بين نيكسون وبايدن
قبل نحو خمسين عاماً قام الرئيس الأميركي حينها ريتشارد نيكسون بزيارة تاريخية لكل من موسكو وبكين، ومع أن الحرب الباردة كانت في أوجها، إلا أن نيكسون أعاد العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية ووقع مع الاتحاد السوفييتي اتفاقية للحد من منظومة الدرع الصاروخية والأسلحة الإستراتيجية، غيرت زيارة نيكسون تلك ميزان القوى في العالم، والآن مع وجود توتر مشابه لما كان في ستينيات القرن الماضي بين العواصم الثلاث، هل يحتاج الأميركيون إلى ريتشارد نيكسون جديد؟ أم إن الوضع الآن معقد أكثر مما كان؟
يعتقد المحللون أن الوضع الآن قد يكون أكثر تعقيداً مما كان عليه في ستينيات القرن الماضي وخاصة أن صانعي القرار في واشنطن مازالوا في حيرة من أمرهم بين التقرب من الصين أو التقرب من روسيا؟ يقول جيريمي فريدمان الأستاذ في جامعة هارفرد: «إنه على واشنطن الاختيار، إما التوافق مع موسكو لتحقيق التوازن ضد القوة الأكبر وهي الصين، أو انضمام أميركا إلى الصين للدفاع عن النظام الدولي ضد أقوى خصم لها وهي روسيا».
لم تعد الولايات المتحدة قادرة على مواجهة روسيا والصين في الوقت نفسه. يضيف فريدمان: «لأن هذا يتطلب تحركاً حاسماً على جبهات عديدة ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الجيش الأميركي الذي يعاني من نقص في الأفراد كما أنه سيمثل عبئاً لم يعد الشعب الأميركي قادراً على تحمله».
يقول جيري براون وهو سياسي أميركي مخضرم من الحزب الديمقراطي انتخب حاكماً لولاية كاليفورنيا من عام 1974 حتى 1983 وشغل منصب عمدة أوكلاند في كاليفورنيا بين عامي 1998 و2007: «إن الحزبين عاجزان عن التوصل إلى رؤية مشتركة في عدة قضايا تهم الشعب الأميركي، إلا أنهما متفقان على التصعيد مع الصين فهم على ما يبدو لم يتعلما الدرس من حرب العراق التي حظيت بدعم قوي من كليهما».
وأضاف براون في مقابلة له مع صحيفة «بوليتكو» الأميركية: «إن العراق كان قوة صغيرة في حين الصين تشكل 23 بالمئة من سكان العالم، لذلك فإن الفكرة القائلة إن أميركا قادرة على احتواء الصين وقمع نموها وتطورها هي فكرة حمقاء، ولكن يبدو أنها واسعة الانتشار»، ويعتقد براون أن الحل الأمثل في هذه الحالة هي الدبلوماسية والحوار بين قادة البلدين، لذلك وجه انتقاداً لاذعاً لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين لإلغاء رحلته التي كانت مقررة إلى الصين بعد قضية المنطاد الصيني في سماء أميركا. ويرى براون: «إنه من السذاجة الاعتقاد بإمكانية عزل الصين، حتى إن محاولة صغيرة لعمل ذلك قد تؤدي لانهيار الاقتصاد الأميركي، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي من دون الصين سواء أحببنا ذلك أم لا، فهذا هو العالم الذي نعيش فيه».
من ناحية أخرى يرى البعض الآخر أن تحديات روسيا للمصالح الأميركية ليست كالتحديات الصينية، لن تستطيع روسيا تحويل أوروبا أو الشرق الأوسط إلى منطقة نفوذها فهي تخسر نفوذها الاقتصادي في آسيا الوسطى لمصلحة الصين، كما أن البعض يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو رجل براغماتي يتمتع برؤية لمكانة روسيا في العالم، وكان منذ البداية راغباً في التعاون مع القادة الغربيين.
لكن هل من الممكن إقناع موسكو للوقوف مع أميركا ضد حليفتها الصين وخاصة بعد التصعيد الأميركي في مسألة أوكرانيا؟ وهل من الممكن إقناع الصين للوقوف ضد روسيا؟ ما التنازلات التي على أميركا القيام بها في هذه الحالة؟
لعل الاختلاف الأكبر الذي يميز ما حدث قبل خمسين عاماً عما يحدث الآن هو وجود رئيس قوي في واشنطن في ذلك الوقت، قادر على اتخاذ القرارات الصعبة في الأوقات الصعبة، أما اليوم فيبدو أن بايدن أضعف من القيام بما تقتضيه الضرورة.
المصدر: الوطن