هل يمكن للدول العربية فرض حظر نفطي على الغرب؟
في ظل العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، يبرز سؤال جوهري حول تأثير سياسات الدول المنتجة للطاقة على استقرار الأسواق العالمية. وإذا نظرنا إلى حال الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، مثل السعودية ومصر وقطر والجزائر، يمكن أن نستشرف صورة مثيرة تتعلق بتوقف هذه الدول عن تصدير الطاقة للدول الداعمة للاحتلال والمجازر بحق الفلسطينيين.
في ظل العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، يبرز سؤال جوهري حول تأثير سياسات الدول المنتجة للطاقة على استقرار الأسواق العالمية. وإذا نظرنا إلى حال الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، مثل السعودية ومصر وقطر والجزائر، يمكن أن نستشرف صورة مثيرة تتعلق بتوقف هذه الدول عن تصدير الطاقة للدول الداعمة للاحتلال والمجازر بحق الفلسطينيين.
ففي ضوء الأوضاع المأساوية التي يشهدها قطاع غزة ولبنان بفعل القصف الإسرائيلي، تتجدد المطالبات باستخدام النفط كوسيلة ضغط في وقف العدوان الإسرائيلي.
فقد تزامنت الأحداث المؤلمة في غزة مع ذكرى حرب أكتوبر عام 1973، عندما اتخذت الدول العربية خطوة تاريخية بقطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وألحق أضرارا جسيمة بالدول الغربية.
حيث يعتبر المحلل السياسي عبد الباري عطوان أن القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض مؤخرا، يجب أن تستلهم من مواقف القادة العرب التاريخية مثل الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس الجزائري هواري بومدين، الذين أعلنوا أن "النفط ليس أغلى من الدماء".
وقد رأى عطوان أنه ينبغي على الحكومات العربية اتخاذ خطوات واضحة نحو إعادة استخدام النفط سلاحا في هذه المعركة، من خلال حظر صادرات النفط والغاز، وفتح الحدود لتيسير وصول المساعدات الإنسانية.
حيث كان الـ15 من أكتوبر عام 1973، تاريخاً محفوراً في أذهان كثيرين، لا سيما أنه ارتبط بأكبر أزمة اقتصادية عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية وأخرى ممن أعلنت تأييدها لـ"إسرائيل" في حربها على العرب، بعد قرار بقطع إمدادات النفط من قبل الدول العربية الأعضاء في منظمة "أوبك".
وبعد مرور 50 عاماً على تلك الخطوة التي عرفت حينها باسم "صدمة النفط الأولى"، كان الجميع ينتظر خطوة مماثلة في سبيل الضغط على "إسرائيل" وأمريكا لوقف العدوان الإجرامي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وعلى الرغم من أهمية القمة العربية الإسلامية في الرياض التي عُقدت، إلا أن النتائج لم تكن بمستوى التطلعات، حيث لم تخرج بقرارات حاسمة تساهم في وضع حد للعنف المستمر في غزة. إذا كانت الحكومات العربية جادة في إنهاء المعاناة الفلسطينية، فإن اتخاذ إجراءات اقتصادية ملموسة كان يجب أن يعقد بشكل فوري.
فالعالم يعتمد بصورة أساسية على مصالحه، والعرب يمتلكون من الثروات ما يمكّنهم من تشكيل ضغوط قوية على السوق العالمية.
وتمثل منطقة الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط، ويمر من مضيق هرمز الاستراتيجي نحو 20% من الإمدادات العالمية، أو ما يوازي 30% من إجمالي النفط الذي يتم نقله بحراً.
لو كانت الحكومات العربية صادقة حقاً في وضع حد للحرب الإسرائيلية الهمجية والإجرامية على قطاع غزة وغيرها من الأراضي العربية لأوقفت على الفور صادرات النفط والغاز الطبيعي، والنتائج مضمونة أو على الأقل شبه مضمونة، ولتم أيضا وعلى الفور فتح معبر رفح الحدودي لاستقبال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء.
يمتلك العرب نسبة كبيرة من احتياطي النفط والغاز في العالم، إذ يمثلون أكثر من 57% من الاحتياطي العالمي للنفط الخام و26.5% من احتياطي الغاز الطبيعي. كما أن لديهم نفوذًا في منظمات الطاقة الدولية مثل "أوبك" و"أوبك +"، مما يمنحهم القدرة على التأثير على أسواق الطاقة العالمية. ومع تصاعد النزاعات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا، تزداد أهمية العرب كلاعبين رئيسيين في سوق الغاز المسال.
إن مجرد إشارة الدول العربية بوقف صادراتها من النفط والغاز قد يؤدي إلى قفزة جنونية في الأسعار، فهذا التهديد وحده كافٍ لإحداث ارتباك في الأسواق العالمية. وفي حال ارتفاع أسعار الطاقة، ستجد الحكومات نفسها مجبرة على زيادة أسعار المشتقات البترولية، مما يؤدي إلى تفشي التضخم وزيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية داخل الدول المعتمدة على النفط.
لذلك إذا لجأت دول مثل مصر وقطر والجزائر إلى وقف صادرات الغاز الطبيعي للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فإن هذا القرار قد يكون له عواقب وخيمة.
فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعار الغاز في السوق الدولية حتى وإن كان مجرد تهديد بوقف الصادرات. إن العوامل النفسية تلعب دوراً محورياً في تحديد اتجاهات الأسعار، فاجتماع القلق والخوف من نقص الإمدادات يكفي لرفع الأسعار بشكل جنوني.
وعندما يتعلق الأمر بالاستجابة للاحتجاجات الشعبية المتزايدة، ستجد حكومات تلك الدول نفسها مضطرة لزيادة أسعار المشتقات النفطية، مما سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم بشكل مخيف. وهذا بدوره يمكن أن يسبب اضطرابات اجتماعية ضخمة، حيث سيكون هناك احتقان شعبي بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
فمن المعرفة العامة أن شعوب الدول الكبرى المعتمدة على الوقود الأحفوري تعاني من حساسيات كبيرة تجاه أي زيادة في الأسعار، مما قد يؤدي إلى اندلاع مظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية.
من ناحية أخرى، إذا اتخذت السعودية – ثاني أكبر منتج للنفط عالميا – خطوة مشابهة وتوقفت عن تصدير النفط كما فعلت في عام 1973، فلن تكون العواقب محصورة في حدودها الجغرافية فقط. ستحذو الدول المنتجة للنفط الأخرى مثل العراق والكويت والجزائر وليبيا وسلطنة عمان ومصر حذوها، وهو ما سيؤدي إلى قفزة هائلة في أسعار النفط عالمياً.
هذا الارتفاع ليس مجرد نتيجة لعدم توفر النفط، بل هو انعكاس للخوف من عدم القدرة على الحصول على مصدر الطاقة الأكثر أهمية في حياة الناس اليومية.
تلك الزيادة في الأسعار ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، حيث ستجد الحكومات مجبرةً على التعامل مع عواقب التضخم واستياء شعوبها، مما قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية. فمع ازدياد الغضب الشعبي، قد تشهد الدول الغربية تغيرات جذرية في السياسات الحاكمة، وقد تؤثر على نتائج الانتخابات القادمة.
يبدو أن تحركات الدول العربية المنتجة للطاقة يمكن أن تترك بصمة عميقة على الساحة العالمية. فالأمر لا يقتصر فقط على المسائل الاقتصادية، بل يمتد ليشمل القضايا الإنسانية والسياسية، مما يجعل العالم مترابطاً أكثر من أي وقت مضى.
إن التوجه نحو سياسة التلويح بوقف صادرات الطاقة يمكن أن يكون أداة ضغط فعالة تسهم في تغيير المشهد في فلسطين التي طالما عانت من القصف والدمار.
في الختام يمكن القول، يتعين على الدول العربية أن تبادر إلى اتخاذ خطوات فعالة تظهر تأييدها لفلسطين ولبنان مشفوعة بأفعال تتجاوز التصريحات والشعارات، لتكون بذلك قوة ضغط حقيقية تحدث فرقا في الساحة الدولية وتدعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين والشعب اللبناني.
المصادر:
1-https://2cm.es/Mx86
2-https://2cm.es/OUxA
3-https://2cm.es/Mx8a
4-https://2cm.es/OUxD