أين “الحس الإنساني الغربي المرهف” إزاء الكارثة في سوريا؟
وقعت الكارثة الطبيعية التي خلّفت أضراراً مادية وبشرية كبيرة في سورية، وسرعان ما استقطبت دعم وتعاطف العالم، ولكن مع من؟.
بالتأكيد، هبّ بعض العرب، وكذا أصدقاء سورية من كافة أنحاء العالم، لإرسال المساعدات بكافة أشكالها، وإرسال فرق الإنقاذ والمعدات الأساسية إلى المناطق المنكوبة في سورية. أما الغرب فقد أغدق من إنسانيته الانتقائية على المتضرّرين الأتراك، ولم تستفد سورية حتى الآن من المساعدات الإنسانية من الدول الغربية المشلولة بموجب ما يُسمّى قانون “قيصر” الذي فرضته الولايات المتحدة، وبموجب عقوبات اقتصادية أخرى كانت العائق الأساسي أمام فرق الإنقاذ في البحث عن العالقين تحت الأنقاض.
وبحسب المحللين الأوروبيين، فإن الكارثة التي سبّبها هذا الزلزال هي فرصة للغرب ليُظهر للعالم أنه قادر على إعادة البناء والإعمار، فقد تسبّب الزلزال، الذي ضرب تركيا وسورية في انفجار يعادل 7.5 ملايين طن من مادة “تي إن تي”، بخسائر بشرية ومادية جسيمة، وسرعان ما تبعته هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجات في وسط وشرق تركيا، وهزة أخرى بقوة 5.6 درجات على الحدود التركية السورية، فيما تمّ تسجيل ما يقرب من 800 هزة ارتدادية.
وفي الوقت الذي من المفترض فيه أن يكون موضوع كارثة الزلزال محور اهتمام كلّ وسائل الإعلام العربية والعالمية، فقد حلّت زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى بريطانيا وباريس وبروكسل محلّ الزلازل، حيث جاء يتوسل المساعدات العسكرية، بعدما حصل على 2.3 مليار جنيه إسترليني (2.5 مليار يورو) من المساعدات العسكرية العام الماضي من قبل بريطانيا، ما وضع بريطانيا كثاني أكبر مانح عسكري لأوكرانيا، وهذا هو مقدار المال المتاح في بريطانيا عندما توجد الإرادة السياسية.
وهنا يبرز السؤال التالي: كم هو المبلغ الذي ستدفعه الحكومة البريطانية كمساعدات لسورية؟ عندما أطلقت الجمعيات الخيرية الخمس عشرة التي تشكل لجنة طوارئ الكوارث نداءها في نهاية الأسبوع الماضي لتقديم الإغاثة والمساعدات الطبية والمأوى والبطانيات والطعام، أعلن وزير الخارجية جيمس كليفرلي أن المملكة تعهّدت بدفع مبلغ 5.6 ملايين يورو، مليار جنيه إسترليني من الأسلحة لأوكرانيا.
واقع الأمر، هناك طريقتان لقياس هذا على “مقياس ريختر” من وحشية الإنسان للإنسان، فعلى المستوى الإنساني، تتطلب الكوارث العالمية استجابة تتجاوز السياسة. بمعنى في وقت الكوارث، يجب وضع السياسة جانباً، وإظهار الجانب الإنساني البحت. فبعد ساعات فقط من وقوع الكارثة، نشرت صحيفة “شارلي إبدو” الفرنسية الساخرة رسماً كاريكاتورياً يظهر مبنى متضرراً، وسيارة مقلوبة، وكومة من الأنقاض مع التعليق: “لا داعي حتى لإرسال دبابات”.
على ما يبدو أن أوروبا مصمّمة على ترك سورية في مواجهة تبعات الزلزال، بعد أن أرسل إليها الغرب كماً كبيراً من الأسلحة والمرتزقة على مدى أعوام الحرب، ومن ثم تركها وحيدة بعدما مزقتها الحرب، وأصابتها العقوبات الغربية القسرية بالشلل، لذلك فإن الفجوة بين ما يجب القيام به، وما تقوم به الحكومات الأوروبية في نهاية المطاف تتسع كل عام. وفي كل عام، تصبح الكلمات التي يتحدث بها القادة الأوروبيون أكثر فظاظة. وفي 13 تشرين الأول الماضي، ألقى مفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خطاباً في افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في بروج قال فيه: “نعم، أوروبا حديقة وكلّ شيء يعمل، إنها أفضل مزيج من الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي الذي يمكن للبشرية أن تبنيه معاً. أما بقية العالم فهو عبارة عن غابة، ويمكن للغابة الاستيلاء على الحديقة، يجب أن يذهب البستانيون إلى الغابة، بينما يحتاج الأوروبيون إلى الانخراط بشكل أكبر مع بقية العالم، وإلا فإن بقية العالم ستغزونا بطرق مختلفة وبوسائل مختلفة”.
المصدر: البعث