نازحون ليبيون يروون “حياة العراء” في مراكز الإيواء
يتوافد آلاف النازحين الليبين من درنة إلى أماكن تأويهم خارج المدينة بعد خسارتهم بيوتهم من جراء الفيضانات. وبعد 3 أسابيع على كارثة درنة الليبية، لم يتم الإفصاح عن العدد النهائي للضحايا من الجهات الرسمية في البلاد.
وتتابع ملاك وصف ذلك اليوم: “مضت ساعات وكأنها دهر، كنّا في حالة هلع نناجي الله لكي يخرجنا من هول هذه الكارثة، وكأنها من أهوال يوم القيامة، حيث الليل الحالك والماء تحاصرنا من كل اتجاه وأصوات طلب النجدة تملأ مسامعنا مع مرور كل غارق يجرفه السيل”.
لم تكن تتحدث بارتياح، بل صوتها كأنه يستنجد، وقالت: “مع بزوغ الفجر بدأ الماء ينحسر شيئاً فشيئاً، نزلنا إلى الشارع في حالة صدمة، كان الطين في كل مكان، على الأرض والجدران وفوق الجثث التي كنا نتعثر بها، آملين أن نجد المنقذ والمغيث، لكن لم يكن هناك أحد”، مضيفة: “آلمني جداً منظر المدينة وقد سوّيت بالأرض، لا سيما المسجد العتيق الذي شاركتُ في ترميمه كمهندسة معمارية بعد انتهاء الحرب الأخيرة في درنة”.
اليوم وبعد مرور 3 أسابيع، تقيم ملاك في منزل ذويها مع زوجها وإبنها، بعد أن تضرر المبنى الذي يحوي شقتها، وأصبح غير مؤهل للسكن وآيل للسقوط في أي لحظة.
وتشدد على أنّ الناجين اليوم يعودوا بحاجة إلى المأكل والمشرب وحسب، هم الآن بحاجة إلى خطوات جدية بتوفير مكان آمن ولائق للسكن، لاسيما وأن فصل الشتاء قد اقترب، والذي يرجح بأنه سيكون الأقسى، ليبقى مصير النازح مجهول يفترش العراء ويلتحف الصقيع!
قصة ملاك تتشابه مع قصص آلاف الناجين الذين خسروا بيوتهم وذويهم بسبب الفيضانات. وكملاك، تروي نجوى الشاعري، وهي متطوعة في الهلال الأحمر، ما حدث قبل العاصفة عندما قامت الجهات المختصة بالطلب من سكان المناطق المطلة على البحر بإخلاء منازلهم تحسباً لأي طارئ، وتقول: “بدأنا بتجهيز إمكانياتنا، ولم نكن نعلم بأن الفيضانات ستكون بهذا الحجم الكارثي”.
وتتابع نجوى: “جهّزنا أماكن لاستقبال المواطنين الذي أخلوا منازلهم، وتوفير ما يلزم في حالة وقوع حوادث من جراء الأمطار، وبقينا في حالة استعداد إلى أن بدأت اشتدت العاصفة وهطل المطر بغزارة”.
وبحرقة تخنق صوتها تقول نجوى: “توفي شابين من الهلال الأحمر خلال محاولتهم إنقاذ العائلات من السيول، فيما فقد العديد منهم أهله وأقاربه، ومنهم من عاد إلى بيته ليجد أن جميع أهله قد توفوا أو مفقودين قد جرفهم السيل”.
“كان المنظر مأساوي”، توضح نجوى، “حاولنا أن نمدّ النساء بأي شيء يغطي أجسادهن، فيما أصوات صراخ الأطفال تعلو ولم تخبُ نظرات الرعب على وجوههم”
وتتابع أنّ العديد من الأهالي لجأ إلى المدارس كمأوى فيما يمرّون بظروف سيئة للغاية. إذ تقطن العائلات في الصفوف، ولا يوجد إلا حمام واحد للجميع، مع انعدام الخصوصية، وضجيج المكان الذي يعجّ بفرق الإغاثة والمؤسسات التطوعية والأطقم الطبية والجهات الإعلامية، مما يضع النازحين تحت ضغط نفسي يتفاقم يوماً بعد يوم.
الناجون يصلون إلى أماكن الإيواء لا يملكون شيئاً
لا يزال حتى اليوم يتوافد آلاف النازحين الليبين من درنة إلى أماكن تأويهم خارج المدينة بعد خسارتهم بيوتهم، ولا تتشابه ظروف هذه الأماكن، ولا الحالة التي جاء فيها الناجون.
إذ وصل عدد من النازحين “لا يملكون أي شيء، وهم الآن موجودون في أماكن إقامة في المصايف أو في شقق تتبع لمصلحة خدمية أو شركة مُستأجرة، لكنها غير مجهزة بالأثاث أو بالمعدات المنزلية اللازمة، وبعضها خال من المرفق الصحي”، يقول وليد عفان عضو في الجمعية التسييرية للأزمة الصادرة عن مكتب ديوان المهجرين بمجلس رئاسة الوزراء، وهي جمعية أهلية.
وأضاف عفان: “وصلت إلينا طلبات نحو 1000 نازح ممن تم استقبالهم لتوفير مسكن أو رعاية صحية لهم، فمنهم من يعاني من إصابات أو أمراض مزمنة تحتاج إلى أدوية أو تدخل جراحي، فالدولة لم تقدّم أي شيء للنازحين خارج درنة حتى اللحظة”.
لا أرقام رسمية لعدد الضحايا
بعد 3 أسابيع على كارثة درنة الليبية، لم يتم الإفصاح عن العدد النهائي للضحايا من الجهات الرسمية في البلاد، بسبب التخبط الذي بدا واضحاً في إدارة هذه الأزمة والانقسام الذي تعانيه الدولة بين مؤسساتها.
منظمة الصحة العالمية أكدت من جهتها وفاة نحو 4255 شخص من جرّاء الفيضانات التي شهدتها المنطقة الشرقية في ليبيا؛ ولا يزال 8540 شخصاً في عداد المفقودين .فيما أشارت منظمة الجهرة الدولية بأن عدد النازحين تجاوز 43 ألف شخص، منهم 75% نزحوا خارج المدينة.
ووفق لجنة الطوارئ الحكومية تجاوزت نسبة الأضرار 70% في البنية التحتية في درنة، وتضرر 24% من المباني، بين 191 مبنى مدمر بالكامل، و211 مبنى مدمر بشكل جزئي. وانهار 11 جسراً، 6 منها داخل درنة بحسب مصلحة الطرق والجسور.
فيما وصف ممثل منظمة الصحة العالمية أحمد زويتن الوضع في مدينة درنة بالكارثي، وأن مواطنيها بحاجة إلى رعاية صحية ونفسية عاجلة؛ وقال إنّ ما يقارب 800 ألف شخص في المدينة وما جاورها ما زالوا بحاجة إلى رعاية صحية ومساعدات إنسانية.
قرارات ووعود حكومية
وفي ظل هذه المعاناة التي يعيشها أهالي درنة المتضررين، لم يتوقف سيل القرارات بتخصيص مبالغ مالية بدءاً من الاجتماع “الطارئ” الذي عقده البرلمان (شرق البلاد) بعد أربعة أيام على وقوع الكارثة، وخصص فيه مبلغ 10 مليار دينار ميزانية طوارئ للمناطق المتضررة، من دون توضيح آلية صرف هذه الميزانية في ظل الانقسام السياسي، ووجود حكومتين في شرق البلاد وغربها، وبنك مركزي واحد يتبع لحكومة الوحدة الوطنية غرب البلاد.
في المقابل، خصصت حكومة الوحدة الوطنية (غرب البلاد)، 2.5 مليار دينار لصندوق إعادة إعمار درنة بالإضافة إلى البلديات المتضررة. كما أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قراراً بتخصيص 92.8 مليون دينار لصيانة 117 مدرسة ومرفقاً تعليمياً في المدن المتضررة من جراء الفيضانات البالغ عددها 15 في المنطقة الشرقية.
وليست آخر هذه القرارات، قرار الحكومة المكلفة من البرلمان (شرق البلاد) بصرف قيمة تعويضات مالية لصالح متضرري السيول والفيضانات في شرق البلاد.
ولا تزال هذه القرارات ضمن سباق الحكومتين المتنافستين حول ميزانية إعادة إعمار درنة، في ظل توصيات شعبية ورسمية بأن تخضع هذه الأموال لرقابة دولية تجنباً أن يطالها النهب والفساد.