هل أصبحت الحرب الأوكرانية مستنقعاً لأوروبا؟
هل أصبحت الحرب الأوكرانية مستنقعاً لأوروبا؟
بينما كان العالم يعبر من أزمة فايروس كورونا والعواقب الناجمة عنها، ومع بدء تعافي الاقتصاد العالمي واتجاهه في مسار تصاعدي هادئ، حيث أشارت التوقعات المختلفة والمتفائلة إلى نمو وصلت نسبته لأكثر من 5 ٪ لعام 2022 [1]. وبينما كانت البلدان تعوض خسائرها المختلفة طرأ حدث كبير آخر على العالم بأكامله. حدثٌ كما قالت عنه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه صدمة هائلة لعالمنا، وهو الهجوم الروسي على أوكرانيا. وأدت آثاره خلال العام الماضي إلى انخفاض في التفاؤل بالنمو الاقتصادي. شهد عام 2022 نموا بنسبة 3.1 ٪ فقط في الاقتصاد العالمي ، وهو ما يقرب من 2 ٪ أقل من التوقعات ، فيما كانت حصة أوروبا منخفضة للغاية وشهدت نموا بنسبة 0.3 ٪ فقط.[2]
في الواقع، كانت الحرب في أوكرانيا هي الأساس لتغيير موقف أوروبا تجاه روسيا وربما كانت صفعة قوية لهم بحيث لا ينبغي لهم أن ينظروا بتفاؤل إلى العلاقات مع الدول الأخرى في عالم اليوم.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تعاونت أوروبا على نطاق واسع في مجال الطاقة مع روسيا في موقف يقوم على لعبة مربحة للجانبين، ورؤية أن شراء الطاقة من روسيا يمكن أن يساعد في تنمية هذا البلد وتحركه نحو المجتمع الديمقراطي وبالنتيجة ان يصبح مع أوروبا سيكون ذلك وسيلة ضغط قوية للسيطرة على سلوك روسيا. وفي هذا الشأن كان الاعتماد على الطاقة لبلدان مثل ألمانيا وصربيا والبوسنة والنمسا واليونان وبلغاريا وفلاندا أكثر من نصفها على النفط والغاز الروسي، وشكلت صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا أكثر من 65٪ من إجمالي صادرات البلاد.
لكن الحرب الأوكرانية أظهرت أن الأوروبيين كانوا متفائلين جداً وأن روسيا لا يمكن أن تكون شريكا دائما لهم، وأن الأوروبيين دعموا أوكرانيا في هذه الحرب ومن بين الإجراءات الأولى والأكثر تكلفة تخفيض واردات الطاقة الأحفورية من روسيا.
يمكن أن يكون أحد بدائل الطاقة في أوروبا هو استيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة، التي تمثل ما يقرب من 70 في المائة من واردات أوروبا من الغاز المسال، لكن هذا لا يمكن أن يكون انفتاحا طويل الأجل لأن تكلفته لا تزال أعلى من الغاز الجاف الذي يتم نقله عبر خط الأنابيب، وهذا في حد ذاته يمكن أن يكون له المزيد من التحديات الاقتصادية والمالية لأوروبا. على الرغم من أن أوروبا تبحث عن طاقة بديلة، مثل محطات الطاقة النووية والطاقة المتجددة إلا أن هذه الخيارات مكلفة إلى حد ما على المدى القصير.
مع انخفاض الواردات ارتفعت أسعار الطاقة وكانت الآثار التضخمية الملحوظة لهذه الزيادة المفاجئة في ناقلات الطاقة كبيرة على حياة سكان القارة الخضراء، حيث خففت المساعدات المالية وتخصيص بعض الإعانات للمواطنين قليلا من جوهم المتوتر ومن الاحتجاجات ولكن السؤال هل يمكن للحكومات الأوروبية مواصلة هذه العملية أم لا؟
كان أحد أهداف الدول الأوروبية في دعم الأزمة والحرب في أوكرانيا هو تنبيه ومعاقبة روسيا، لذلك اختاروا نهجا ماليا ونقديا جديدا. بحيث خصصت بولندا نصف بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي ولاتفيا وإستونيا 1 بالمائة لكل منهما لدعم أوكرانيا. وأيضا ساهم دعم الاتحاد الأوروبي الشامل لأوكرانيا والذي ساهم بأكثر من 30 مليار دولار للبلاد، [3] والمملكة المتحدة إلى جانب ألمانيا بحوالي 10 مليار دولار من الفائض المحلي لأوكرانيا. هذا الدعم المالي له رسالة واضحة، وهذا يعني أن جزءا من الدخل الاقتصادي للأوروبيين يجب أن يخصص للحرب والإنفاق الدفاعي والميزانيات العسكرية. وهذا يعني أن النمو الاقتصادي وتطور الدول الأوروبية سيتحرك بوتيرة أبطأ خاصة في ألمانيا حيث يعتمد الإنفاق العسكري وميزانيات الدفاع على تحقيق الأهداف الاقتصادية التي حددها البوندستاغ، وبالطبع تواجه ألمانيا والمستشار شولتز أيضا تحديات أخرى، مثل كيفية إقناع الأحزاب المتحدة[4]. بالإضافة إلى المشكلة الاقتصادية، تواجه أوروبا أزمة اللاجئين الأوكراينين، حيث دخل أكثر من 21 مليون أوكراني الأراضي الأوروبية وعلى الرغم من أنهم استقبلوا بالأحضان وخصص البرلمان الأوروبي ميزانية طارئة قدرها 10 مليارات دولار لهذا الدخول غير المتوقع لكن هذا الانفاق على المهاجرين خلق عبئا اقتصاديا ثقيلا على الدول الأوروبية، وخاصة تلك الدول ذات الاقتصادات الأضعف. على الرغم من الإعلان عن خطة حماية مؤقتة للاجئين الأوكرانيين،[5] الذين يمنحون جنسية الاتحاد الأوروبي المؤقتة لمدة عام ولديهم العديد من التحفظات، فإن الآفاق الاقتصادية للقارة لا تزال غير جيدة. الدول الأوروبية تنفق في المتوسط 300 يورو شهريا على كل لاجئ وهذا يعتبررقم كبير بما في ذلك التبرعات التي تنفق فقط على اللاجئين، مما أدى إلى انخفاض في الأمن الاقتصادي والوظيفي لمواطني الاتحاد الأوروبي. ازداد تراجع الأمن الاقتصادي والفقراء في أوروبا خلال الحرب ، وهذه دعوة للاستيقاظ لحكوماتهم، التي إذا لم تفكر في حل في أقرب وقت ممكن، قد تكون مصحوبة بأزمات اجتماعية مختلفة واستياء عام، وربما زيادة نمو اليمين المتطرف مما قد يؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي وزيادة إضعاف الدول الأوروبية. لذلك ليس من المستبعد أن يبحث الأوروبيون عن طريقة لإنهاء هذه الحرب أو إنشاء معاهدة سلام طويلة الأمد. ما سيحدث في المستقبل خاصة في المجال الاقتصادي ونتائج ساحة المعركة سيلعب دورًا مهمًا للغاية في القرارات المستقبلية لروسيا وأوكرانيا وأوروبا، وسيكون له تأثيرات عميقة على الجغرافيا السياسية العالمية.
[1] World bank
[2] OECD
[3] Kiel Institut für Weltwirtschaft
[4] Slate.com
[5] Erupal.erupa.eu