قاسم سليماني الأب الروحي لجبهة المقاومة
شهدت المنطقة في الأيام الأخيرة تغيرات مهمة وحاسمة للغاية سيكون لها بالتأكيد تأثير على مصير منطقة غرب آسيا وستمتد آثارها إلى أجزاء أخرى من العالم.
شهدت المنطقة في الأيام الأخيرة تغيرات مهمة وحاسمة للغاية سيكون لها بالتأكيد تأثير على مصير منطقة غرب آسيا وستمتد آثارها إلى أجزاء أخرى من العالم.
منذ حوالي شهر، في 7 أكتوبر 2023، وقعت حادثة صدمت مشهد المعادلة الإقليمية. وكانت قوات المقاومة الفلسطينية، بهجومها المفاجئ على الكيان الصهيوني، قد ألحقت أضرارًا جسيمة بالصهاينة من حيث الأرواح والعتاد والخسائر المادية، وتم أسر عدد كبير من الصهاينة، وحصل مقاتلو المقاومة على غنائم كبيرة.
وعندما نشرت صور وفيديوهات هذا الهجوم المفاجئ في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، خلقت موجة من الصدمة، وقد أذهلت العالم صور فرار الصهاينة من منطقة الصراع وتقدم قوات المقاومة في الأراضي المحتلة. و أصبحت الأفلام والصور التي تظهرُ تواجد قوات المقاومة في المدن المحتلة أو إخراج الطائرات الحربية بالشاحنات مشاهد غريبة وعجيبة غير مسبوقة لدى الصهاينة. الفلسطينيون، الذين فقدوا في وقت ما، بمساعدة القوى العالمية، حقوقهم، واغتصبت أراضيهم، واضطهدوهم إلى أقصى حد ممكن، فعلوا شيئًا لم يكن أحد يتخيله من قبل. إن الفشل الأمني والاستخباراتي والعسكري المشين للنظام الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية كسر هيبة النظام وجبروته.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُفاجِئ فيها جبهة المقاومة العالم. فقد سبق أن رأت حكومات العالم قوة جبهة المقاومة وقدراتها، و ذلك في عملية سيف القدس عام 2021، التي قادت فيها قوات المقاومة الفلسطينية في غزة تحديات خطيرة، وكذلك معركة تحرير غزة عام 2005، التي أدت إلى انسحاب الصهاينة من غزة و أيضا انتصار حزب الله اللبناني في حرب الـ 33 يوما عام 2006 وانسحاب الصهاينة من لبنان وانتصار المقاومة اللبنانية على النظام الصهيوني عام 2000.
إن انتصار المقاومة اليمنية وهزيمة تنظيم داعش الإرهابي على يد قوى المقاومة في العراق وسورية، رغم كل المساعدات الغربية والعربية والعبرية لداعش، أظهر أنه في المستقبل سيكون محور المقاومة هو الذي سيحدد ويرسم المعادلات.
وعندما يُسأل من كان مسؤولاً عن إدارة وتنظيم هذه الجبهة الواسعة في دول المنطقة حتى وصلت هذه الجبهة إلى هذه القوة والمكانة اليوم، هناك اسم واحد فقط وهو الفريق الشهيد قاسم سليماني قائد جبهة المقاومة.
"محور المقاومة" أو بمعنى أخرى جبهة المقاومة، هو في الواقع تحالف إقليمي غير مكتوب بين دول وقوى مثل إيران وسورية والعراق وحزب الله اللبناني. الهدف الأساسي للمقاومة هو محاربة الكيان الصهيوني وإنهاء هيمنة الغرب على منطقة غرب آسيا والدفاع عن القضية الفلسطينية. وقد استخدم مصطلح "محور المقاومة" لأول مرة ردا على التصريحات التي أدلى بها رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، ونائبه جون بولتون، في عام 2001 حيث وصفوا هذه الدول والأحزاب بمحور الشر.
تبلور هذا المحور خلال العقود الثلاثة الماضية دون اتفاق بنيوي ورسمي أو هيكل تنظيمي مؤسسي، ونتيجة تطورات وأحداث سريعة ومتلاحقة خلال العقود الماضية، ومن بينها الجهود الأمريكية الصهيونية لفرض سلطتها في المنطقة والإستيلاء عليها، إما من خلال العسكر أو فرض السلام غير العادل لصالح تل أبيب وعلى حساب العرب عامة والفلسطينيين خاصة.
إن التجارب السابقة للقائد سليماني وخبراته في الحرب الإيرانية العراقية، بدءًا من قيادة الجيش الحادي والأربعين، وحتى قيادة العمليات المهمة مثل فجر ثمانية، وكربلاء أربعة، وكربلاء خمسة، جعلته على دراية تامة بالعمليات الميدانية والعمليات القتالة بالسلاح الفردي. إن تاريخه الحافل بالصراع بعد الحرب مع الأشرار في الحدود الشرقية جعله يتعامل مع تهديدات العدو المختلفة. إن الخروج من هذه الاختبارات الصعبة قد أعد القائد سليماني بالكامل لاختبار أكثر تعقيدًا في الحرب التي استمرت 33 يومًا. إن روحه الشجاعة التي لا تعرف الكلل، ومعرفته بأسرار الحروب غير العادية، دفعته إلى قلب دفة الحرب في حرب الـ 33 يوماً لصالح الشعب اللبناني وحزب الله، على الرغم من توقعات الاستراتيجيين العسكريين في العالم. وتنبأ الحاج قاسم بدقة بردود أفعال العدو الصهيوني، فدمر مع عماد مغنية فرقاطة إسرائيلية وعشرات الجنود الإسرائيليين في عملية معقدة. وكان غضب إسرائيل من وجود الجنرال سليماني كبيرا لدرجة أنهم قرروا اغتياله بطائرات مسيرة وطائرات حربية في ضواحي بيروت، وهو ما باء بالفشل. كان سردار سليماني قائداً عسكرياً عملياً ولم يرغب في الظهور في وسائل الإعلام. وبعد سقوط صدام حسين والوجود الأمريكي المكثف في العراق، واجهت المصالح الوطنية الإيرانية تهديدا جديدا من حدود العراق، لذلك ظل الجنرال سليماني يراقب تحركات القوات الأمريكية منذ تلك السنوات لدرء التهديدات.
ولأول مرة في عام 2007، ذكرت الولايات المتحدة اسم الجنرال سليماني بعد فشل عملية عسكرية ضد فيلق القدس. لكن أعظم أعمال القائد سليماني كانت في إحباط مؤامرات المحور الغربي العربي في الحرب الأهلية في العراق وسورية.
في عام 2011، انتهزت الولايات المتحدة والدول الغربية ومعها النظام الصهيوني وبعض الدول العربية الفرصة لإضعاف سوريا وتغيير نظامها الحاكم، وكان الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو قطع حلقة الارتباط في محور المقاومة جغرافياً من سورية لأنه كانت هناك فرضية مفادها أنه مع تغير النظام الحاكم في سورية وإدخال قوة عسكرية، فإن محور المقاومة في المنطقة سينهار عملياً.
ولهذا السبب كان الوقوف إلى جانب سورية ودعمها والتضحية من أجلها يعتبر حاجة أساسية ومصيرية لمحور المقاومة، خاصة وأن اتساع نطاق الإرهاب لم يعد يقتصر على جغرافية سورية، بل على لبنان والعراق وإيران فقد تم التخطيط لهم أيضا. ولهذا السبب، وبحسب محللين ومراقبين سياسيين، واجه محور المقاومة في الأزمة السورية أصعب التحديات، ولكن مرة أخرى بعبقرية الحاج قاسم سليماني وإصرار ووحدة جميع أطراف محور المقاومة، خاض المحور حرب عسكرية وفكرية ونفسية وإيديولوجية واقتصادية واسعة النطاق كانت مربكة للعدو ولم يتمكن من تحقيق أهدافه المنشودة.
وقدرة الجنرال قاسم سليماني، المعروف بعبقريته العسكرية وتفكيره الاستراتيجي على الساحة السياسية، على تعزيز وتوحيد مختلف الأوساط المرتبطة بمحور المقاومة. من خلال الاستفادة من إمكانية تنظيم "الحشد الشعبي" في العراق، الذي تشكل بفتوى المرجعية العليا للشيعة في العراق، وكذلك قوات الدفاع الوطني في سورية، وقدم دعماً وتوجيهاً ومشورة لقادة هاتين المؤسستين، خلال 6 سنوات، ومنع توسيع دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش وتدمير الجماعات الإرهابية المختلفة.
والآن، عندما ننظر إلى تقارير ومقالات وتحليلات الصهاينة، فإنها كلها تشير إلى مبدأ واحد، وهو العامل الأساسي في الوضع الحالي وهي استراتيجية قاسم سليماني. وفي هذا الشأن، يقول الصهاينة إنه صحيح أن الجنرال قاسم سليماني قُتل (شهيداً)، لكن استراتيجيته حية ولا تزال قيد التنفيذ. في الواقع، لا بد من القول إن جبهة المقاومة اليوم هي الإرث الثمين للقائد سليماني و نتيجة لجهوده الحثيثة طيلة حياته.
وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد وصلت اليوم إلى مستوى يخدعون فيه واحدة من أكبر وكالات الاستخبارات في العالم ويلحقون بها فشلاً استخباراتياً فادحاً، ويرسل الغرب كل مساعداته إلى الأراضي المحتلة لمساعدة الصهاينة، فهذا كله يعتمد على الاستراتيجية، والقيادة التي أسسها قاسم سليماني.
كما قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي كانت إدارته أول من أنشأت داعش، في أحد لقاءاته مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عام 2014 عن اللواء سليماني إنه "عدوي، لكني أكن له احتراما خاصا". كما وصف الجنرال بتريوس، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي والمدير العام السابق لوكالة المخابرات المركزية، الجنرال سليماني بأنه شخص قادر و واسع الحيلة وعدو جدير. لقد كانت كفاءة الحاج قاسم وقوته على مستوى لم يتمكن حتى أعداءه من الدرجة الأولى من إخفائه ونفيه. وجبهة المقاومة طالما أنها صامدة وتحارب قوة الشر والهيمنة، فهي مدينةٌ لجهود الجنرال قاسم سليماني على طيلة الوقت.
https://www.news1.co.il/Archive/0026-D-159872-00.html
https://hawzah.net/fa/Article/View/117403
https://www.farsnews.ir/news/14001004000374