لماذا يصرّ الغرب على تبرئة واشنطن من “السيل الشمالي”؟
لماذا يصرّ الغرب على تبرئة واشنطن من “السيل الشمالي”؟
لا تزال مسألة تفجير خط السيل الشمالي الواصل بين روسيا وألمانيا تثير نوعاً من التخبط لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، حيث يُظهر العديد من التقارير مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن تفجير الخط بما ينقل الكثير من الاستنتاجات حول رغبة الولايات المتحدة بالعمل على خنق الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات الدولية أو من خلال العمليات التخريبية حتى وإن كان على حساب حلفائها الأوروبيين وخاصة ألمانيا المتضرّر الأول من التفجير.
ويمكن ربط تلك الفرضيات وفقاً لما نقلته صحيفة Süddeutsche Zeitung الألمانية، التي ادّعت وجود تورّط أوكراني في حادث تفجير خطوط أنابيب “السيل الشمالي” للغاز الروسي إلى ألمانيا في مياه النرويج، وذلك وفقاً للتحقيق الذي قامت الصحيفة فيه بالشراكة مع عدد من وسائل الإعلام الألمانية ومع الهيئة الفيدرالية الألمانية للشؤون الجنائية، حيث افترضت الصحيفة مسؤولية عدد من الإرهابيين قامت بتوظيفهم شركة أوكرانية تأسست في عام 2016.
يأتي نشر تلك الأخبار بعد أن أعلن الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش عن وجود تورّط حقيقي للولايات المتحدة الأمريكية في عملية تفجير خط أنابيب “نورد ستريم” بناء على معلومات أكيدة حصل عليها من مصدر في البيت الأبيض، ورفض المثول أمام الكونغرس لمناقشة الأمر حفاظاً على سرية مصادره، حيث إن هناك قراراً أمريكياً مسبقاً بتنفيذ ضربة مزدوجة لكل من روسيا وألمانيا في ظل توتر العلاقات بينهما بما يؤدّي إلى حرمان أوروبا من موارد الطاقة الروسية الرخيصة وإجبارها على الاعتماد على سوق الطاقة الأمريكي.
طالبت روسيا بإجراء تحقيق دولي حول تفجير الأنابيب، وكانت تصطدم دائماً برفض أمريكي لهذا الأمر خوفاً من كشف تورّطها في هذا العمل الإرهابي، حيث تؤكد المعطيات استحالة قيام الجانب الأوكراني بهذا العمل بمفرده ودون تنسيق مع عدد من الاستخبارات الغربية كما صرّح سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف.
وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن روسيا مقتنعة بضلوع واشنطن بتفجير أنابيب الغاز، مؤكدة أن الحقيقة حول السيل الشمالي ستشق طريقها.
من جانب آخر، تظهر أوجه التخبّط والارتباك من خلال رفض أوكرانيا الاعتراف بمسؤوليتها عن التفجير مع وجود رغبة أمريكية بتوريطها بهذا الموضوع من خلال رفض أيّ تعاون بإنشاء آلية للتحقيق الدولي والاكتفاء بتصريح أنتوني بلينكن حول إنكار أيّ تورط أمريكي بهذا العمل، وذلك على الرغم من التصريحات السابقة له بضرورة إلغاء هذا الخط وإشراكه بالعقوبات الدولية، لكن بعض الخبراء يشير إلى رغبة الدول الغربية في جعل هذا الملف مجهولاً .
ومن هنا يتابع هيرش قوله بأن عملية تفجير خط أنابيب نورد ستريم هي عملية تخصّ حلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية لإرباك سوق الطاقة وإجبار الدول الأوروبية على التوقف عن استيراده من روسيا، وقد أكدت ذلك صحيفة الانترست الأمريكية عندما وصفت التصريحات الأمريكية حول توريط أوكرانيا بعملية التفجير بمحاولة مفضوحة لإخفاء الرواية الحقيقية.
ولا تقوم الدول المحيطة جغرافياً بمنطقة التفجير بدورها في عملية الكشف والتقصّي عن حقيقة عملية التفجير حيث ادّعت النيابة العامة في السويد عدم وجود توصيف دقيق للعملية التخريبية بجميع نتائجها ومدلولاتها، وذلك خشية أن تؤدّي أي آلية جادة للتحقيق إلى تكشّف أسباب أخرى تقف وراء التفجير يمكن أن تسبّب أزمة دبلوماسية مع ألمانيا.
وبالمحصلة، يبدو أن هناك رغبة غربية، وخاصة أمريكية، بالتعتيم على أيّ جهد يؤدّي إلى الكشف عن الفاعل الحقيقي رغم أن جميع المؤشرات تؤكد أن واشنطن صاحبة المصلحة الأولى في ذلك.
المصدر: البعث