مجلة أمیركية: هكذا هزم الفلسطينيون نتنياهو وأعادوا تعريف الوحدة
نشرت مجلة "كاونتر بانش" الأمیركية تقريرا قالت فيه إن الفلسطينيين هزموا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وأعادوا تعريف مفهوم الوحدة، في إشارة إلى العدوان الأخير على غزة، والذي توحدت فيه فصائل المقاومة في غرفة واحدة، سميت "غرفة العمليات المشتركة".
وقالت المجلة، في تقريرها إن كل الحروب التي شنتها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين على مر السنين قد تم الترويج لها وتبريرها من قبل تل أبيب باسم "الأمن" و"مكافحة الإرهاب".
وخلال العديد من هذه الحروب، لم تكن المقاومة الفلسطينية أكبر تحد لـ"إسرائيل" رغم ثباتها وصمودها. ولطالما كان التحدي يتمثّل في قتل تل أبيب العديد من الفلسطينيين، بما في ذلك المدنيون، دون تشويه صورتها على الساحة الدولية كـ"واحة للديمقراطية والحضارة". ومن الواضح أن "إسرائيل" خسرت معركة العلاقات العامة بسرعة كبيرة، وهي الآن تخسر أيضا نوعًا مختلفًا من المعارك.
وذكرت المجلة أنه على امتداد 75 سنة، منذ قيامها العنيف على أنقاض فلسطين التاريخية في أيار/ مايو 1948 وحتى أحدث حروبها على غزة المحاصرة في التاسع من شهر أيار/ مايو، كان تاريخ الاحتلال مرتبطًا بالعنف. وقد سمحت الدعاية الغربية الموالية لـ"إسرائيل"، إلى جانب التلاعب الإسرائيلي الماهر بالحقائق وإعادة كتابة التاريخ، بتبرير العنف وإلقاء اللوم على العرب الذين هاجموا الكيان الصهيوني، بدون دافع، مرارًا وتكرارًا، وعلى "الإرهابيين" الفلسطينيين المزعومين من جميع الأطياف الأيديولوجية، الاشتراكيين، العلمانيين ومؤخرا "المتطرفين الإسلاميين". بحسب وصفها
ولسوء الحظ، عملت الحسبرة الإسرائيلية على حظر أصوات الفلسطينيين تقريبًا في جميع جوانب الحياة. ويستمر هذا الحظر حتى يومنا هذا، وقد امتد ليصل إلى منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، وعلى رأسها "فيسبوك".
ولكن النضال من أجل الحقيقة والنزاهة الفكرية وحرية التعبير مستمر، وباتت النجاحات الفلسطينية الآن أكبر بكثير من كل المحاولات التي قام بها الاحتلال وحلفاؤه والداعمون له لفرض الرقابة أو تجاهل أو قمع الصوت الفلسطيني.
وأشارت المجلة إلى أن أيام التستّر على جرائم الاحتلال قد ولّت. وهناك أسباب تجعل الدعاية الصهيونية تعيش أسوأ أيامها. فبغض النظر عن القوة والتأثير الذي يتمتع به المثقفون الفلسطينيون والنشطاء على منصات التواصل الاجتماعي والعديد من المنصات المتاحة لهم من خلال شبكات التضامن العديدة حول العالم، أصبحت الدعاية الصهيونية ضعيفة وغير مقنعة.
وحسب المجلة، يعتبر الاحتلال مجتمعا مجزءا. وفي حين أن الإسرائيليين غالبًا ما يتحدون في أوقات الحرب، فإن وحدتهم هذه المرة ضعيفة وغير مثيرة للإعجاب. وقد أدى صعود حكومة يمينية متطرفة، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتورط في الأزمات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى اندلاع احتجاجات جماهيرية هزت المدن الإسرائيلية منذ ذلك الحين. واحتاج نتنياهو المحاصر إلى منفذ لتوحيد الإسرائيليين الغاضبين، ولإرضاء وزرائه اليمينيين المتطرفين وقد اختار مهاجمة غزة.
وذكرت المجلة أن خيار تصدير الأزمات الإسرائيلية السياسية إلى فلسطين ليس سوى استراتيجية قديمة. ونظرًا لتصاعد المقاومة الفلسطينية القوية في السنوات الأخيرة، لم تعد الحرب على غزة خيارًا سهلًا. كانت حرب أيار/ مايو 2021، التي أطلق عليها الاحتلال اسم "حارس الجدران" بينما أطلق عليها الفلسطينيون اسم "سيف القدس"، مثالًا على ذلك إذ كانت بمثابة تذكير مؤلم بالنتائج العسكية التي يمكن أن تنجرّ عن التقديرات الخاطئة لتل أبيب.
لذلك لجأ نتنياهو إلى خيار مختلف، تمثّل في شنّ حرب صغيرة تستهدف مجموعة فلسطينية واحدة في منطقة معزولة في وقت واحد، مثل مجموعة عرين الأسود في نابلس والجهاد الإسلامي في غزة. ولم يكن اختيار نتنياهو مهاجمة غزة واغتيال كبار قادة سرايا القدس العسكري التابع للجهاد الإسلامي عشوائيًا. فهذه المجموعة قوية بما فيه الكفاية بحيث يمكن لنتنياهو وأنصاره تسويق مثل هذه العملية العسكرية الدموية الحاسمة على أنها استعادة "للردع"، دون أن ينجرف الاحتلال في حرب طويلة ومكلفة مع جميع فصائل المقاومة الفلسطينية في آن واحد.
نجحت هذه الاستراتيجية في الماضي، على الأقل وفقا لحسابات الكيان الخاصة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، شن الاحتلال حربا على حركة الجهاد الإسلامي في غزة، أُطلق عليها اسم "الحزام الأسود". ومع أن الجماعات الأخرى المقاومة أعلنت دعمها لحركة الجهاد الإسلامي آنذاك، إلا أنها لم تشارك في القتال بشكل مباشر.
وعلى امتداد سنوات، أرادت المقاومة في غزة تغيير قواعد الاشتباك مع الاحتلال. وبدلاً من السماح لـ"إسرائيل" بتحديد وقت الحرب ومكانها، استنادًا إلى أجندة تل أبيب الخاصة ودرجة استعدادها، أرادت فصائل المقاومة في غزة أن يكون لها رأي في توقيت هذه المعارك. وقد فشل الاحتلال تماما في فهم الاستراتيجية الفلسطينية واعتقدت أن عملية "الحزام الأسود" تعكس ضعف الفلسطينيين وتردّدهم، والأخطر من ذلك، انقسامهم.
وأضافت المجلة أنه كان ينبغي لحرب أيار/ مايو 2021 وانتفاضة الوحدة أن تنبّه الاحتلال إلى حقيقة أن جماعات المقاومة الفلسطينية لا تزال متحدة، وأن غرفة عمليات المقاومة المشتركة التي تضم حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها، تواصل العمل في انسجام تام.
لقد أراد نتنياهو تجاهل الرسائل الواضحة التي أرسلها الفلسطينيون، ليس فقط في غزة، وإنما أيضًا عبر المقاومة الموحدة في الضفة الغربية، ربما بسبب يأسه الشخصي لصرف الانتباه عن أزماته السياسية المتعددة ومحاكماته بتهمة الفساد. ومهما كان السبب، ظنّ نتنياهو أنه سيتمكن بنجاح من نسخ تجربة "الحزام الأسود"، وتفكيك المقاومة واستعادة "الردع".
وفي أعقاب اغتيال كبار قادة الجهاد الإسلامي - جهاد الغنام وخليل البهتيني وطارق عزّ الدين - في التاسع من شباط/ فبراير، ظهر نتنياهو في مؤتمر صحفي برفقة عدوه اللدود وزير الدفاع يوآف غالانت ليتحدث عن انتصار "إسرائيل" المزعوم. ولكن، لم يدم الاحتفال بالانتصار طويلا فبعد 35 ساعة من الصمت المحير، وبينما كان نحو مليوني إسرائيلي يختبئون في الملاجئ كأنهم ينتظرون عقابهم، ردت المقاومة.
ثم بدأت صواريخ المقاومة تتهاطل على الاراضي المحتلة، مما خلق حالة من الذعر، بدءا من سديروت وأشكلون ونتيفوت وصولاً إلى رحوفوت أو جوش عتصيون. وفجأة، تحوّلت حرب "الردع"، التي أطلق عليها الجيش الاحتلال الإسرائيلي اسم "الدرع والسهم"، إلى كابوس لنتنياهو. مع ذلك، كانت حركة الجهاد الإسلامي فقط تقف وراء هذا الهجوم المرتد، بالتنسيق والدعم من باقي فصائل المقاومة.
ومع أن حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها قد دعمت حركة الجهاد الإسلامي بشكل كامل في قتالها المستمر، ما زال المسؤولون الإسرائيليون يمتنعون عن اللجوء إلى تهديداتهم المعتادة باغتيال جميع قادة المقاومة الفلسطينية. وكان الاستثناء الوحيد تعليقات أدلى بها وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي، يسرائيل كاتز، الذي هدد بالقضاء على قادة حماس الرئيسيين في غزة، يحيى السنوار ومحمد الضيف.
وفي الوقت الراهن، بعد أن تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار مؤقت مساء السبت 13 أيار/ مايو، سيقضي أنصار نتنياهو العديد من الساعات يتحدثون عن النصر الرائع الذي حققوه على "الإرهاب" والعمل على تحريف الحقائق وإلقاء اللوم على الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال.
ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من تحدي قواعد الاشتباك كما لم يحدث من قبل. والأهم من ذلك، أظهر الفلسطينيون أن الوحدة لا يتم التعبير عنها بلغة مبتذلة، إنما هي وحدة المقاومين على الأرض، من غزة إلى نابلس، ومن جنين إلى الشيخ جراح.
المصدر: عربي 21