خروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق واتفاق السوداني مع واشنطن!
عندما احتلت القوات الأمريكية العراق وسقط نظام صدام حسين كان السوداني مهندسًا زراعيًا يعمل لصالح الحكومة في محافظة ميسان (جنوب العراق). ونظرًا لكونه موظفًا رفيع المستوى وابن عائلة شيعية معارضة تم تعيينه كمنسق بين إدارة المدينة والحاكم الأمريكي في بغداد لإدارة الأمور التجارية.
على مدى السنوات التالية ارتقى السوداني إلى مناصب حكومية أعلى وكان من الواضح أن هذا الرجل يمتلك مهارات كافية للتدرج ضمن المؤسسات الحكومية وكان قادرًا على المقاومة واثبات نفسه في ظل تقلبات كثيرة، حيث أصبح عضواً ثابتًا في الحكومات اللاحقة وشغل منصب وزير حقوق الإنسان والتجارة والعمل والصناعة في ثلاث حكومات. في عام 2019 أسس حزب نهضة الفراتين رغبةً منه في دخول نادي كبار الشيعة. وبعد سنتين تم اختياره بعد مفاوضات صعبة كرئيس للوزراء في أكتوبر 2022 دخل السوداني منزل هادي العامري ومعه ورقة تحتوي على التعهدات التي طلبها من مؤيدي الحكومة في "الإطار التنسيقي". ويقول السياسيون إنه بعد عامين من الحكم أصبح الآن يتحكم في حوالي 50 نائبًا قد "انفصلوا فعليًا" عن "الإطار التنسيقي" مما يشير ضمنيًا إلى أن "كل نائب سابق هو شريك محتمل" في الكتلة الجديدة للسوداني في البرلمان المقبل.
يدرك السوداني أن الشيعة سيواجهون ديناميكية جديدة في الانتخابات القادمة حيث قد تؤدي صيغة "الإطار التنسيقي" إلى انقسام أو انتقال إلى مراكز ثقل جديدة، وجزء من برنامج السوداني الحالي هو أن يتربع على قمة أحد تلك المراكز. على الرغم من أن الحفاظ على الحلفاء في العراق غير مضمون، إلا أن السوداني سيبذل جهودًا للحفاظ عليهم بينما يسعى لجذب المرشحين الشيعة المتشددين خصوصًا المحافظين والجيش. ويقدم السوداني نفسه كشريك موثوق للاعبين الرئيسيين في المنطقة بما في ذلك إيران. لكن أفعاله وسلوكياته الأخيرة تثبت خلاف ذلك. [1]
مؤخراً توصل السوداني وأسعد العيداني إلى اتفاق نهائي لتشكيل حزب ائتلاف سياسي. يشكل تشكيل هذا الحزب تهديدًا كبيرًا لوجود "الإطار التنسيقي" الشيعي. ومن الناحية السياسية يبدو أن السوداني سيتجه في سياسته الداخلية والخارجية بعيدًا عن المقاومة والجمهورية الإسلامية الإيرانية. في شتاء العام الماضي وافقت قوات المقاومة الإسلامية العراقية، بناءً على المفاوضات التي جرت مع محمد شيعان السوداني، رئيس الوزراء العراقي على وقف هجماتها على القواعد الأمريكية في البلاد مقابل التزام بغداد بإخلاء قواتها من العراق. وأصبح قبول وقف إطلاق النار من قبل فصائل المقاومة في العراق شرطًا مسبقًا لزيارة السوداني لأمريكا.
في زيارته الأخيرة إلى واشنطن وبالرغم من أن وسائل الإعلام العراقية وصفت كلمات السوداني أمام الرئيس الأمريكي بالحادثة التاريخية، لم يطرح رئيس وزراء العراق موضوع خروج القوات الأمريكية مع بايدن. يأتي ذلك في الوقت الذي تم فيه تشكيل لجنة تضم عددًا من المسؤولين العسكريين والأمنيين رفيعي المستوى من قبل حكومة السوداني وكان الهدف الرئيسي لها هو التفاوض حول موضوع خروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق.[2]
خلال الأيام القليلة الماضية تم طرح مسألة خروج القوات الأمريكية من العراق مرة أخرى في وسائل الإعلام. وقد أفادت مصادر معينة أنه تم التوصل إلى اتفاق بين بغداد وواشنطن يقضي بخروج مئات القوات العسكرية الأمريكية من العراق في السنة الأولى من هذا الاتفاق. ووفقًا لوكالة أنباء رويترز قال عدد من المصادر المطلعة إن الولايات المتحدة والعراق قد توصلا إلى تفاهم بشأن خطط خروج قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة من العراق. وأدلى عدة مصادر بتصريحات تشير إلى أن هذا الاتفاق قد يتم الإعلان عنه في هذا الشهر. وفقًا لهذه المصادر تم التوصل إلى هذا المخطط بشكل مبدئي، إلا أنه يحتاج إلى موافقة نهائية من كلا العاصمتين. وحسب هذا المخطط من المقرر أن تغادر مئات قوات التحالف العراق بحلول سبتمبر 2025، في حين ستبقى بقية القوات حتى نهاية عام 2026 كحد أقصى.
وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أكثر من ستة أشهر من المناقشات بين بغداد وواشنطن، التي بدأت بقيادة رئيس الوزراء محمد شيعان السوداني في يناير، وذلك في خضم هجمات الجماعات المسلحة العراقية على القوات الأمريكية المتمركزة في قواعد العراق. ومن المحتمل أن يتم الإعلان عن هذا الاتفاق في وقت يتيح للسوداني تحقيق نصر سياسي إذ يسعى للحفاظ على مكانته ولتوازن العراق كحليف لواشنطن من جهة وطهران من جهة أخرى.
بالنسبة للولايات المتحدة يوفر هذا الاتفاق إطارًا زمنيًا لمدة عامين كـ "غرفة تنفس"، مما يتيح إمكانية التوازن المحتمل في حال تغير الوضع الإقليمي. وفي النهاية يبدو أنه حتى وإن كانت مسألة الاتفاق حول خروج القوات الأمريكية مجرد اتفاق معلن، وتسعى الأطراف لتحقيق أهداف سياسية من خلاله فإن هذا الانسحاب سيعكس تغييرًا ملحوظًا في الموقف العسكري لواشنطن في المنطقة.[3]
[1] https://persian.aawsat.com
[2] https://www.tasnimnews.com/fa/news/1403/05/08/3130243
[3] https://www.shahrekhabar.com/news/17256399000889