الخلافات السعودية الإماراتية تطفو إلى السطح.. بداية أزمة حادة أم مجرد تنافس عابر؟

الخلافات السعودية الإماراتية تطفو إلى السطح.. بداية أزمة حادة أم مجرد تنافس عابر؟

يوليو 23, 2023 - 15:43
الخلافات السعودية الإماراتية تطفو إلى السطح.. بداية أزمة حادة أم مجرد تنافس عابر؟
الخلافات السعودية الإماراتية تطفو إلى السطح.. بداية أزمة حادة أم مجرد تنافس عابر؟

تجمع بلدان الخليج الفارسي رؤى ومصالح مشتركة، إذ إنها تقع في نطاق اقتصادي واجتماعي وأمني واحد، أي إنها تنتمي إلى إطار متكامل في جوانب مختلفة، والمتغيرات التي تحصل في أي ركن من أركان هذا النسيج ستنعكس على بقية الدول.

التحالفات الكبرى ووحدة المصير

اتسمت العلاقات السعودية الإماراتية بالتطور المستمر في إطار رؤى البلدين المشتركة للارتقاء بهذه العلاقات وتعزيز التعاون في مختلف المجالات تحقيقاً للمصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما بما يحقق دعم ما يسمى "العمل الخليجي المشترك".

وترتبط السعودية والإمارات بعلاقات قديمة، ويتبادل قادة البلدين الزيارات الثنائية بينهما تعزيزًا للتناغم الذي أسسته هذه العلاقات، ورغبة بمزيد من العمل الثنائي والمشترك تجاه ما يعرف بـ "البيت الخليجي الواحد".

وتعد العلاقة التجارية والاقتصادية بين السعودية والإمارات الأكبر بين مثيلاتها في دول مجلس تعاون الخليج الفارسي، إذ إن الإمارات من أهم الشركاء التجاريين للمملكة بحجم تبادل تجاري بلغ نحو 72 مليار ريال سعودي.(1)

كما تتصدّر الإمارات قائمة الدول الخليجية المصدرة إلى المملكة. وكذلك هي في مقدمة الدول الخليجية المستوردة من السعودية، وتتجاوز استثمارات المملكة في الإمارات 35 مليار درهم، حيث تعمل في الإمارات حاليًا نحو 2366 شركة سعودية و66 وكالة تجارية، ويبلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع، بينما يصل عدد المشاريع الإماراتية المشتركة في المملكة إلى 114 مشروعًا برأسمال قدره 15 مليار ريال، وتقوم السياحة بين البلدين بدور مهم وحيوي في تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بينهما.

وقد حرصت المملكة والإمارات منذ تأسيس مجلس التعاون على دعم العمل الخليجي المشترك وتبني المواقف التي تصب في "وحدة الصف الخليجي".

 الطعنة المنقولة أمريكياً

قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن خلافاً بين السعودية والإمارات دفع ولي العهد السعودي إلى التصريح بأن "الإمارات طعنت المملكة في الظهر، فما الذي قد يدفع بن سلمان للإدلاء بتصريح كهذا؟

لعل القضايا الاستراتيجية ذات الأولوية والتي كان هناك توافق سعودي إماراتي عليها هي "الموقع العربي المتصدر، الحرب في اليمن، وموضوع النفط"، ولذا نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين، أن هناك قلقاً في واشنطن من أن التنافس الخليجي على "قرار الشرق الأوسط" قد يعرقل إنهاء الحرب في اليمن، كما قد يصعب توسيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

وذكرت الصحيفة أن الانقسامات بين السعودية والإمارات تهدد بتقويض الجهود الجارية لإنهاء الحرب في اليمن، التي تضع السعوديين والإماراتيين ومجموعة من الفصائل اليمنية في مواجهة أنصار الله الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد شمالاً.(2)

وتدعم الإمارات المجلس الانتقالي الذي يسعى لانفصال الجنوب عن الشمال، وهو ما يقوض الجهود المبذولة للحفاظ على وحدة البلاد، وحصلت اشتباكات بين المقاتلين المدعومين من السعودية والإمارات والذين يعملون معاً على محاربة أنصار الله، على مر السنوات الماضية.

كما وقعت الإمارات اتفاقاً أمنياً مع "المجلس الرئاسي" المدعوم من السعودية، يمنح أبو ظبي حق التدخل في اليمن والمياه قبالة سواحلها، واعتبر المسؤولون السعوديون ذلك بمثابة تحدٍ لاستراتيجيتهم في اليمن، فالمملكة تخطط لمد خط أنابيب من السعودية إلى بحر العرب عبر محافظة حضرموت، مع إقامة ميناء بحري في عاصمتها الإقليمية المكلا، بينما تهدد القوات المدعومة من الإمارات في حضرموت تلك الخطط.

ووفق الصحيفة، يرى يمنيون معارضون، إنه إذا انسحب السعوديون من اليمن، فإن أنصار الله سيحكمون السيطرة على الشمال وسيتوافق الجنوب مع الإمارات ما يترك للرياض القليل لتظهر أنها كسبته في الحرب، وهو ما يعكس مخاوف السعودية.

ولعل القضية الثانية التي أثير الجدل حولها في سبب فتور العلاقة بين السعودية والإمارات هي قضية النفط، إذ تقول الصحيفة إن محمد بن سلمان يخطط ضمن رؤيته الاستراتيجية للملكة لإنهاء اعتمادها الاقتصادي على النفط، وإنه يدفع الشركات إلى نقل مقارها الإقليمية الواقعة في دبي إلى الرياض، ويطلق خططاً لإنشاء مراكز تقنية وجذب المزيد من السياح وتطوير محاور لوجستية من شأنها أن تنافس مكانة الإمارات كمركز للتجارة في الشرق الأوسط.

وذكرت وول ستريت جورنال أنه في أكتوبر 2022، ظهر الخلاف على السطح عندما قررت منظمة أوبك المتحالفة مع روسيا خفض الإنتاج، ووقفت دولة الإمارات مع الخفض، الأمر الذي أدى إلى نزاع بين السعوديين والإماراتيين بشأن السياسة في أوبك التي هيمنت عليها الرياض منذ فترة طويلة باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم.

وقد رفع الإماراتيون طاقتهم الإنتاجية من النفط إلى أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، لكن يُسمح لهم بموجب سياسة أوبك ضخ ما لا يزيد على ثلاثة ملايين برميل، ما يكلفها مئات المليارات من الدولارات من العائدات المهدورة كما أن الزيادة الإماراتية في الطاقة الإنتاجية للنفط تمنحها القدرة المحتملة على تحريك الإنتاج صعوداً وهبوطاً، ومعها أسعار النفط العالمية، إذ إن المملكة حتى وقت قريب، كانت هي فقط التي تمارس هذا النوع من القوة السوقية.(3)

وذكرت الصحيفة أن بن سلمان قال إنه أرسل إلى الإمارات قائمة المطالب، محذراً من أنه إذا لم تتماشَ الإمارات مع الصف فإن المملكة مستعدة لاتخاذ خطوات عقابية، مثلما فعلت ضد قطر في عام 2017، إذ تمت مقاطعة خليجية سياسية واقتصادية للدوحة، مؤكداً للصحفيين أن الأمر سيكون "أسوأ مما فعلته بقطر".

ونقلت الصحيفة ما نقلت، وكثرت التحاليل والتفاسير والإيضاحات حول خلاف دب بين الإمارات والسعودية، لكن أصحاب الشأن كان لهم قول آخر، فقد قلل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في لقاء صحفي من أهمية تقرير صحيفة 'وول ستريت جورنال' الأميركية حول وجود خلاف بين بلاده والإمارات بشأن عدد من القضايا.

وأشار بن فرحان إلى أن جميع القرارات في أوبك وأوبك+ تُتخذ عبر حوار مكثف جدا بين جميع الشركاء، مؤكداً وجود علاقات استراتيجية بين البلدين الحليفين، قائلا: "لدينا شراكة قوية جدا بين الإمارات والمملكة. هل نتفق على كل شيء طوال الوقت؟ ربما لا، لكن التقارير عن وجود خلاف، التي غالبا ما تكون مبالغة وعادة تستند إلى مصادر غير معلنة، لا تدرك مدى عمق العلاقة"، كما نفى مسؤولون إماراتيون نيّة بلادهم مغادرة منظمة أوبك.(4)

ختاماً يمكن القول إن السعودية والإمارات اشتركتا في الكثير من الرؤى والاستراتيجيات التي تصب في خدمة مصالح البلدين، وسلكتا دروباً مشتركة في كثير من المجالات، ووصل التعاون والاندماج التوافقي بينهما مرحلة قد يبدو لا ينفع فيها الخلاف أو النزاع والقطيعة. فهل سيبقى شكل العلاقة في إطار الممكن والمعقول، أم ستحمل الأيام سيناريوهات مختلفة؟ وهل ما يحدث بداية لأزمة حادة أم مجرد تنافس عابر؟

مجد عيسى

 المصادر:

1- https://cutt.us/wXEqU

2- https://cutt.us/6cAct

3-https://cutt.us/3DvNb

4- https://cutt.us/2kDEg