وثيقة الأمن القومي للاتفيا وأهمية تعديلها
لابد من النظر إلى النهج الذي تتبناه لاتفيا في التعامل مع الأمن القومي باعتباره جزءاً من البنية الأمنية لدول الشمال ومنطقة البلطيق، وبالتالي يشكل جزءاً مهماً من الأمن الأوروبي الأطلسي الأوسع.
لابد من النظر إلى النهج الذي تتبناه لاتفيا في التعامل مع الأمن القومي باعتباره جزءاً من البنية الأمنية لدول الشمال ومنطقة البلطيق، وبالتالي يشكل جزءاً مهماً من الأمن الأوروبي الأطلسي الأوسع. ولذلك، من المهم دراسة المفهوم الجديد للأمن القومي في سياق التهديدات الإقليمية والعالمية والمحلية المعروفة لهذا البلد. ونظراً لموقع لاتفيا الجغرافي ووضعها السياسي الحالي، فلن يكون من المستغرب أن نرى روسيا، وعلى نحو متزايد بيلاروسيا أيضاً، عاملين رئيسيين لتهديد البلاد. كما حذر المعنيون المشرفون على البنية التحتية المتطورة للإنترنت في لاتفيا من التهديدات السيبرانية الجديدة بشكل واضح وجدي.
تشمل الأولويات من أجل تعزيز الأمن القومي في وثيقة الأمن القومي في لاتفيا التطوير المستمر للقدرات العسكرية والتعاون مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلاً عن زيادة مقاومة عمليات النفوذ الروسي باعتبارها تهديدًا محتملاً. يسلط هذا المفهوم الضوء على المرونة الاجتماعية الواسعة في ضمان الأمن القومي ويشير إلى عوامل داخلية مختلفة تتحدى المرونة الاجتماعية، بدءًا من التدهور الديموغرافي وعدم المساواة الاجتماعية إلى تطرف بعض المجموعات العرقية.
وبالنظر إلى نطاق التهديدات المختلطة، يشير هذا التحليل إلى المجتمع المدني والمؤسسات والحاجة إلى تحديد نقاط الضعف والتعامل معها. وقال البيان "إن الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع التهديدات الهجينة هي تعزيز القدرة الوطنية والجماعية على الصمود". إن التهديدات الهجينة تهم الحكومة والمجتمع المدني على حد سواء، ولهذا السبب يجب أن يشمل النهج المتبع في تعزيز القدرة على الصمود الإدارة العامة بأكملها والمجتمع بأكمله."[1].
ومع ذلك، يبدو هذا المفهوم غير مكتمل عند التعامل مع المرونة الاجتماعية على وجه التحديد. في حين أن تحليل التهديدات العالمية والإقليمية الواردة في هذه الوثيقة مفصل ومشروح، إلا أن أولويات معالجتها تم تنظيمها بطريقة رسمية وتقليدية. تتناول الوثيقة القضايا العسكرية والاستخباراتية بشكل مناسب، لكنها تتعثر عندما يتعلق الأمر بالاستجابات الرئيسية للمخاطر الهجينة والمعقدة.
في تحليل مجموعة التفكير التابعة لحلف شمال الأطلسي المعروفة باسم الناتو 2030، تمت مناقشة أن الأنظمة الاستبدادية تستهدف المجتمعات الديمقراطية وتشوه بيئة المعلومات لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية.[2] هذه هي بالضبط النقطة التي تتوقع لاتفيا من روسيا أو بيلاروسيا أن تستخدمها ضد هذا البلد في المواقف الحرجة، أي للتأثير على شعب هذا البلد من خلال نشر معلومات كاذبة أو استخدام أخبار ومعلومات شبه صحيحة.
وبطبيعة الحال، لا ينبغي إلقاء اللوم بالكامل على روسيا، ولا ينبغي تجاهل تصرفات لاتفيا الاستفزازية، وعلى أي حال، فإن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي للحفاظ على نفوذها والحصول على مساحة حيوية آمنة من خاصرتها الغربية.
ونظراً لبيئة التهديد الهجينة وشديدة التعقيد، فإن التدابير المضادة التي اقترحتها حكومة لاتفيا تبسيطية وأحادية الجانب إلى حد ما. هذا البلد موطن للأقلية الناطقة بالروسية، التي تشكل حوالي ربع السكان، وقد تم ذكر خطر الاستقطاب العرقي في هذه الوثيقة. ولكن بدلاً من مواجهة التهديد من خلال بناء الثقة بين مختلف المجتمعات ذات اللغات المختلفة وخلق هوية لاتفية إيجابية بين الناطقين بالروسية وغيرها، فإن هذه الوثيقة تقترح فرض ثقافة واحدة واستيعاب موحد حيث تشمل الأساليب المقترحة زيادة حضور المعالم الوطنية، والاحتفال بشخصيات مهمة من تاريخ لاتفيا في الأماكن العامة، وضمان خلو الفضاء الاجتماعي والفضاء الإلكتروني في لاتفيا من روسيا بشكل كبير. حتى أن وثيقة الأمن القومي في لاتفيا تشير إلى فرض حظر على البث العام اللاتفي عن روسيا بحلول عام 2026 ــ وهو الاقتراح الذي أثار بالفعل ضجة بين المعلقين الناطقين بالروسية[3].
وهذا هو بالضبط نفس الخطأ الشائع الذي تقع فيه معظم الحكومات، وهو أنها لا تستطيع خلق الفرص من بيئة تبدو مهددة. إذا كانت حكومة لاتفيا تسعى إلى تحسين ظروفها وزيادة مستوى الأمن، فينبغي عليها الاهتمام بقضية الناطقين بالروسية باعتبارها فرصة للتعاون وتحسين العلاقات مع روسيا وداخل البلاد. ولعل الشيء الإيجابي الموجود هو إمكانية تعديل هذه الوثيقة، وهو ما تستطيع حكومة لاتفيا الوسطية الجديدة القيام به. والحقيقة أن الفشل في تصحيح هذه الوثيقة في الوقت المناسب من شأنه أن يخلق تحديات خطيرة بين روسيا ودول البلطيق. وهذه هي النقطة الحاسمة والمهمة التي يتعين على الحكومات الغربية ومنظمة حلف شمال الأطلسي أن تذكّر لاتفيا بأن إزالة التقاليد والثقافة الروسية الراسخة في هذه المنطقة يعتبر عمل استفزازي لروسيا ولها أن تحتفظ بحق الرد. يبدو أن لاتفيا قادرة على اللجوء إلى التفاعل بدلا من نهج المواجهة ، ومن خلال الحفاظ على التقاليد واللغة الروسية وبدلا من محاولة توحيد الثقافة، تسعى لاحتضان الفضاء متعدد الثقافات الحالي ومحاولة الحفاظ على هذا التعددية الثقافية لتجنب تحد كبير آخر في منطقة اليورو.
[1] tapportals.mk.gov.lv
[2] www.nato.int
[3] cepa.org