل هذه المبادلات في التهم والتوترات السياسية سابقاً وحتى حالياً وربما في المستقبل تخييمُ على الوضع الحالي وترسم مسار متعرج للعلاقة بين الجارتين، فقد نفاجىء جميعاً بلقاء يجمع الرئيسان أو بموقف تصعيدي أكثر حدة من أي وقت مضى والزمنُ كفيلٌ ليكشف ما سيحدث .
د. حسام السلامة
[1] arabic.rt.com/world/1492435-أردوغان-يعلق-على-التطبيع-مع-سوريا
[2] https://npasyria.com/165951/
[3] www.alaraby.co.uk/politics/اشتراطات-متبادلة-تغلق-باب-التطبيع-بين-تركيا-والنظام-السور
[4] aawsat.com/home/article/3838516/لماذا-تخلت-تركيا-الآن-عن-رفضها-تطبيع-علاقاتها-مع-سوريا-الأسد؟