الحرب الناعمة السعودية في دول جبهة المقاومة

في تقارير المنظمات الدولية عن دور المملكة العربية السعودية المتزايد في الأنشطة الدبلوماسية الثقافية، يتضح أن هناك تحولًا في نهج حكام السعودية لترويج معتقداتهم وأفكارهم في منطقة غرب آسيا. 

حيث يُعتبر تنظيم مهرجان ثقافي ثانٍ يحمل اسم "ما بين الثقافتين"(1) والذي سيُعقد بتكلفة باهظة في الرياض أحد مظاهر تطور الدبلوماسية الثقافية السعودية. هذا المهرجان الذي كان في دورته الأولى يركز على المشتركات الثقافية مع اليمن ويركز في دوره الثاني على المشتركات الثقافية مع العراق. إن تغيير نهج السياسة الخارجية للمملكة من المواجهة العسكرية إلى الدبلوماسية الثقافية قد يحمل أبعادًا مهمة سنستعرضها في هذا المقال.

عدم فعالية سياسة المواجهة في منطقة غرب آسيا: على مدى السنوات العشر الماضية دفعت سياسة المواجهة حكام السعودية إلى إنفاق مبالغ هائلة لتحقيق أهدافهم، لكنهم لم يحققوا تقريبًا أيَّ إنجاز يُذكر. والآن من خلال تغيير نهجهم إلى الدبلوماسية الثقافية يسعون لاختبار حظهم في تغيير أفكار شعوب دول غرب آسيا ودول جبهة المقاومة. يمكن أن تكون الدول مثل اليمن والعراق نظراً للمشاكل الاقتصادية العميقة التي تعاني منها وجهات جذابة للدبلوماسية الثقافية(2). 

إن نهج الحرب الناعمة الذي أُوجدَ منذ سنوات عديدة من قبل الدول الغربية لتغيير الحسابات الذهنية لمعارضي وجودهم ونفوذهم سيتم اختباره مرة أخرى من قبل السعودية. إن شعوب منطقة غرب آسيا ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعية وارتفاع نسبة الشباب المتأثر بها معرضة لخطر تغيير معتقداتها وأفكارها.
 
المنافسة القوية للسعودية مع تركيا: على مدى العشرين عامًا الماضية أظهرت سياسة التنافس بين البلدين باستمرار على تصدير أفكارهما من خلال الأنشطة الناعمة والثقافية(3). فقد أسست تركيا العديد من القنوات التلفزيونية التي تنتج أفلامًا ومسلسلات تعزز من تفوق العنصر التركي. وتشكل الأنشطة الثقافية لتركيا خطرًا كبيرًا على الأفكار الوهابية للسعودية. إن تطوير الدبلوماسية الثقافية في السعودية يمكن أن يُعتبر ردة فعل على النموذج الثقافي للبلد التركي.

لطالما كانت أفكار الإخوان المسلمين منافسًا جديًا لأفكار الوهابية التي يعتمدها حكام السعودية. ومن ثم تراقب السعودية اهتمام المسلمين في منطقة غرب آسيا بتركيا وتسعى في هذه المنافسة الشديدة ألا تخسر الصراع لصالحها.

فكرة تشكيل اتحاد للدول العربية على غرار الاتحاد الأوروبي: وهي واحدة من أحلام بن سلمان العظيمة، فالأمير السعودي الذي يسعى لإنشاء نوع من الحكم على غرار الحكم الأوروبي في منطقة غرب آسيا يعلم جيداً أن هذه الفكرة بحاجة إلى مجموعة من البنى التحتية الاقتصادية والثقافية، ولإنشائها يجب أن يتم تأسيس عقلية مناسبة لذلك. وبعد سنوات من الحرب والصراع يعاني سكان دول منطقة غرب آسيا من التعطش إلى الأفكار الجديدة والسلمية. ومع ذلك الموضوع المتمثل في إمكانية البحث عن أفكار رومانسية في ظل الوضع الحالي للمنطقة دون حل القضايا العالقة هو أمر يجب الانتباه له فلا يمكن للمنطقة أن تسعى نحو رؤية لمستقبلها دون معالجة قضايا مثل أزمة القضية الفلسطينية والعلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، والصراع بين إيران والكيان الصهيوني. إن الأفكار السلمية والرومانسية مثل أفكار عصبة الأمم قد تكون بمثابة شرارة تحت رماد لإشعال الحروب العالمية، حيث لم تكن فيها مصالح البلدان المختلفة مدرجة ضمن اولوياتها مما دفع الدول الأقل حظًا للثورة ضد نظام عصبة الأمم.
 
بالمجمل يمكن القول إن فكرة المملكة العربية السعودية بتوسيع نطاق أفكارها الثقافية قد تشكل خطرًا على شعوب دول منطقة غرب آسيا، وخاصةً جبهة المقاومة. إن الشعب العراقي يقع في قلب هذه الخطة الناعمة. وبالنظر إلى الجيل الشاب واهتمامه بالشبكات الافتراضية و وسائل التواصل الاجتماعي في العراق، فإن الظروف لنفوذ الحرب الناعمة في هذا البلد متاحة جدًا. وتسعى السعودية إلى تعميق النفوذ الفكري في شعوب المنطقة لتزيد من هيمنتها على دول المنطقة. وفي الوقت الذي لدى الأتراك مخططات خطيرة للتغلغل في الدول الإسلامية والعربية يحاول حكام السعودية وبمشورة الدول الغربية خلق حاجز قوي أمام المخططات الإخوانية والتركية. وينبغي أن نرى من سينتصر في معركة الأفكار والعقائد الثلاثة في منطقة غرب آسيا، خطة المقاومة أم خطة التتريك (الإخوانية) أو خطة السعودية (العروبة).

أمير علي يكانة

1. https://www.arabnews.com/node/2584203/saudi-arabia 
2. https://www.saudigazette.com.sa/article/642967 
3.https://www.researchgate.net/publication/331172101_Persuading_through_Culture_Values_and_Ideas_The_Case_of_Turkey's_Cultural_Diplomacy