الأزمة مستمرة في قطاع غزة
يسعى النظام الصهيوني من خلال خطة مدروسة إلى تغيير الظروف البيئية في غزة بحيث يسهل تفريغ المنطقة تمامًا من سكانها الفلسطينيين.

بدايتها في أكتوبر 2023 تُعتبر واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ انتهاك حقوق الإنسان المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إن النظام الصهيوني الآن ينفذ خطة ممنهجة لطرد الفلسطينيين من غزة. في هذا التقرير سنستعرض أبعاد خطة النظام الصهيوني وأدواته المستخدمة ودور المنظمات الدولية والنتائج المترتبة على ذلك استنادًا إلى أدلة وتقارير موثوقة.
التخطيط المنهجي للنظام الصهيوني لطرد الفلسطينيين
في البداية يسعى النظام الصهيوني من خلال خطة مدروسة إلى تغيير الظروف البيئية في غزة بحيث يسهل تفريغ المنطقة تمامًا من سكانها الفلسطينيين. تتكون هذه الاستراتيجية من ثلاثة أبعاد رئيسية: ارتكاب مجازر ضد سكان غزة و تدمير البنى التحتية الصحية وتخريب المناطق السكنية والبيئية.
الهدف الأساسي للنظام الصهيوني من سلسلة هجماته على مختلف مناطق قطاع غزة هو خلق توازن من الرعب وتحقيق أعلى مستويات من الخسائر. لقد تم تنفيذ هجمات جيش هذا الكيان بحيث تكون الخسائر الأولية والثانوية في صفوف المدنيين بأعلى عدد ممكن. في الواقع فإن نمط هجمات الصهاينة يتمثل في أنه في المرحلة الأولى ومن خلال تدمير المراكز السكنية يتم تجميع السكان في مناطق أخرى، مما يسمح باستهدافهم مجددًا لتحقيق أكبر عدد ممكن من الضحايا من المدنيين. فعليًا يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تجميع الفلسطينيين في مكان واحد ومن ثم يستهدفهم دفعة واحدة.
يشير الخبراء والمصادر الميدانية إلى أن الجيش الصهيوني يستهدف بشكل ممنهج المدارس في غزة. وقد أفادت الأمم المتحدة بأن هجمات إسرائيل قد ألحقت الضرر بـ 190 من منشآتها، معظمها مدارس. لم تبقَ ملاجئ كثيرة في غزة، إذ أن هذه المدارس - سواء كانت خاصة أو تابعة للأمم المتحدة - كانت تُعتبر الأماكن الوحيدة التي تُعتبر آمنة نسبيًا.
في هذا السياق اتخذ النظام الصهيوني نموذجًا يتمثل في استهداف المدارس وجمع حالات الهجمات الصهيونية على المدارس تؤكد هذه المسألة بشكل جلي.
أيضاً موضوع آخر يتمثل في استهداف المراكز الصحية والعلاجية، وهي من بين المناطق التي تعتبر تجمعات للنازحين الفلسطينيين، حيث يتوجه الناس للحصول على احتياجاتهم الصحية، لكن هجمات الصهاينة أدت إلى توقف معظم هذه المراكز. أبلغ فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) أن القوات الإسرائيلية قامت مؤخرًا بقصف أحد مبانيها في جباليا شمال قطاع غزة. وأضاف في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذا المبنى كان مركزًا صحيًا وقد تعرض لأضرار جسيمة في بداية الحرب وأوضح أنه في غزة "حتى البيوت المدمرة أصبحت أهدافًا".
تشير التقارير الأولية إلى أن هذا المركز كان يأوي أكثر من 700 شخص في وقت القصف و"حسب التقارير كان بين القتلى 9 أطفال من بينهم رضيعة تبلغ من العمر أسبوعين".
أشار لازاريني إلى أن العائلات الفلسطينية النازحة قد بقيت في الملجأ المستهدف بعد القصف الإسرائيلي، لأنها "لا تملك مكانًا آخر للذهاب إليه".
وصف جاناتان فيتال المدير المؤقت لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوم الأربعاء وضع قطاع غزة بأنه "حرب بلا حدود". وقد وصف ما يحدث هناك بأنه "دائرة لا نهاية لها من الدم والألم والموت" وقال: "غزة أصبحت فخًا مميتًا".
استخدام أدوات الحرب لممارسة الضغط على السكان في غزة
اعترف المسؤولون الصهاينة بشكل دائم بأن جيش هذا النظام قد استخدم ذخائر غير تقليدية في هجماته على الأهداف غير العسكرية في غزة، والتي أدت إلى مقتل الآلاف.
على مدار سنة ونصف مضت استخدم جيش النظام الصهيوني في قصفه وهجماته على سكان غزة أنواعًا من الأسلحة ذات مستوى تدمير عالٍ وكذلك الأسلحة المحظورة مثل الفوسفور الأبيض بشكل متكرر.
قال ممثل الحكومة الفلسطينية في جلسة عامة في لجنة نزع السلاح والأمن الدولي: "لم تكن هناك لحظة واحدة في العام الماضي لم يشعر فيها الفلسطينيون بالألم الرهيب الناجم عن المجازر والدمار الذي تسببت فيه آلة الحرب الإسرائيلية والذي مزق قلوبنا."
وأشار ممثل الحكومة الفلسطينية إلى أن جيش النظام الصهيوني قد استخدم أسلحة غير قانونية و أكثر أنواع الأسلحة المتفجرة فتكًا، وقتل الأبرياء في أكثر المناطق سكانًا في العالم، وخاصة في غزة. إن الجيش الإسرائيلي يقصف ويشعل النار و الناس في خيامهم، وفي مراكز اللاجئين أمام أعين العالم. وأكد أن لا أحد في غزة في أمان من الهجمات. وقد قتلت القوات المحتلة أشخاصًا لم يكن أحد يتصور أن يتحولوا إلى أهداف للهجمات كالمرضى في المستشفيات والرضع.
ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان والخبراء والمحللين، فإن هذه المجموعة من الإجراءات عند جيش النظام الصهيوني، بدءًا من استخدام الأسلحة المدمرة وغير التقليدية إلى استهداف آخر المراكز السكانية والصحية باستخدام هذه الأسلحة، تهدف إلى خلق ضغط واسع على الشعب الفلسطيني من أجل إجبارهم على التهجير المستمر داخل غزة وفي النهاية دفعهم إلى مغادرة أرضهم إلى بلدان أخرى.
تراخي المؤسسات الدولية وصمت الدول الغربية و شرعنة الاستراتيجية الصهيونية
على الرغم من الجرائم الرهيبة التي يرتكبها النظام الصهيوني، تتصرف الدول والمنظمات الغربية المدافعة عن حقوق الإنسان بطريقة سلبية تمامًا تجاه الإبادة الجماعية المروعة للشعب في غزة من قبل هذا النظام، ومن الممكن الإشارة بشكل خاص إلى الاتحاد الأوروبي.
إن الاتحاد الأوروبي الذي يقدم نفسه كمدافع عن النظام الدولي الليبرالي وحقوق الإنسان، قد اتخذ نهجًا يعد في الغالب سلبيًا وصامتًا. إن الإصرار على عدم التحرك لا يمثل فقط فشلًا أخلاقيًا ومصدر خجل للاتحاد، بل يبدو غير قابل للدفاع عنه تمامًا من منظور المصالح الاستراتيجية على المدى الطويل لأوروبا.
ومنذ بداية عام 2025 استأنف الاحتلال الإسرائيلي قصف غزة بشكل واسع وقطع الوصول إلى الغذاء والماء والأدوية والوقود. حدثت هذه الإجراءات بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي كان قائمًا في العام السابق. وتظهر الأدلة أن قرار نتنياهو بانتهاك هذا الاتفاق جاء بسبب رفض حماس إطلاق سراح الأسرى، وهو ما حصل أيضًا على دعم من ترامب. ومع ذلك تشير الأدلة إلى أن إسرائيل كانت هي التي أفسدت وقف إطلاق النار من خلال تغيير بنود الاتفاق ورفض تنفيذ المرحلة الثانية التي تطلبت توقفًا كاملاً للعمليات العسكرية.
كما تكشف تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي المزيد من الأبعاد الجنائية لسياساته و التي هدد فيها بتدمير غزة كلها في حال عدم استسلام حماس، إلى جانب القصف المتعمد لغزة في أوقات محددة وخاصة مثل الصباح الباكر خلال شهر رمضان.
لا تمثل هذه الإجراءات انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية بما في ذلك اتفاقيات جنيف فحسب، بل هي في تناقض كامل مع أحكام محكمة العدل الدولية (ICJ) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC).
ومع ذلك تجاهلت إسرائيل هذه الأحكام واستمرت في تصعيد عملياتها كقطع الكهرباء عن منشآت تحلية المياه ومنع دخول المساعدات الإنسانية، مما عزز ما يعتبره العديد من المراقبين سياسة تطهير عرقي وإبادة جماعية.
لقد اتخذ الاتحاد الأوروبي على الرغم من التأكيد المستمر على التزامه بحقوق الإنسان والقوانين الدولية، موقفًا مزدوجًا وسلبيًا ردًا على هذه الجرائم. حيث أصدر فقط بيانات وكان آخر بيان في مارس 2025، عبر فيه عن أسفه فقط لانهيار وقف إطلاق النار وسقوط الضحايا من المدنيين، وتجنب كلياً الإشارة إلى إسرائيل كفاعل رئيسي لهذه الجرائم.
ونظرًا لأن العديد من المؤسسات الدولية تتأثر بمصالح الدول الغربية، ولا يمكنها أن تكون محايدة في سياساتها وبياناتها تجاه الأحداث الدولية بما يتجاوز نطاق محدد، فإن هذا الجمود تجاه الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الصهيوني في غزة يتجلى أيضًا في سلوك المنظمات الدولية نفسها. ويمكن ملاحظة هذا الأمر بوضوح من خلال مقارنة سلوك هذه المنظمات خلال الهجوم الروسي على أوكرانيا وسلوكها تجاه إبادة النظام الصهيوني في غزة.
تحذيرات الخبراء والمنظمات الحقوقية بشأن سياسة النظام الصهيوني في التطهير العرقي في غزة
لقد أصدرت هيئات حقوق الإنسان وخبراء مستقلون تحذيرات متكررة بشأن أعمال النظام الصهيوني في غزة، والتي تُعد بمثابة تطهير عرقي. وأشارت هذه الجهات إلى أدلة عن جرائم النظام الصهيوني في غزة موضحة أن الصهاينة يتبعون خطة التطهير العرقي في غزة بشكل واضح.
فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة للأمم المتحدة، في تقارير متعددة اعتبرت أن أعمال النظام الصهيوني تمثل «إبادة جماعية» و«تطهيرًا عرقيًا» وقارنتها مع «نكبة 1948». وأشارت إلى التدمير الممنهج للبنى التحتية وتشريد 1.9 مليون شخص (90% من سكان غزة) والحصار الذي أدى إلى المجاعة. وحذرت ألبانيز من أن هذه الأفعال تتم بهدف القضاء على وجود الفلسطينيين في غزة. في أبريل 2025، أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن إسرائيل، من خلال فرض ظروف معيشية خاصة على سكان غزة تنوي القضاء عليهم كمجتمع سكني. يشير هذا البيان إلى الحصار الكامل ومنع دخول المساعدات الإنسانية والهجمات المستمرة على المدنيين.
كما أكد البروفيسور جورج أندريوبولوس، أستاذ حقوق الإنسان في كلية جون جاي في نيويورك، أن التطهير العرقي لا يتضمن فقط النزوح القسري، بل أيضًا تدمير الآثار المادية للمجموعة المستهدفة، مثل المعالم التاريخية والمقابر و دور العبادة. واعتبر أن أعمال النظام الصهيوني في غزة و التدمير الواسع للمواقع الثقافية والدينية تمثل مصداق هذا التعريف.
https://news.un.org/en/story/2025/04/1161816
https://www.brasildefato.com.br/2024/08/15/every-place-in-gaza-including-schools-is-a-target
https://www.aljazeera.com/news/2023/12/29/beyond-maghazi-what-controversial-weapons-have-israel-used-in-gaza-war
https://www.hrw.org/news/2023/10/12/questions-and-answers-israels-use-white-phosphorus-gaza-and-lebanon
https://press.un.org/en/2024/gadis3742.doc.htm
https://moderndiplomacy.eu/2025/04/21/europes-continued-silence-amid-the-ongoing-gaza-crisis
https://www.thenewhumanitarian.org/opinion/2023/11/29/international-system-failing-yet-again-gaza-and-beyond
https://www.bbc.com/persian/articles/cx241jr9n71o