كذبة حقوق الإنسان تهتز أمام زلزال السوريين
كاسرةً حاجز العقوبات، غير آبهة بـ”قيصر” أمريكا، هبّت العديد من الدول لمدّ يد العون إلى السوريين المنكوبين في المناطق التي تأثرت جراء الزلزال الذي ضرب، قبل أيام، منطقة لواء اسكندرون، عابرين الحدود، التي عملت واشنطن على إغلاقها بحجج واهية، لإنقاذ الضحايا وإزالة الأنقاض وإسعاف الجرحى.
آلاف الضحايا في المناطق المنكوبة، انتظروا لأيام من ينتشلهم من تحت الأنقاض، في ظلّ ضعف الإمكانيات، وقلة المعدات لدى الحكومة السورية، نتيجة الحرب التي استنزفت كل مقدراتها، وزادت عليها العقوبات القسرية التي فرضها الغرب لمنع إعمار سورية، وتضييق الخناق عليها، ليأتيهم الإنقاذ من دول عديدة لم تنتظر الضوء الأمريكي الأخضر لنجدة السوريين، في وقت يعاني بعضها من ويلات العقوبات أيضاً، إلا أن وحدة الإنسان كانت هي المحرك لهم، والغاية الأساسية التي التف حولها الجميع.
مساعدات مالية وإغاثية، فرق إنقاذ وحماية مدنية، أدوية ومسلتزمات طبية، كانت منعتها عقوبات واشنطن الأحادية الجانب من دخول الأراضي السورية، فضلاً عن تجهيزات ومعدات إنقاذ وغيرها، كلها حطّت في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، قادمةً من دول شقيقة وصديقة، متحديةً كل “قياصرة” البيت الأبيض، رافعة راية الإنسانية وحدها، تلك التي يتشدّق بها الغرب كل حين، أو بالأصح يتخذها ذريعة كلما طاب له احتلال بلد أو نهب ثرواته.
فالغرب الذي صادق على ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وأخرج للعالم أكبر منظمة دولية لصون السلم والأمن العالميين، من وجهة نظرهم بالطبع، غضّ الطرف عما يحدث في سورية، وكأن مواثيقه التي وقع عليها لا قيمة لها أمام أهدافه ومصالحه، وهي عكس ما ورد في الإعلان عنها بأنها تهدف لحلّ المشكلات الدولية وتعزيز احترام حقوق الإنسان.
مؤسّسو الأمم المتحدة، البديلة عن عصبة الأمم، أرادوا منظمة ذات طابع دولي لاستخدامها كأداة تمكّنهم من فرض رؤيتهم حول النظام الدولي الجديد الذي يطمحون إليه، بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية، يريدون شكلاً جديداً للاستعمار يبقون من خلاله المتحكمين الوحيدين بمصائر الأمم وشؤونها.
وانطلاقاً من هذه التطلعات والرؤى، جرّت الولايات المتحدة، الدول الحليفة لها وغيرها، في شرك الأوهام المتمثل بالأمم المتحدة، ومجالسها وهيئاتها العاملة تحت ستارها التي بدأت بالظهور تباعاً بمزاعم وحجج مختلفة، ومن بينها كان مجلس حقوق الإنسان، الكذبة الأكبر التي ضحكت فيها واشنطن على العالم أجمع، تحت شعار حق الجميع بالحياة الآمنة والحرية وتقرير المصير.
وللمفارقة، فإن الإعلان عن هذا المجلس، الذي يُدعى مجلس حقوق الإنسان، جاء في السنة نفسها التي سُلبت فيها أراضي الشعب الفلسطيني منه، وهُجر أبناؤه إلى أقاصي الأرض، ليحلّ محلهم مستوطنو كيان غاصب، هذا الكيان الذي من أجله تُعلي واشنطن صوت حقوق الإنسان، ولحمايته تنسحب من الهيئات الأممية التي تنحاز ضده، ولغيره لا تأبه بأي حق من الحقوق المعلن عنها.
لن نجادل هنا حيال مزاعم الولايات المتحدة في حماية حقوق الإنسان، ولن ندخل في سجال ازدواجية المعايير التي تفرضها على الانتهاكات الواقعة على تلك الحقوق في مناطق عدة، فهي التي وضعت هذا الشعار الأجوف لترفعه كسياط تهدّد به من يخالفها، وتردع من خلاله من يحاول أن يحيد عن سياساتها.
المضحك في تعامل الإدارة الأمريكية مع هذا الحق، أن وزارة خارجيتها تصدر تقريراً سنوياً عن انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، وعليه تختار واشنطن شكل التدخل في شؤون الدول، بحسب التصنيفات المتبعة، متناسيةً ما تقوم به قواتها في مناطق انتشارها أو مرتزقتها الذين يعملون تحت أمرها من قتل وتخريب وتهجير وطمس لكل ما له علاقة بحقوق الإنسان.
وتحت مسمّى الإنسانية تمرّر واشنطن خدعها وأكاذيبها، وتمارس تضليلها على الرأي العالمي، عبر هذه المنظمة التي ابتدعتها لتوسيع مخططاتها الاستعمارية ونهب ثروات الشعوب وخيراتها ومصادر طاقتها، الطاقة التي عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، طوال سنوات الحرب على سورية، على سرقتها وحرمان السوريين منها، الأمر الذي أثر على عمليات إنقاذ متضرري الزلزال، نتيجة نقص الوقود اللازم لعمل آليات الإنقاذ وسيارات الإسعاف، ورغم ذلك بقيت واشنطن مصرّة على حرمان السوريين من نفطهم، حتى بعد رفعها الخجول للعقوبات، إذ لم تضمّن النفط الذي يحتاجونه ولا التجهيزات والمعدات الآلية ولا حتى المواد الطبية في استثناءاتها.
بالتأكيد، لم يتخذ البيت الأبيض هذا الإجراء الضعيف والمخاتل لأنه أراد مساعدة الشعب السوري والتخفيف عنه في محنته، بل كان من أجل تحسين سمعته أمام الرأي العام العالمي، وخاصة بعد الحملة الكبيرة التي قام بها السوريون في الداخل والخارج لرفع العقوبات عن بلادهم، حيث أظهروا مكر واشنطن وبيّنوا زيف ادّعاءاتها فيما يتعلق بشعارات حقوق الإنسان، فما كان منها إلا الإقدام على هذه الخطوة الناقصة، والتي لا ترقى لمستوى الحدث والمصاب الجلل الذي حلّ بالشعب السوري.
تجميد العقوبات لمدة ستة أشهر لا يكفي لإعادة ترميم ما دمّره الزلزال، خاصة وأن سورية لم تُعافَ بعد من آثار التدمير الممنهج الذي لحق ببناها التحتية وإمكانياتها ومقدراتها طوال اثنتي عشرة سنة من عمر الحرب عليها، لذا لا بد من رفع كامل للعقوبات القسرية الأحادية الجانب المفروضة عليها ظلماً وبهتاناً.
ولكن طالما أن مصالح الولايات المتحدة ما تزال هي الطاغية على إدارة المنظمات الدولية المعنية بالحقوق والدفاع عنها، فلا يمكن التعويل بشكل فعليّ على اتخاذ تلك الهيئات والمجالس، التي وضعت مبادئها على أساس ما يريده ساسة البيت الأبيض، قراراً منصفاً بحق شعب من الشعوب، ولكننا على يقين بأن إرادة الشعب السوري ستنتصر في النهاية، وكما استطاع كسر جبروتهم بصموده وتماسكه، سيتمكّن من كسر أغلالهم التي فرضوها عليه لمنعه من إيصال صوته والمطالبة بحقوقه.
المصدر: البعث