الأزمة الأوكرانية تسبب الخوف للدول الأوروبية
لقد شهد العالم وأوروبا تقلبات ٍغير ليبرالية في وسط القارة، و ظهور حروب وصراعات شديدة واسعة النطاق في جوارها في الشرق الأوسط، وازدياد قوة الصين واشتداد الصراع على السلطة بين القوى العظمى، كلها كانت تحديات كبيرة للاتحاد الأوروبي. لهذا السبب كان هجوم روسيا على أوكرانيا في مارس 2022 له أسباب استراتيجية طويلة أو قصيرة الأمد للكرملين، ويعتبر خطوة مهمة وحاسمة في المصير الجيوسياسي لأوراسيا وسببًا مهمًا وفعالًا لخلق الذعر للدول الأوروبية أكثر من أي حقبة أخرى خوفاً من انتصار روسيا ورفيقتها الأخرى الصين.
لقد ظهرت عملية التحديات الفعلية للدول الأوروبية و التي كان لها مستويات مختلفة من التهديدات للاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة وكذلك لكل دولة من الدول الإتحاد على المستويين الوطني والإقليمي، وذلك منذ الفترة الأولى لأزمة أوكرانيا في عام 2014 حيث كانت ذروتها في قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم. إن النهج الاستبدادي لروسيا وتسلطها لم يبدد فكرة الهيكل الأمني الأوروبي الوارد في ميثاق باريس لعام 1990 فحسب، بل أبعد من ذلك حيث شوه عمليًا مفهوم التهديد الصفري لأوروبا، والذي كان يعتبر أحد الأسس الفكرية لأوروبا. ولم يكن رد فعل أوروبا القوي تجاه روسيا بسبب الضغط الأمريكي فحسب، بل أيضًا بسبب الصدمة الشديدة التي تعرضت لها نظرة أوروبا للعالم في العصر الجديد.
لكن المصدر الآخر لقلق أوروبا هو الصين؛ ففي نفس الوقت تقريبًا بالتوازي مع أزمة عام 2014 في أوكرانيا شهد العالم نموًا سريعًا وتطورًا متزايدًا للصين والتي مع طرح مبادرة الحزام والطريق الصينية، وسعت الصين حضورها وتأثيرها بسرعة في مناطق مختلفة من العالم بما في ذلك أوروبا. هذه القضية بالإضافة إلى تداعياتها الاقتصادية والتجارية تشكل تهديدًا سياسيًا أمنيًا وأكثر من ذلك فهي تشكل تهديدًا جدياً للقيمة و للهوية وتنفي افتراضات مهمة للغربيين فيما يتعلق بعملية التقارب العالمي تجاه النظام السياسي الليبرالي والديمقراطي والنظام الاقتصادي للسوق الحرة.
بعبارة أوضح نجحت الصين بتطورها السريع ونفوذها المتزايد في مناطق مختلفة من العالم، في الترويج لطريقة ومسار التنمية والتقدم بطريقة مختلفة عن طريقة الغرب واسلوبه، لإظهار أن طريق التقدم والتنمية لا تتم فقط بالنهج الغربي. بالإضافة إلى ذلك أظهرت التطورات في السنوات الأخيرة أن المنافسة المتزايدة بين أمريكا والصين يمكن أن تؤثر أو تهمش جميع القضايا والجهات الفاعلة الأخرى من جملتها أوكرانيا. في مثل هذه الحالة تم اقتراح مشروع "البوابة العالمية" للاتحاد الأوروبي كاستراتيجية جديدة لتطوير البنى التحتية في أركان العالم الأربعة.
يهدف برنامج البوابة العالمية التابع لها إلى تعبئة ما يصل إلى 300 مليار دولار من أموال الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والقطاع الخاص بحلول عام 2027 ، ومن المفترض أن تمكّن هذه الأموال البلدان المتخلفة من تسريع تحولاتها الخضراء والرقمية. وفي الوقت نفسه سينتعش اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وسيزيد التأثير العالمي لهذا التكتل. البوابة العالمية هي تصميم لاقتراح القيمة الأساسية، واستثمارات الاتحاد الأوروبي هي انعكاس للمعايير الاجتماعية والبيئية لهذا الاتحاد ، وبالطبع هو أيضًا مشروع جيوسياسي ؛ لأن البنى التحتية اليوم تشكل جوهر الجغرافيا السياسية والأمن طويل الأمد. لكن يبدو أن أوروبا لم توضح بعد مهمتها النهائية بشأن الموقف الذي ينبغي أن تقف فيه في هذا المحور لتوفير أقصى حماية لمصالحها وهي تواجه شكوكًا جدية في هذا الصدد.
مرضیه شریفی