دبلوماسيّون وقانونيّون: استعدادات لجلسة تاريخية في لاهاي يوم غد… والمتوقّع إجراء احترازي
في حدث لا سابق له أمام المحاكم الدّولية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبدأ محكمة العدل الدولية يوم غد في لاهاي جلسة استماع تستمر ليومين للنظر في الإحالة المقدّمة من جنوب افريقيا، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في القطاع.
في حدث لا سابق له أمام المحاكم الدّولية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبدأ محكمة العدل الدولية يوم غد في لاهاي جلسة استماع تستمر ليومين للنظر في الإحالة المقدّمة من جنوب افريقيا، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في القطاع.
وتكتسب الإحالة أهميتها، فضلا عن مضمونها الذي يوثّق بالأدلّة، في الملف الذي يتكون من 84 صفحة، ما تقول جنوب أفريقيا إنه قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة، والتّسبب في أذى نفسي وجسدي جسيم لهم، وتهيئة ظروف معيشية تهدف إلى “تدميرهم جسديا” فيما يعدّ إبادة جماعية لهم.
وحازت هذه الإحالة على دعم من دول عدة، في مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي فضلا عن الأردن وتركيا وماليزيا وإندونيسيا والمالديف وباكستان وناميبيا ومنظمات أهلية في العالم.
وكانت وزارة الخارجية البوليفية ذكرت قبل يومين أنها بالشراكة مع جنوب أفريقيا وبنغلادش وجزر القمر وجيبوتي تقدّمت في السابع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
سفيرة فلسطين: أهمّ وثيقة عن الإبادة
ورحّبت حنان جرار سفيرة فلسطين في بريتوريا بالخطوة التي بادرت إليها جنوب أفريقيا، واعتبرتها “في الاتجاه الصحيح”، وقالت في تصريحات لـ”القدس العربي” إنه “منذ بدء الأحداث حتى الآن، فإن المرافعة التي ستقدمها جنوب أفريقيا بناء على طلب الإحالة هي أهمّ وثيقة تحكي عن الإبادة من ناحية قضائية، لأنها سلّطت الضوء على شقّين أساسييّن يمكن أن يأخذا إسرائيل باتجاه المحاسبة والمساءلة لأول مرة في التاريخ”.
وتذكّر جرّار بأنه وبحسب البند التاسع من اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية فإن الخطر الأول الذي تواجهه إسرائيل هو ارتكاب جريمة الإبادة، وإذا ثبت هذا الموضوع خلال اليومين المقبلين فإن جنوب أفريقيا طلبت اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية لوقف الإبادة، مما يعني الوقف الفوري لإطلاق النار، إضافة إلى إجراءات فتح المعابر وتأمين الماء والغذاء”.
وأضافت جرّار لـ”القدس العربي” أن الخطر الثاني يتمثل بأن تجد المحكمة أنّ ما قامت به إسرائيل “ليس خطر إبادة وإنما إبادة جماعية فعلاً، بناء على الوقائع على الأرض، وحجم الدمار والقتل والنازحين والأطفال القتلى، إضافة لوجود نيّة لدى الاحتلال بارتكاب جرائم الإبادة من خلال تصريحات المسؤولين والوزراء والتي كان آخرها الدعوات إلى إفراغ غزة من سكانها”.
ورأت جرّار أن هذه المبادرة من جنوب افريقيا طبيعية، نظرا للعلاقة التاريخية التي تجمعها مع فلسطين، والتي هي عبارة عن “فصل طويل من العلاقة والنضال المشترك ضد الفصل العنصري بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي عندما دعمت منظمة التحرير الفلسطينية كفاح الحركات التحررية في أفريقيا ولا سيما المؤتمر الوطني الأفريقي”.
وأضافت سفيرة فلسطين: “بالتالي العلاقة بين فلسطين وجنوب افريقيا ليست وليدة التحوّل الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي، وإنما تعززت في التسعينيات مع انتخاب نيلسون مانديلا في أول انتخابات ديمقراطية وتعمّقت الروابط، وكان هنالك علاقات وثيقة بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ومانديلا إضافة إلى العلاقة مع رموز الحركة التحررية في جنوب أفريقيا”.
منظمة التحرير الحليف التاريخي
ويتفق الدكتور إيمانويل ماتامبو مدير الأبحاث الأفريقية الصينية في جامعة جوهانسبورغ مع السفيرة جرار، فيؤكّد في تصريحات لـ”القدس العربي” أن بين جنوب أفريقيا وفلسطين “تاريخ من النضال المشترك ضد الاستعمار والفصل العنصري”.
وذكّر ماتابو بأن حركات تحرر ودول تضامنت مع كفاح جنوب افريقيا ضد الفصل العنصري وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية و(الرئيس الراحل) ياسر عرفات، وأرسيت علاقة وثيقة منذ العام 1977 تجسّد النضال المشترك ضد كل من العنصرية والقومية المتشددة في جنوب افريقيا وإسرائيل، وهي ظواهر دعمتها آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية”.
وقال ماتامبو إن شكوى جنوب افريقيا ضد إسرائيل ليست سياسية، بل هي نتيجة فهم لصراع الفلسطينيين وما يعانونه من منطلق تاريخي.
كما ذكّر بالزيارة الشهيرة التي قام بها كبير أساقفة جنوب افريقيا الراحل لوريات ديسموند توتو، الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى قطاع غزّة في العام 2008، والتي وصف فيها ما رآه على أثر الزيارة بالقول إنه أسوا من الفصل العنصري.
رامافوزا من قطر
واعتبر ماتامبو أنّ المسار الذي اتخذته جنوب افريقيا طبيعي، مشيراً إلى مواقف الرئيس جنوب الافريقي سيريل رامافوزا في قمة البريكس الأخيرة، وكذلك تصريحاته خلال زيارته قطر في 15 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي التي أكّد فيها أن جنوب أفريقيا سوف تتوجه إلى محكمة العدل الدولية بشأن جرائم ضد الإنسانية تحدث في فلسطين.
كما أشار ماتامبو إلى أنّ البرلمان جنوب الافريقي صوّت بغالبية 248 مقابل 91 لصالح قرار بهذا المعنى في 21 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.
حدث قضائي لا سابق له
ويُعتبر نظر محكمة العدل الدولية في إحالة جنوب أفريقيا حدثا قضائيا لا سابق له في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتقول المحامية السابقة لدى المحكمة الجنائية الدولية ديالا شحادة لـ”القدس العربي” إنه “لا سوابق تتعلق بفلسطين كنزاع قضائي باستثناء دعوى رفعتها فلسطين في 2018 ضد الولايات المتحدة الأمريكية لخرقها اتفاقية جنيف لجهة إعلانها نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس المحتلة خلافا للقوانين الدولية، ولكن هذه الدعوى خلصت إلى أنّه يجب النظر أكثر في مسالة الاختصاص”.
وتعدّد بعض المحطات التي كانت عبارة عن آراء استشارية منها رأي استشاري طلبته الأمم المتحدة في عام 2003 وأصدرت المحكمة فيه قرارا عام 2004 “يتعلّق بجدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان القرار هو اعتبار الجدار غير شرعي والمستوطنات المرتبطة به غير شرعية وضرورة وقفه والتعويض للفلسطينيين، وهذا ما لم يحصل”.
وتتوقّع شحادة أن تقدّم إسرائيل في جلستي الخميس والجمعة، “ما يعرف بالدّفوع الشكلية، يعني أن تحاجج بأنه لا اختصاص للمحكمة، أو بأن الشكوى المقدمة لا يجب قبولها، لأي سبب من الأسباب، وطبعا سوف تقوم إسرائيل بهذا الامر لأنها ستكسب وقتا، فهي لن تناقش في الأساس قبل أن تستنفذ كل الطرق الممكنة على سبيل التسويف”.
وتعتقد المحامية السابقة في الجنائية الدولية بأنّ إسرائيل لجأت إلى المواجهة واعتماد خطة دفاعية واختيارها لمحام، بدلا من الاستنكاف، لأنها لو غابت “كانت الإجراءات لتكون أسرع، وكانت القرارات الاحتياطية أو التدابير الاحترازية صدرت بشكل أسرع”.
كما شرحت اختيار إسرائيل قاضياً لينتدبها (رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك)، فـ”عندما تكون هنالك قضية خلافية، وبحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية عندما تكون هنالك دولة بين دولتين متخاصمتين وخصوصا المشتكى منها، ولا يوجد قاض بين القضاة الـ15 المعينين يحوز جنسيتها، فيحق لها أن تنتدب قاضياً، لكنّه يكون مختصا فقط بهذه الدعوى”.
المصدر: القدس العربي