ما أهمية دور اليمن في مواجهة الكيان الصهيوني؟

بعد ثلاثة أيام من إعلان الكيان الصهيوني شن حربه العدوانية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر، ألقى قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي خطاباً أظهر فيه الموقف اليمني الرافض للحرب، والمساند للفلسطينيين، مؤكداً فيه وقوف اليمنيين مع الفلسطينيين، وأن اليمن ستدخل على الأرض في حال تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا بشكل مباشر في تلك الحرب.

ومع ثبوت الدعم الأمريكي العسكري واللوجستي لكيان الاحتلال في حربه ضد غزة، دخل اليمن ميدان المعركة بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه الكيان المحتل، إذ أعلنت الحركة مسؤوليتها رسميا عن الهجمات الثلاث التي شنتها على الكيان بدءا من يوم 19 أكتوبر، وقد جاء انضمام اليمن لوحدة الساحات تزامنًا مع دخول حزب الله المعركة في الشمال، والهجوم على القوات الأمريكية في العراق وسوريا.

لماذا اليمن؟

يتمتع اليمن بأهمية استراتيجية كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج الفارسي وشبه الجزيرة العربية بشكل خاص فهو يشرف على باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط وخاصة بعد افتتاح قناة السويس، ما جعله مصدر اهتمام القوى الدولية على مر التاريخ.

إذ يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي وهو عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا.

فتتجلى الأهمية الاستراتيجية لليمن بدءاً بباب المندب، ما يجعل الاهتمام بأمنه واستقراره مسألة لا تعني اليمن فحسب وإنما دول الخليج الفارسي وربما الدول العربية بصفة عامة.

وانطلاقا من أن اليمن هو البوابة الجنوبية لمنطقة الشرق الأوسط، فإن السيطرة عليه، والتحكم بمضيق باب المندب يعد حاجة استراتيجية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك لدى القوى العالمية الكبرى الصاعدة وفي مقدمتها الصين وروسيا، إضافة إلى القوى الإقليمية الكبرى الراغبة في تعزيز حضورها الإقليمي.

ومن جهة ثانية فإن اليمن يطل على “طريق الحرير الصيني”، وهو أحد أبرز وأهم المحطات ضمن مشروع الصين “الحزام والطريق” أو كما يعرف “طريق الحرير الجديد”، إذ يشمل طريق الحرير الصيني – الدولي غالبية دول العالم في مختلف القارات، ولذلك تزداد أهمية اليمن تبعاً لانضمامها إلى هذه المبادرة الصينية – الأممية.

اليمن والصراع العربي الإسرائيلي

لليمن أهمية خاصة في العصر الحديث بالنسبة للمنطقة العربية والصراع من أجل السيطرة العالمية عليها، ولا سيما ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي.

ويتحدث حسنين هيكل عن أهمية اليمن في الخطة العامة التي وضعها جمال عبد الناصر من أجل مساندة الثورة فكان لمصر الدور الأساسي في تفجيرها آنذاك إذ رأى عبد الناصر، الذي احتلت فلسطين مكانة كبيرة لديه، أن من سيطر على فلسطين يهدد سيناء ومن سيطر على سيناء سيطر على قناة السويس، ومن سيطر على القناة سيطر على مصر والبحر الأحمر ومن سيطر على مصر سيطر على الوطن العربي كله.

وقد حاول كيان الاحتلال طوال الفترة بين حربي 67 و73 تحقيق أفضليّة في معركة السيطرة على جنوب البحر الأحمر، لكن العرب استطاعوا، تحقيق تقدّم على الكيان طوال عقد السبعينيّات، وفي فترة بين الحربين تحوّل اليمن الجنوبي إلى قاعدة تدريب وانطلاق للجبهتين الشعبية والديمقراطيّة لتحرير فلسطين.

وساهم اليمن في محاصرة الكيان عام 1967، وبعدها أغلق اليمن الشمالي والجنوبي، بالتعاون مع سلاح البحريّة المصري، باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيليّة في حرب 1973، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عقد التسعينيّات تحقق للكيان حريّة الملاحة جنوب البحر الأحمر.

إذ شارك الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة عليه، وذلك عقب استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1991، وإقامتها علاقات سياسية وعسكريّة ممتازة مع الكيان، ما أدى إلى تعطيل الدور اليمني في جنوب البحر الأحمر.

احتلّت قوات إريترية في نهاية عام 1995، جزيرة "حنيش الصغرى" اليمنية، مدعيّة أنها جزء من أراضيها، وبدأت اشتباكات محدودة بين اليمن وإريتريا استمرّت لأسابيع، انتهت بعد ذلك بالتحكيم الدولي واسترجاع اليمن للجزر المحتلّة.

واتّهم حينها النظام اليمني الكيان الإسرائيلي بمساعدة القوات الإريترية في احتلال الجزيرة، مستندين إلى بعض الدلائل ومنها زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لتل أبيب في العام نفسه، والعلاقات العسكرية والدبلوماسية المتطورة بين إريتريا والكيان، ولأن جنوب البحر الأحمر كان مؤمّناً نظرياً وعملياً لحريّة الملاحة الإسرائيليّة، بفعل دخول الصومال في حرب أهليّة طاحنة، ووجود القاعدة العسكريّة الفرنسيّة في جيبوتي وتحالف الكيان مع إريتريا.

اليمن والدخول إلى الميدان

إن طوفان الأقصى تعد المعركة التي جاءت باليمن مجددا إلى حلبة الصراع العربي الإسرائيلي المباشر، وفق ما ذكر الكاتب السياسي اليمني علي شرف المحطوري، فهو يدشن مرحلة جديدة من هذا الصراع وهو البعيد جغرافيا عن أرض فلسطين، لكنه قريب بالهمة والإرادة والجرأة على اتخاذ القرار.

وذكرت القوات المسلحة اليمنية أنه تم إطلاق العديد من الصواريخ والطائرات المسيّرة من اليمن إلى فلسطين المحتلة، وأنه لا توجد خطوط حمراء بهذه المعركة، فباب المندب والبحر الاحمر تحت مرمى للقوات المسلحة اليمنية، إذ إن قصف منطقة إيلات جنوب فلسطين المحتلة بالصواريخ والمسيرات عمليةٌ يمنية يطالب بها الشعب اليمني وقد وعد بها السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، انتصارا لأهل غزة أمام ما يتعرضون له من مجازر إسرائيلية وحشية.

ولم يكتفِ اليمن بإطلاق الصواريخ والمسيرات بل قام بتنفيذ مناورات عسكرية بعث بها برسائل للعدو الصهيوني أن غزة لن تكون وحدها، وأن اليمن قادر أن يضاعف من عملياته العسكرية بالشكل الذي يكون له أثر على طبيعة المعركة القائمة ضد غزة، وهناك رسالة أخرى أنه لا يحق لأمريكا أن تمنح الكيان الغطاء السياسي والعتاد العسكري، وتمنع على الآخرين أن يقفوا مع غزة، فمن يتحمل المسؤولية جراء اتساع المعركة هم الأمريكيون والصهاينة بارتكاب المجازر بحق المدنيين في غزة.

فقد ألقى السيد عبد الملك الحوثي، خطابًا حماسيًا في 10 أكتوبر، بعد ثلاثة أيام من شن الحرب على غزة، قال فيه نحن نتابع باستمرار ما يحدث في غزة وننسق بشكل مستمر مع إخواننا في محور المقاومة، ونحن جاهزون للمشاركة في هذا التنسيق بحسب المستويات المخطط لها.

وقد انضمت حركة أنصار الله فعليا للمعركة إلى جانب حماس، وبدأت الهجمات، وأهمها كانت في 19 أكتوبر، وإذ أطلقت صواريخ كروز وطائرات مسيّرة، اعترضتها سفن أمريكية في البحر الأحمر، وأنظمة اعتراضية في السعودية، بعد أن مر صاروخان فوق أجوائها، وقال جيش الكيان، إنه اعترض صاروخاً أُطلق من اليمن نحو فلسطين.

وانحصر الرد الإسرائيلي بإجراءات احترازية غير مباشرة لأسباب تتعلق بعدم وجود موافقة أميركية، إذ تخشى الولايات المتحدة من إغلاق اليمنيين مضيق باب المندب وإيقاف حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر الذي يمر من خلاله جزء كبير من تدفقات النفط، ما سيلحق أضرارًا هائلة بالاقتصاد العالمي، وخاصة قبل بدء موسم الشتاء.

ومن تلك الإجراءات، أنه أصدر تعليمات لناقلات النفط التي تبحر من الشرق الأقصى باتجاه إيلات بعدم عبور مضيق باب المندب والاستمرار نحو رأس الرجاء الصالح وتجاوز إفريقيا وللوصول إلى فلسطين عبر البحر الأبيض المتوسط، وزيادة الوجود البحري العسكري للكيان في البحر الأحمر.

إذ تنسق حركة السفن الإسرائيلية قبالة سواحل اليمن بشكل كامل مع فرقة العمل البحرية التي أنشأتها الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تقوم بدوريات على طول هذه السواحل وتعمل على تحييد أي خطر يتمثل في الزوارق المتفجرة، والألغام البحرية، والفرق اليمنية التي تسيطر على السفن.

ورغم دخول اليمن ساحة الصراع إلا أن هناك بعض الأسباب التي تقلل قدرتهم على استهداف الكيان، فالساحة اليمنية تبعد عن إيلات حوالي ألفي كيلومتر، ما يحصر القدرة على الهجوم بشكل أساسي بالقدرات الجوية والبحرية وهذا العامل يسهل على الكيان وشركائه التصدي للهجوم اليمني.

وربما عدم قدرة اليمنيين على إلحاق أضرار كبيرة بالكيان حتى الآن سيشجعهم على إيجاد طرق عمل أخرى، يكون الاستهداف فيها أكثر تحقيقا للهدف، فالرغبة لدى اليمنيين موجودة، والقدرات العسكرية والجهوزية كما بدا لنا من تحركها بعد طوفان الأقصى، في أحسن أحوالها، فما هي المفاجآت اليمنية القادمة؟

 مجد عيسى

المصادر:

1- https://cutt.us/Kbi6B

2- https://cutt.us/7K7At

3- https://cutt.us/vqAEa

4- https://cutt.us/NFDqI

5- https://cutt.us/XZrcK

6- https://cutt.us/7ioq2

7- https://cutt.us/OcBpy