الفقر المدقع في سورية الغنيّة !
الفقر المدقع في سورية الغنيّة !
تتعرض سورية منذ العام 2011 إلى حرب كونية ظالمة، استهدفت شعبها وقيادتها وقدراتها الإقتصادية ودورها التاريخي والإنساني والحضاري. عبر مؤامرة خُطط لها بعناية قبل بداية الأحداث بفترة طويلة بمشاركة من دول غربية وعربية وإقليمية، مستغلين أحداث مادعي "بالربيع العربي " من أجل تنفيذ مخططاتهم التآمرية القذرة للنيل من سورية ومحاولة سلب قرارها الوطني المستقل على الصعيد السياسي والاقتصادي، ولإخضاع هذا البلد الذي لطالما كان شوكة في حلق مخططات الهيمنة، من أجل فرض الأجندات الخارجية واجهاض عقيدة المقاومة ضد الهيمنة والأستعمار واحتلال الأرض والتوسع والتبعية السياسية والاقتصادية. هذه العقيدة التي تمثل سورية فيها رأس الحربة، والصخرة الصلبة العصية على الكسر.
ولقد اعتقدت هذه الدول المتآمرة بأن سورية ستكون لقمة سائغة في مسيرة "الربيع العربي " التدميرية بعد أن تهاوت أمامهم عدة دول وأنظمة، استخدموا ضدها كافة الوسائل والأساليب غير الشرعية وغير الأخلاقية وغير القانونية والتي تمثلت بالتحريض والتضليل الإعلامي والسياسي، والكذب والتلفيق والحرب النفسية والاقتصادية من أجل تحقيق أهدافهم . وقدموا كافة أشكال الدعم المالي والعسكري لمنظمات ومجموعات إرهابية ، وسهلوا دخول الجهاديين الإرهابيين التكفيريين إلى سورية عبر الحدود المفتوحة ، و زودو هم بكافة أنواع الأسلحة ، وقدموا لهم أيضا كل الدعم العسكري واللوجستي (وأسموهم زوراً وبهتاناً ثواراً من أجل الحرية والديمقراطية) وفسحوا المجال أمامهم للقيام بأبشع أشكال الإجرام والقتل والتدمير بحق الشعب السوري وممتلكاته وتدمير البنى التحتية والمؤسسات العامة للدولة بهدف خلق الفوضى وشل حركة عمل الدولة .
ربما تعطينا تلك المقدمة لمحةً عامة عن الوضع السيء في سورية نتيجة مايقارب 13 سنة من الحرب واستنزافً لمقدرات البلاد والثروات الموجودة، والأهم من كل ذلك أن المنظمات الدولية والمؤسسات التي تعنى بالشؤون الإنسانية والدعم خلال الأزمات والحروب، تعلم جيداً حقيقة الوضع وتكتفي بالقلق وإعلان الإحصائيات المخيفة عن مستويات الفقر الجديدة في البلاد دون تقديم أي دعم فعلي أو حقيقي يساهم في كسر هذا الحصار الخانق على الشعب السوري ودولته المحاصرة، ويعزى ذلك إلى التسييس الحاصل في جميع المنظمات الدولية والتي تتبع السياسة الغربية والأمريكية ضاربة بعرض الحائط كل حقوق الإنسان والقيم الإنسانية التي أنشأت لأجلها.
تاريخياً تحتل سورية المركز 27 عالميًا بإنتاج النفط، وتقع آباره بشكل أساسي في محافظتي الحسكة ودير الزور، ويكرر محليًا في مصفاتي حمص وبانياس، ويبلغ الإنتاج 400 ألف برميل يوميًا؛ وهناك دراسات حديثة حول وجود نفط قبالة الشاطئ السوري في البحر الأبيض المتوسط[1]، وبكل الأحوال فإنه يتم تصدير النفط الخام واستيراد مشتقاته لتغطية حاجات السوق المحلية. ويعتبر الغاز الطبيعي المكشتف في محافظات الحسكة وإدلب وحمص ودير الزور، ثاني الثروات الباطنية في سورية، ويبلغ الإنتاج اليومي منه 28 مليون متر مكعب، ويطرح في السوق المحلية لإنتاج الكهرباء والحاجات الأخرى،[2] مع احتمال وجود آبار جديدة من النفط غير مكتشفة بعد. أما ثالث الثروات الباطنية هو الفوسفات، وقد بلغ حجم الإنتاج منه عام 2010، حوالي 3.6 مليون طن ويصدر معظمه[3]. في ظل هذه الأرقام والقدرات الموجودة بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سورية 4,058 دولار أمريكي في عام 2010 بالإضافة إلى تحقيق إكتفاء ذاتي في معظم المجالات . [4]
ولكن، فقدت سورية خلال السنوات الماضية ميزة "الاكتفاء الذاتي" التي كانت تتمتع بها، كما أصبح نحو 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر المدقع، نتيجة استمرار الحرب التي دمرت نحو ثلثي موارد البلاد. وتقدر خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011 بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010، فيما بلغت نسبة دمار البنية التحتية 40 بالمئة، كما أن إنتاج النفط الخام تراجع من 400 ألف برميل يوميا إلى أقل من 30 ألف برميل.
في ذات السياق، مؤخراً، قال المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون إن 9 من كل 10 سوريين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، خلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي. وأضاف بيدرسون، يوم الاثنين الماضي أن "الوضع خطير للغاية، لأن الخدمات الأساسية والبنية التحتية الحيوية الأخرى أصبحت على وشك الانهيار" [5]
أزمة هذا البلد فريدة من نوعها على مستوى العالم، فكيف لمواطنٍ بدخلٍ لايتجاوز 12 دولاراً في الشهر أن يستطيع البقاء على قيد الحياة هو وأسرته، هنا في سورية يكاد اليوم بساعاته ال 24 لايكفي حتى يعمل هو وأفراد أسرته عدة أعمال أخرى حتى يؤمنوا قوت يومهم، معادلة صعبة الفهم على من هو خارج الجغرافيا السورية، قلة الموارد وسوء إدارتها والفساد الكبير عواملٌ فاقمت الفقر الموجود أساساً، ربما يكون هذا طبيعي يحدث في كل بلد يقبع تحت ظل الحرب، لكن كيف إذا كان محاصراً إقتصادياً بسبب عقوبات غربية أمريكية ظالمة أدت إلى تجويع الـأطفال وتشريد الملايين وسحق معظم طبقات المجتمع السوري...
الجدير بالذكر أن الفرق الكبير بين طبقات المجتمع بات واضحاً يشمل طبقتين لاأكثر في ظل إختفاء الطبقة الوسطى التي تعتبر ضمان الحزام الاجتماعي والإقتصادي وهي المنتجة الحقيقية للإقتصاديين والمثقفين، وبانهيارها تتزعزع بنية أي دولة حيث أصبح الشعب بأكثريته تحت مستوى خط الفقر بنسبة قد تجاوزت 90 بالمئة، وبقيت الطبقة المخملية التي باتت نسبتها أقل من 10 بالمئة تشمل مابقي من التجار والصناعيين و "أثرياء الحروب" الذين يستغلون ظروف البلاد السيئة ليزيدوا من ثرواتهم على حساب الشعب الفقير.
الحرب دامت لمدةٍ طويلة لكن يبدو من كل المُعطيات أن المعاناة بكل توابعها ستدوم لمدةٍ أطول... و ربما يكون البقاء للأكثر غِنى، فالمواطن الفقير سيندثر هو الآخر بطريقةٍ أو بأخرى إن لم يتم العمل بشكلٍ جدي لإنقاذه، والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا هل ستتلاشى الأسباب وتُعالَجُ المعطيات ومتى ستبصر النور خطّة الإنقاذ الاقتصادي التي لم يعد منها أمل عند أصحاب الأمل أنفسهم؟
[1] https://www.syria-oil.com/166/#more-166
[2] https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2077821&language=ar
[3] https://alwatan.sy/dindex.php?idn=95335
[4]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
[5] https://twitter.com/UNEnvoySyria/status/1683478925488300034