الجزر الثلاث هي جزء من سلسلة الدفاع الإيراني
للمرة الأولى يدعم الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه السيادة الإماراتية على الجزر الثلاث أبوموسی، تنب الكبرى، وتنب الصغرى، وقد اعتبر إيران محتلة لهذه الجزر مطالباً بإنهاء "احتلال جزر الإمارات الثلاث".
للمرة الأولى يدعم الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه السيادة الإماراتية على الجزر الثلاث أبوموسی، تنب الكبرى، وتنب الصغرى، وقد اعتبر إيران محتلة لهذه الجزر مطالباً بإنهاء "احتلال جزر الإمارات الثلاث".
وقبل ذلك لم يكن الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه يقرون بالسيادة الإماراتية على الجزر الثلاث، بل كانوا يعتبرون السيادة على هذه الجزر موضع نزاع بين إيران والإمارات، ويدعمون جهود الإمارات لحل هذا النزاع بطريقة سلمية من خلال المفاوضات الثنائية أو المحكمة الدولية أو التحكيم الدولي.[1]
لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن سيادة إيران على الجزر الثلاث ليست أمراً يمكن انكاره، إذ تم الاعتراف مراراً وتكراراً بهذه السيادة من خلال الوثائق الموجودة التي نشرتها بريطانيا على شكل كتب، والتي تؤكد حق إيران في هذه الجزر عبر مختلف الفترات التاريخية. ومع ذلك توجد مسائل قانونية تتعلق بالجزر الثلاث ينبغي متابعتها عبر القنوات القانونية وعلى المستوى الدولي ويجب نشر الوثائق الموجودة على الصعيد الدولي لكي تكون ظاهرة للعيان.
في كانون الأول/ديسمبر2021 شهدت إيران الذكرى الخمسين لوجود القوات الإيرانية في هذه الجزر واستعادة سيادتها عليها، وهو اليوم الذي انتهت فيه المعاهدات التي كانت قد أبرمتها بريطانيا مع شيوخ دول الخليج الفارسي، حيث لم يعد للدول الواقعة تحت سيطرة هؤلاء الشيوخ أي ارتباط رسمي أمني مع بريطانيا وقد تُركت تدير شؤونها بمفردها.[2]
لكن هذه المرة الأولى التي يدخل بها الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه في قرارٍ جديد حيث اعتبروا السيادة على هذه الجزر ليست فقط للإمارات بل وصفوا إيران أيضاً بأنها محتلة لهذه الجزر. إن هذا الموقف الأوروبي في ظل الظروف الحالية التي تشهد فيها المنطقة تطورات مهمة وتأثيرات كبيرة، ويواجهها الصراع الشامل في المنطقة يحمل لإيران رسالتين:1- تهديداً عسكرياً وهو ما سنستعرضه من خلال الحديث عن أهمية الجزر الثلاث في الوضع الدفاعي لإيران. 2- ضماناً وحفظاً لوضعهم في الاقتصاد العالمي والمصادر الحيوية كالنفط والغاز.
إن جمهورية إيران الإسلامية كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة تتعرض لضغوط وعقوبات شاملة من قبل مؤيدي النظام الصهيوني الغربي وتمتلك هيمنة على مناطق استراتيجية مهمة مثل هذه الجزر والخليج الفارسي، حيث تستطيع من خلال ذلك قطع شرايين الحياة للنظام الإسرائيلي ومؤيديه الغربيين. ولذلك لم يكن أمام الاتحاد الأوروبي خيار سوى التهديد ضد إيران عبر هذا الموقف لضمان شرايينه الحيوية مثل النفط والغاز واقتصاده.
هنا تتجلى أهمية دراسة موقع وأهمية الجزر الثلاث، فلا يمكن بأي حال فصل الأهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث تحت السيادة الإيرانية عن موقع وأهمية الخليج الفارسي. بوجه عام إن مكانة وموقع هذه الجزر لا تجد معناها إلا في إطار السياق الكلي للخليج الفارسي. ومن ثم يمكن تعميم الكثير من الخصائص والمميزات الجيوسياسية للخليج الفارسي على هذه الجزر أيضًا.
لذا من المفيد أن نلقي نظرة حتى وإن كانت عابرة على الموقع والأهمية الاستراتيجية الفائقة للخليج الفارسي وبعد ذلك نتناول شرح وتفصيل المكانة المهمة والفريدة للجزر الثلاث.
الخليج الفارسي نقطة اتصال ثلاث قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا
يعدّ الخليج الفارسي موضع اتصال ثلاث قارات: أوروبا، أفريقيا، وآسيا، حيث تقع من ورائه ثلاثة بلدان هي: إيران والهند والصين. على الرغم من أن هذا الممر المائي كان يُعتبر في الماضي ذا قيمة وأهمية بسبب الاتصالات وطرق المواصلات، إلا أن أهميته اكتسبت أبعادًا جديدة في السنوات اللاحقة، لا سيما بعد اكتشاف النفط والغاز في هذه المنطقة. بعد الحرب العالمية الثانية وظهور العالم ثنائي القطبية، حيث كان أحد قطبيه قريبًا جدًا من هذا الخليج، وزادت أهميته بشكل خاص في نظر القطب المنافس. وكما ذُكر سابقاً يمكن اعتبار النقطة الأكثر أهمية في دراسة أهمية الخليج الفارسي هي وجود الاحتياطيات الضخمة من النفط والغاز فيه. في الواقع تتمحور معظم وجهات النظر المتعلقة بأهمية الخليج الفارسي حول هذه الاحتياطيات. يملك الخليج الفارسي حوالي65% من إجمالي الاحتياطيات المعروفة للنفط في العالم، كما يوجد30% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم أيضًا في هذه المنطقة. وللغرابة فإن معظم هذه الاحتياطيات ليست على اليابسة بل في قاع الخليج الفارسي.
بسبب وجود احتياطيات الطاقة الهائلة في الخليج الفارسي، يطلق عليه أيضًا "مخزن النفط العالمي"، ولهذا السبب يتولى هذا الخليج دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي، وخصوصًا في اقتصادات الدول الصناعية؛ حيث لا شك أن الاقتصاد والصناعة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول المتقدمة، تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة وأهمها النفط.
من العوامل الأخرى لأهمية الخليج الفارسي والتي يتوجب البحث عنها هي وجود سوق كبيرة للسلع والمعدات العسكرية في هذه المنطقة. فالدول الواقعة على ضفاف الخليج الفارسي، التي يزيد عدد سكانها عن مئة مليون نسمة وتتمتع بعائدات نفطية هائلة، تعتبر واحدة من أهم أسواق شراء السلع والمعدات العسكرية في العالم. على الرغم من أن موضوع مضيق هرمز قد تم التطرق إليه مرارًا في المباحثات حول أهمية الخليج الفارسي، إلا أنه لا يمكن تجاهله بسهولة. في الواقع يُعتبر الخليج الفارسي بحراً شبه مغلق حيث أن مضيق هرمز هو مفتاحه. كان الأدميرال البرتغالي الشهير "ألبوكيرك" يعتقد أنه إذا تمكنت أي دولة من التحكم في ثلاثة مضائق هي: باب المندب، هرمز، وملقا، فإنها ستسيطر في الواقع على العالم بأسره.[3]
مع ذلك يجب البحث عن أهم سبب لأهمية الجزر الثلاث من ناحية الشؤون العسكرية. تشكل جزيرتا تنب الكبرى والصغرى بالإضافة إلى أبو موسى جزءًا من النظام الدفاعي والأمني لمضيق هرمز وسواحل إيران الجنوبية. بالإضافة إلى ذلك فإن موقعها الجغرافي في عمق مياه الخليج وكذلك داخل ممرين مزدوجين للملاحة الدولية يمنحها أهمية استراتيجية خاصة.[4]
تكتسب الجزر الثلاث أهمية خاصة في الدفاع عن إيران فهي ذات أهمية عسكرية استثنائية وتتمتع بموقع دفاعي مميز. ومع ذلك يجب ألا نغفل عن هذا المبدأ: فعند التدقيق والتأمل في الجغرافيا الطبيعية للخليج الفارسي ندرك أن قيمة وأهمية الجزر الثلاث لا تخص إيران فحسب، بل تشمل الدول الأخرى أيضاً بما في ذلك دول الساحل الجنوبي للخليج؛ لأن "إيران تملك عددًا من الجزر ذات الموقع المتميز في مضيق هرمز عند مدخل الخليج الفارسي. من بينها هناك ست جزر تشكل سلسلة دفاعية قوسية تكتسب أهمية أكبر، وهي: هرمز، لارك، قشم، هنگام، تنب الكبرى، وأبو موسى، التي تقع على مسافات قصيرة نسبيًا من بعضها البعض. إن منحنى افتراضي يربط بين هذه الجزر يساعد على فهم التميز الاستراتيجي لإيران في السيطرة على أمن مضيق هرمز".[5]
في الختام يجب القول إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد أثبتت دائمًا أنها لن تتنازل عن قضاياها الدفاعية، وتاريخها شاهد على أن الإيرانيين دائمًا ما يحفظون مصادرهم الحيوية والاستراتيجية بقوة. وبالتالي يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي قد بدأ لعبة خطيرة؛ فلو قررت إيران الرد بشكل قاسي على هذا الموقف فإن الأوروبيين وإلى جانبهم من بقية دول العالم سيواجهون تحديات كبيرة في تأمين مواردهم الحيوية.
[1] https://www.asriran.com/fa/news/1006021
[2] https://www.isna.ir/news/1401100502986/
[3] داوود راکی، قاجارها و جزایر سه گانه، زمانه، 1383 http://ensani.ir/fa/article/10398
[4] محمدرضا حافظنیا، خلیجفارس و نقش استراتژیک تنگه هرمز، تهران، انتشارات سمت، 1371، ص201
[5] پیروز مجتهدزاده، کشورها و مرزها در منطقه ژئوپلتیک خلیجفارس، همان، ص87