نتنياهو والخطة ب!
تصاعدت الاحتجاجات الأسبوعية في إسرائيل ضد إصلاح النظام القضائي ، وشهدنا يوم أمس الإثنين أيضًا إضرابات واعتصامات ويمكن القول إن إسرائيل تواجه أزمة داخلية غير مسبوقة نسبيًا نتج عنها احتجاجات غير مسبوقة تقريبًا. أصل هذه الأزمة هو في الواقع بسبب محاولة الانتقال من نظام "المؤسساتية" إلى "الفردية" في لعبة السلطة. منذ تأسيسه تم إضفاء الطابع المؤسساتي على نظام السلطة في إسرائيل وليس التوجه الفردي وكان هذا النظام المؤسساتي والفصل بين السلطات وخاصة استقلال النظام القضائي من أهم العوامل في بقاء واستمرارية هذه الحكومة. لكن في العقد الماضي نتيجة لتعطش نتنياهو للبقاء في السلطة نشأ نوع من الفردية في النظام السياسي الإسرائيلي. لقد جاء رؤساء وزراء إسرائيل السابقون وذهبوا ولم يبق أي منهم في السلطة كما بقي نتنياهو وقد جعل هذا الرقم القياسي ورغبته في البقاء في السلطة نقطة محورية للجدل في إسرائيل. خلق الجدل الدائر حول بقائه في السلطة وعدم بقائه في السلطة ازدواجية قطبية خطيرة في المجتمع الإسرائيلي. في عام 2021 اتحد جميع خصومه ضده وشكلوا حكومة لكنها لم تستمر حتى عام واحد.
في انتخابات عام 2022 تجنب نتنياهو جميع خصومه وشكل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل من خلال الاتحاد مع الصهيونية الدينية والحريديم. سبب بقاء نتنياهو في السلطة ليس فقط تعطشه للسلطة ولكن أيضًا سياسته الذكية في الشطرنج السياسي على الرغم من وجود قضايا قضائية، نتج عنها الحفاظ على قاعدته الاجتماعية وقاعدة حزبه. بالطبع؛ في هذه العملية لا ينبغي تجاهل دور النمو المستمر لليمين في المجتمع الإسرائيلي في العقود القليلة الماضية.
على أي حال من الطبيعي أن هذا القدر من البقاء في السلطة على الرغم من أنه يتم من خلال القناة الانتخابية دون حد زمني محدد، فإنه يؤدي إلى نوع من الدكتاتورية المتمركزة حول الفرد الواحد في نظام السلطة، مما يتسبب في حدوث الإضعاف التدريجي للمؤسسات والعلاقات المؤسساتية فيما بينها. والحقيقة أن ما نشهده اليوم في إسرائيل وأصل الأزمة الحالية هو هذا التفرد في السلطة ومحاولة تجاوز المؤسسة وفي هذا السياق قيام الائتلاف الحاكم بإصلاح النظام القضائي يعتبر نوع من الانقلاب على استقلال النظام القضائي الإسرائيلي، هو تهديد وجودي لمأسسة السلطة.
ستعمل الإصلاحات المقترحة على تحويل المحكمة العليا في إسرائيل إلى مؤسسة حكومية سيكون لها دور فقط الموافقة على اختيار الوزراء، بغض النظر عن سجلهم القضائي السيئ وأيًا كان ما ينوي الائتلاف الحاكم الموافقة عليه في الكنيست. ومع ذلك أدت هذه الإصلاحات الشبيهة بالانقلاب إلى جانب جهود حلفاء نتنياهو لتعطيل العلاقة بين الدين والدولة في إسرائيل وتطبيق الشريعة اليهودية وإلى احتجاجات غير مسبوقة مما دفع الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ لاحقًا إلى التحذير من " سقوط القانون والإنهيار الاجتماعي ".
الآن هذه الإصلاحات التي تؤدي أيضًا إلى نوع من الحصانة القضائية لنتنياهو، خلقت أيضًا أزمة معقدة وخطيرة في الأبعاد الدولية واحتج عليها جو بايدن والأوروبيون. استمرار هذه الأزمة في ظل احتجاج القطاعات الاقتصادية وخاصة العاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الذي يعد الشريان الاقتصادي لإسرائيل أصبح مزعجًا للغاية لنتنياهو ويهدد حكومته. ومع ذلك يبقى أن نرى ما الذي سيفعله للخروج من هذه الأزمة. هل سيوافق على الخطة المذكورة ويتحول بسرعة إلى مواجهة التوتر الخارجي للسيطرة على عواقبها، أم أنه سيكون غير مبال بهذه الخطة؟
نتنياهو الذي عاد إلى السلطة بإشراك اليمين الديني والمذهبي المتطرف في الهيكل السياسي في إسرائيل واستخدمه كمعسكر ضد التيارين الوسطي واليساري، والآن يبدو أنه قد يفكر في استمرار مشاركة التيار الفاشي في حكومته وهذا يعتبر خطر وشيك لحكومته، وللخروج من هذه الأزمة ليس مستبعداً الدخول في حوار سري مع العلمانيين من المعسكر الوطني نتيجتهُ التوصل لاتفاق يقوم على تنحية أمثال بن غفير و مشاركة هذا المعسكر في رئاسة الوزراء لنتنياهو وسحب خطة الإصلاح القضائي. والآن بعد أن شعر العلمانيون بخطر وجود تيارات متطرفة في الحكومة فليس من المستبعد أن يعملوا مع نتنياهو الذي اعتبر وجوده في السلطة خطًا أحمر لتجنب هذا الخطر.
لكن نتنياهو ربما لن يقبل بهذا الحل دون الحصول على ضمانات من خلال الموافقة على خطة في الكنيست لوقف إجراءات محاكمته في الملفات القضائية، ويبقى أن نرى ما إذا كان "المعسكر الوطني" مستعد لمنحه هذا الامتياز للتخلص من حلفاء نتنياهو الفاشيين. يعتبر البعض أن نتيجة الأزمة الحالية هي خروج نتنياهو "المؤكد" من السلطة ، لكنني أعتقد أن هذا الخروج غير مرجح في الوقت الحالي ويبقى أن نرى ما سيفعله للخروج من المأزق الحالي.
صابر گل عنبری