خطة الصين للتصدير إلى أوروبا
كما أن الاستثمار في السكك الحديدية والبنى التحتية للدول المستهدفة يمكن أن يلعب دورًا بارزًا في نفوذ الصين بالدول الآسيوية الوسطى وأوروبا

لقد وضعت الصين في السنوات الأخيرة أهدافًا متعددة و متنوعة من أجل أن تكون لاعبًا فعالًا في الساحة الدولية وقد قامت بتصميم خاص للاقتراب من الدول الأوروبية، مما يجعل هذه الأنشطة الصينية مهمة لأسباب عديدة. منذ عام 2013 قدمت الصين للعالم مبادرة "الحزام والطريق" أو ما يعرف بطريق الحرير لتعزيز دورها كقوة عظمى، والذي حتى اليوم يُعتبر تنوع الطرق والمسارات التجارية من أبرز مزايا هذه المبادرة (1) لقد ساعدت مرونة هذه الخطة الصين على إنشاء مسارات تجارية وكوريدورات متعددة لتلبية مصالحها وضمان إرسال سلعها التجارية إلى الغرب.
في عام 2023 تم اقتراح مسار خاص ومتميز للاستثمار في صادرات الصين عبر دول كازاخستان وتركمانستان وإيران وتركيا للدول الغربية (أوروبا) وقد لقي هذا الاقتراح دعمًا وموافقة من الدول المذكورة أعلاه، حيث يجري العمل على تفاصيله. نظرًا للاعتراضات التي واجهتها المبادرة السابقة التي كانت تمر عبر قيرغيزستان والتي أدت إلى ركود ومشكلات في تلك الخطة. و توصلت الحكومة الصينية إلى ضرورة إعداد مسارات متنوعة لمبادرة "الحزام والطريق" لضمان إرسال السلع الصينية إلى أوروبا وبلدان الغرب الأخرى. تحتاج أبعاد خطة الصين لتطوير مساراتها الكوريدورية إلى مزيد من الدراسة وسنستعرض ذلك في هذا المقال.
الكوريدور التجاري: في إطار تعزيز التجارة مع الغرب عبر الدول المجاورة، طرحت الصين مشروع مبادرة "الحزام والطريق". وقد كانت هذه المبادرة الهائلة على مدار السنوات الماضية محط اهتمام الحكومة الصينية ودعمها، حيث اشتملت على مناقشات حول تنفيذها وفعاليتها. وتعتبر الكفاءة والربحية من الخصائص الهامة لهذه المبادرة بالنسبة للحكومة الصينية. لكل من المسارات المفترض تقديمها في هذه الخطة نقاط قوة وضعف. وبالنظر إلى ديناميكية العلاقات بين الدول لا يمكن توقع أن تعطي خطة الكوريدور التي تم اقتراحها في عام 2013 نفس الفعالية في عام 2025. من هذه الزاوية تسعى الصين إلى تنويع مساراتها التجارية مع أوروبا. يعد مسار كازاخستان وتركمانستان وإيران وتركيا أحد أفضل وأقل مسارات البرية تكلفةً نحو أوروبا(2)، والذي حظي باهتمام الصين في العامين الماضيين. العمل جارٍ على تجهيز هذا المسار وتشغيله ويمكن للصين من خلاله إرسال سلعها إلى وجهات التصدير.
النفوذ الجيوسياسي: بالإضافة إلى تسهيل الصادرات وتعزيز دور الصين في الساحة الدولية يمكن أن يشكل النفوذ على الدول المجاورة والدول الأوروبية الواقعة على هذه الكوريدورات التجارية حافزاً للصين لتطوير صياغات جديدة لتنويع الوصول إلى الدول الأوروبية عبر الاستثمار في مسارات الممرات(3). كما أن الاستثمار في السكك الحديدية والبنى التحتية للدول المستهدفة يمكن أن يلعب دورًا بارزًا في نفوذ الصين بالدول الآسيوية الوسطى وأوروبا(4). وقد أثار هذا الموضوع قلق العديد من الخبراء الأمنيين عملت الصين في السنوات الماضية من خلال إدارتها لموانئ بعض الدول الأوروبية والأمريكية على تعزيز صادرات بكين إلى دول العالم مما شكل تحديًا للدول الغربية. فالنفوذ الاقتصادي والجيوسياسي للصين في الدول الغربية والأوروبية يُعتبر بمثابة إنذار لتجارة الغرب العالمية.
اعتماد أوروبا على الصين : إن خطة الصين إلى جانب أبعادها الاقتصادية تتمتع أيضًا بأبعاد استراتيجية وطويلة الأمد وهذا أثار تركيز وحساسية الدول الغربية. يعد تطوير وتعزيز المسارات التجارية التي تستهدف الأسواق الأوروبية لصالح الصين بمثابة فرصة مناسبة لها. وفي ظل الضغوط التي تواجهها الدول الأوروبية بسبب الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة فإن عرض الصين لمسارات كوردورية جديدة وسعيها لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع تلك الدول يؤدي إلى زيادة اعتماد أوروبا على الصين. هذه المسألة ستكون لها تبعات سلبية على الولايات المتحدة في الأجل المتوسط.
بشكل عام، يمكن القول إن الحكومة الصينية تهدف إلى تنويع مساراتها التجارية والكوردورية إلى أوروبا. إن تعزيز حضور الصين ودورها في اعتماد الدول العالمية على نفسها يعد موضوعًا مهمًا بالنسبة لحكومة شي جين بينغ. يمثل هذا الهدف ضرورة ملحة للصين لتصبح قوة عظمى في خضم السعي الأمريكي بقيادة ترامب للحد من القوة الوطنية للصين وهو أكثر أهمية للحكومة من الحصول على الخبز اليومي.(5)
تعزيز البنية التحتية لدول مثل إيران، الواقعة على المسارات الكوردورية للصين يُعتبر رسالة واضحة للدول الغربية. يمكننا أن نستنتج أن العواقب غير المباشرة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتمثل في تعزيز التعاون بين بكين والدول المتخاصمة مع الولايات المتحدة وكذلك في توجيه أوروبا نحو التعاون بشكل أكبر مع الصين من أجل ملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة على المدى القصير.
1. https://www.chathamhouse.org/2021/09/what-chinas-belt-and-road-initiative-bri
2. https://www.tehrantimes.com/news/501371/Iran-China-rail-route-a-safe-gateway-to-Europe-for-China
3. https://www.brookings.edu/articles/global-china-regional-influence-and-strategy/
5. https://www.weforum.org/stories/2017/06/china-new-silk-road-explainer/