إنّها كلّ الحكاية…
ضجّت الدنيا بما حدث الأحد 21 أيار 2023؛ سمّاه البعض "مناورة صغيرة"، والبعض استعراضًا، والبعض رسالة والبعض فيض حبّ وقوّة. وفيما كان أهل العشق غارقين في المشهد الفوّاح بالعزّة، يتناقلون الصور ويحكون ما تضجّ به قلوبهم، كان آخرون مبتلين بسواد القلب والنطق بما يشتهي العدو وحسبوه تهديدًا لهم فعملت ألسنتهم طيلة النهار والليل، وهي أعلى ما في خيلهم، على استهداف الحدث والتصويب عليه.
في البداية، لا يحتاج حزب الله إلى تقديم لوحة استعراضية تحكي قوّته وتثبتها، فهذه القوة المشهودة اُختبرت في أقسى المعارك وأثبتت جدارتها في الميدان، بل في كل
الميادين التي تختلف فيما بينها وتفرض اختلافًا في طبيعة المعركة. ما حدث الأحد، وإن كان مشهدًا عسكريًا بامتياز، كان عملًا ثقافيًا بكل ما للكلمة من معنى، عملًا يحكي ثقافة المقاومة باللغة التي يفهمها العدوّ جيّدًا، وباللغة التي يجيد أهل الحب قراءتها وفهمها وحفظها. وإن كان الحزب لم يعرض إلّا الجزء اليسير من القوّة المادية التي يمتلكها والتي يمكنه استخدامها، سواء من حيث جهوزية العسكر أو من حيث تجهيزهم، فهو وضع أمام كاميرات العالم كلّه كلّ احترافه في بناء الإنسان، وفي تفسير مفهوم ثقافة الحياة والحريّة. ما شوهد بالأمس هو حرفيًا "الروح يلي بتقاتل"، وهذه الروح هي أرقى ما يمكن للإنسان بلوغه على الأرض.
بنى حزب الله علاقته مع الناس-الجمهور، وحتى مع الخصوم والأعداء على قاعدة المصداقية الأنقى: اقتران القول بالفعل. والوعد الصادق المتواصل منذ بداية الثمانينيات يزداد صدقًا ومتانة كل يوم، وهذا يضعه بالنسبة للجميع في مستوى لا يمكن منافسته في الصدق وفي حيازة ثقة الناس. حدث الأحد يقع في هذا الإطار تمامًا: الصدق، الصدق المشهود والذي لا يمكن أن يطاله غبار التشكيك، وقوّته، روحًا وسلاحًا هي مرآة هذا الصدق، حين يقول إن "اسرائيل" ستزول، فهذا يعني أنّها ستزول، حين يقوم بمحاكاة اقتحام "مستعمرة" وتفجير الجدار والعبور، فهذا يعني تمامًا أنّ هذا سيحدث، وقريبًا.
وهذا الصدق مقترنًا بثقافة الحياة وبناء الإنسان هو الرسالة الأولى والدائمة التي يوجهها حزب الله دائمًا موقّعة بالدم وبالعرق وبالجهد وبالقدرة العالية على استشعار الواحب تجاه الناس والقيام به، حتى لو لم يكن عرفًا من واجباته.
على صعيد آخر، يتابع الصهاينة الحدث بعيون لا تجرؤ أن ترمش حتّى. يعرفون جيّدًا أنّ ما جرى أمام الكاميرات يقصد أن يرهبهم، بإظهار الحدّ الأدنى مما قد يرونه في أي حرب مقبلة، وهي الغاية الأساسية من الأمر كلّه، تنفيذًا لأمر الله أن {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}. وهم فعليًا مقيّدون إلى شعورهم بهذا الترهيب الذي بدأوا يقرؤون فيه علامات زوالهم.
أمّا على صعيد الداخل اللبناني، حيث لا أعداء كما أكّد السّيّد هاشم صفيّ الدين، فقد قرأ مبغضو المقاومة المشهد بغيظ يجعل المرء ينبّههم إلى وضوح ارتباطهم وربطهم لأنفسهم بالمعسكر الصهيوني، سواء لعجزهم عن رؤية جمال القوّة التي تصون البلد وتحميه، بكلّ مكوّناتها وإصرارهم على معاداتها وادعاء الشعور بالخوف منها تماهيًا مع الرعب لدى الصهاينة، أو لخوائهم الهويّاتي والانتمائي الذي يجعلهم يشعرون بالضعف حيال قوّة هي أصلًا غير موجّهة ضدّهم.
اليوم، الصحافة العالمية والعربية والمحلية وقفت طويلًا عند حافة مشهد الأحد، وشهدت بعين كاميراتها التي استُقبلت بكل محبّة. منها ما شهد بالحق، ومنها ما زوّر بالتحليل وبقراءة ما بين سطور الطلقات. إلّا أنّ المشهد كان حقيقيًا وصادقًا وناضحًا بمزايا حزب الله بشكل يجعل كلّ تزوير حياله فضيحة لفاعله. بعد الآن، يمكن إضافة الموقف من "مناورة" الأحد كمعيار يحدّد معسكر المرء، وصدق انتمائه.
المصدر: العهد