التطبيع بين انقرة ودمشق هل بات قريباً؟
التطبيع بين انقرة ودمشق هل بات قريباً؟
هل بات التطبيع وشيكاً بين دمشق و أنقرة؟ وهل تشيرُ التطورات الأخيرة ونتائج جلسات أستانا والإجتماع الرباعي بين وزراء خارجية الدول المعنية (سورية و إيران وروسيا وتركية) إلى اتفاقات وتسويات ترضي جميع الأطراف؟ أسئلة تم إثارتها بعد الأحداث الأخيرة و بدأت وسائل الإعلام والمحليين السياسيين بالإجابة عليها والتكهن حول تطور مستوى العلاقة وتسريب ما تم الإتفاق عليه حسب مصادر مختلفة...
المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف أكد في أعقاب انتهاء الجولة الـ20 من أستانا أن كلاً من تركيا وإيران وسورية توافقوا على خارطة الطريق التي أعدتها روسيا لتطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام السوري.[1]وأشار لافرنتيف في الوقت ذاته إلى أن العملية ستستغرق وقتاً، وأضاف: المهم أن عملية التطبيع تمضي قدماً، والآن يجب التنسيق لتطبيق خارطة التطبيع التي وافقت عليها الأطراف بشكل عام.
وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن مسودة " خريطة طريق" للتطبيع بين النظام السوري وتركيا باتت جاهزة. وفي تصريحات نقلتها وكالة "تاس"، قال بوغدانوف إن "مسودة خريطة الطريق الروسية جاهزة"، مضيفاً أن "مهمتنا هي المناقشة مع شركائنا والمضي قدماً في هذا العمل".[2]
إن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق هو موضوع يثير اهتمامًا ونقاشًا واسعًا في الساحة الدولية. وهناك تطورات ومبادرات عديدة تجري في محاولةٍ لتحسين العلاقات بين البلدين وخاصة عن طريق الوساطة الروسية.
مؤخراً كشفت صحيفة" يني شفق" التركية المقربة من الحكومة عن أربعة شروط وضعتها أنقرة خلال محادثات التطبيع الرباعية بين نواب وزراء الخارجية على هامش الجولة 20 لمسار أستانا.
ونقلت الصحيفة عن مصدر وصفته بـ"رفيع المستوى"، أن أنقرة طرحت أولاً تأسيس آلية تنسيق عسكرية رباعية من أطراف المحادثات للقيام بعمليات مشتركة ضد مواقع "الإرهابيين"، وطالبت ثانياً بتقديم ضمانات مكتوبة بشأن العودة الآمنة للاجئين السوريين. وأضاف المصدر أن الطلب الثالث لأنقرة تمثل بالعملية السياسية وإدارتها بطريقة صحيحة وصياغة دستور جديد، وأما الطلب الرابع هو إجراء انتخابات عامة بمشاركة جميع السوريين في أنحاء العالم.[3]
وبحسب ماذكره المصدر، فإن أنقرة تنتظر رد دمشق على الشروط التي يتعلق أولها بمكافحة التنظيمات الإرهابية التي تولي الحكومة التركية أهمية بالغة له لإنه يتعلق بأمنها القومي ويهدد حدودها مع سورية بسبب ما تسميه "الإرهاب الكردي"، وقد تختلف وجهات النظر بين الدولتين حول قضية الإرهاب ومجموعاته في سورية لإن تركيا لاتعتبر القوات الموالية لها في سورية مجموعات إرهابية بل جزء من قوات المعارضة التي تتعامل معها، بينما تعتبرها سورية مجموعات مسلحة إرهابية تابعة لجبهة النصرة وغيرها، وقد طالبت مراراً منذ بدء المفاوضات مع تركيا أن تتخلص تركية من تلك المجموعات الخطيرة وتطردها خارج الحدود كما جلبتها سابقاً وسمحت لها بالدخول.
في الطرف المقابل، تُصر دمشق على أن الوجود التركي غير شرعي ويجب إنهاؤه كدليل على جدية تركيا في التفاوض، وما لم تضع تركيا جدولاً زمنياً لسحب قواتها من شمال سورية، فإن التفاوض بين الطرفين يفقد مبرراته. وبالنسبة لتركيا، يبدو من خلال تصريحات مسؤوليها صعوبة تصور حصول انسحاب عسكري في المرحلة المقبلة قبل التوصل إلى اتفاقيات سياسية وأمنية راسخة والحصول على ضمانات دولية.وهذا ماسيتم الكشف عنه لاحقاً بعد انتشار قوات كبيرة للجيش السوري في الشمال تمهيداً لاستلام زمام الأمور هناك إن حصل اتفاق على الانسحاب التركي ولو بشكل تدريجي.
الجدير بالذكر أنه وبعد إصرار الرئيس بشار الأسد على رفض لقاء الرئيس أردوغان إنْ لم يكن هناك نتائج عملية، وذلك قبل الإنتخابات، يبدو الآن أن موقف تركيا قد طرأ عليه بعض التغيرات بسبب التطورات الأخيرة وفوز أردوغان في الإنتخابات الرئاسية، في السابق كان أردوغان يطلب الإسراع في إجراء وتنفيذ هذه المصالحة دون شروط مسبقة حرصاً منه على كسب ورقة رابحة بيده لخوض الإنتخابات واللعب على ملف اللاجيئن السوريين بحيث يرضي أغلبية شعبه ويسحب بذلك البساط من تحت معارضيه في تركية بعد إثارتهم قضية اللاجيئين والأعباء الإقتصادية لها ويلعب بها بذكائه السياسي لتحقيق مكاسب انتخابية. أما الآن أصبح يضع شروطاً على تطبيع العلاقات مع دمشق بعد أن كسب بقاءه في الحكم، ولا يريد أن يخرج خاسراً من سورية بدون تحقيق مكاسب سياسية له بعد توليه الحكم من جديد لكي يظهر بأن له تأثير كبير في التغيرات الدولية.
السيناريو الأكثر واقعية وقابلية للتحقق بناءً على المعطيات الراهنة هو أنه قد يستمر مسار التطبيع بين الطرفين ولكن ضمن إيقاع بطيء، في ظل تضارب المصالح والشروط التي يضعها كل طرف، فعدا عن حاجة الطرفين إلى بعضهما البعض في العديد من القضايا، ثمة عوامل من المرجح أن تشكّل آليات تشغيلية لاستمرار مسار التطبيع ووفق هذا السيناريو، من المرجح تقديم تنازلات متبادلة من قبل الطرفين في المرحلة المقبلة من أجل التوصل إلى صيغة مُرضية لهما، ولو بالحد الأدنى والتنازلات المتوقعة ستُدرَج ضمن خريطة الطريق، وستكون تنازلات قابلة للبناء عليها لدعم مسار التطبيع وفق مبدأ "خطوة خطوة"، باعتبار أن كل خطوة تحتاج إلى ترتيبات عديدة لتصبح قابلة للتطبيق. وأول هذه التنازلات بدأتها دمشق عبر قبول الأسد بجدولة الانسحاب التركي، على هامش اجتماعه مع نائب وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خانجي، بدل الإصرار على الانسحاب الفوري للقوات التركية، مقابل تنفيذ تركيا التزامها القديم مع موسكو عام 2020 والقاضي بفتح الطريق الدولي "إم4"، وإبعاد الفصائل المسلحة ستة كيلومترات على جانبي الطريق .
وفي نفس السياق ثمة خطوات من المتوقع أن تقوم تركيا بها في شمال سورية عبر إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية والإدارية، تمهيداً للمرحلة المقبلة، يُقابلها إصدار دمشق مراسيم وقوانين أكثر مرونة فيما يتعلق بوضع المقيمين في إدلب وكيفية استيعابهم، لما لهذا الأمر من أهمية في عودة أكثر من مليونَي لاجئ في إدلب إلى مناطقهم الأصلية داخل سورية، وتخفيف ضغطهم على الحدود التركية.
في الختام جميع المؤشرات تدلُّ على أن المصالحة وتطبيع العلاقات بات أمراً محتماً وفي صالح كلا البلدين ولكن ينتظر أن تتوافق الظروف في ظل وجود إرادة سياسية ولقاءات مستمرة تمهد الطريق وتزيل العقبات أمام قمة رئاسية قد تكون على هامش اجتماعٍ ما أو دعوة خاصة برعاية دولية إما روسية أو إيرانية أو عربية، وسيكون لها أثر كبير في التحولات السياسية في المنطقة والعالم كما حدث في السعودية في لقاء الأمير بن سلمان والرئيس الأسد بعد قطيعة دامت أكثر من 11 سنة بين الدولتين.
[1] www.syria.tv/ما-مضمون-خارطة-الطريق-الروسية-لتطبيع-العلاقات-بين-تركيا-والنظام-السوري؟
[2] www.syria.tv/الخارجية-الروسية-مسودة-خريطة-طريق-للتطبيع-بين-تركيا-والنظام-السوري-باتت-جاهزة
[3] https://syria.news/620f0354-29062312.html