فنلندا بعد عضوية الناتو، ماهي التحديات؟
بعد عدة محاولات بين أخذ و رد أصبحت فنلندا عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقد غيرت سياسة الحياد التي كانت عليها. لكن هذا البلد يدرك جيداً أن العضوية في حلف شمال الأطلسي سيكون لها تحديات متعددة.
بعد عدة محاولات بين أخذ و رد أصبحت فنلندا عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقد غيرت سياسة الحياد التي كانت عليها. لكن هذا البلد يدرك جيداً أن العضوية في حلف شمال الأطلسي سيكون لها تحديات متعددة. ولعل هذا هو السبب وراء سعيها منذ بداية عضويتها في هذا الميثاق إلى توسيع رؤيتها الاستراتيجية في مختلف المجالات، ولا تقتصر على روسيا فقط.
إلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى أن النهج الجديد الذي تتبعه هذه الدولة هو التركيز على بحر البلطيق والتعاون المكثف مع دول الشمال لتحقيق أهداف مختلفة. هلسنكي أقرب إلى سانت بطرسبرغ من ستوكهولم. ومع حدودها التي تبلغ مع روسيا بطول 1300 كيلومتر، ليس لدى فنلندا أي شك بأنه من الممكن أن تأتي منه التهديدات المحتملة، كما أن البلاد لديها ذكريات مريرة عن حقبة الحرب العالمية الثانية، وهي القضية التي أثرت على انضمام البلاد إلى حلف شمال الأطلسي.
إذا حدث تهديد عسكري جدي فيمكن للقوات المسلحة الفنلندية المتواضعة نسبيًا أن تحشد في وقت قصير جيشاً احتياطيًا يبلغ 280 ألف مقاتل. من الناحية النظرية، يمكن استدعاء إجمالياً 870 ألف فنلندي تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا للخدمة العسكرية. وهذا مستوى تعبئة جيد في بلد يبلغ عدد سكانه 5.5 مليون نسمة، وهو عدد مماثل لعدد سكان نيوزيلندا. لطالما حظي التجنيد الإجباري بدعم واسع النطاق في فنلندا، ولكن منذ الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2020، زادت شعبية التجنيد لدى الجمهور. إن مفهوم فنلندا "للدفاع الشامل" يشبه إلى حد ما مفهوم سنغافورة، مع عدد مماثل من السكان. ويظهر كلا البلدين أن القوة البشرية المحدودة لا تشكل عائقاً أمام وضع دفاعي يعتمد على القدرات الذاتية، ومن الممكن أن تكون هناك قوة دفاعية جيدة تعتمد على هذا العدد القليل من السكان.
لقد أدى انضمام فنلندا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي إلى زيادة كبيرة في القدرات والممارسات الهامة التي كانت تطمح إليها في إطار الدفاع والأمن الجماعي لأوروبا، وخاصة استناداً إلى المادة 3 من معاهدة شمال الأطلسي، حيث أصبح هذا البلد عضواً رئيسياً في الإتحاد. في التسعينيات بينما جنت دول أوروبية أخرى فوائد السلام ما بعد الحرب الباردة، لم تتخلى فنلندا أبدًا عن تعزيز أمنها وحافظت على نظامها القائم على التجنيد الإجباري. وخلافاً لأغلب الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، تحتفظ فنلندا بترسانة كبيرة، و قد اعتمدت على ذاتها منذ الحرب الباردة في الفترة 1939-1940، والذي ينبغي الآن الالتفات إليه على نطاق أوسع في أوروبا في ضوء تجارب أوكرانيا في ساحة المعركة. وبعد زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير اعتبارًا من عام 2020، انضمت فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وخصصت أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، بما في ذلك التزام بقيمة 10 مليارات دولار لشراء 64 طائرة مقاتلة من طراز F-35A. . وتقوم قيادة القوى البحرية في هذا البلد باستبدال زوارق المراقبة الدورية وكاسحات الألغام بسفن جديدة[1]. في الواقع، يتم تحسين الإستراتيجية العسكرية لهذا البلد وتسعى إلى تغطية نقاط ضعفها. كما أن السبب المهم الآخر الذي شجع فنلندا على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي هو ضمها تحت مظلة الدفاع النووي، وهي مسألة ذات أهمية كبيرة وعلى المدى القصير والمتوسط لم يكن لدى فنلندا خطة لذلك، وهذه العضوية ملأت الفجوة الكبيرة التي كانت تطمح لها بعضوية حلف شمال الأطلسي ومن شأنها أن تعزز دفاع فنلندا وأمنها، ولكنها قد تجعل البلاد أيضاً هدفاً للانتقام دون الدخول لعتبة الصراع المسلح على الساحة الدولية الأوسع. في الواقع، أصبحت فنلندا الآن مكانًا للاستيطان ولعبة القوى العظمى، وقد يكون لذلك تكاليف باهظة بالنسبة لهم. على سبيل المثال، يعدُّ التخريب في كابلات الألياف الضوئية و انفجار خطوط أنابيب الغاز من بين هذه التحديات الجديدة التي يجب على هذا البلد التعامل معها ومواجهتها[2].
بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة النفقات الدفاعية والعسكرية أدت إلى انخفاض مستوى نفقات الرعاية الاجتماعية، وهو ما يمكن أن يخلق تحديات اجتماعية لهذا البلد في المستقبل، وهو أمر يمكن رؤيته هذه الأيام من خلال سياسات الدولة وتصرفات حكومة هذا البلد في مجالات الرفاهية وهذا ما يؤكد ذلك[3].
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت فنلندا الآن هدفاً مشروعاً للضغط على حلف شمال الأطلسي وأوروبا، ويمكن لروسيا أن تتحدى حلف شمال الأطلسي من خلال نشر أنظمتها الدفاعية والنووية على حدود هذا البلد، وربما يؤدي خطأ في الحسابات إلى حرب مدمرة.
لذلك، ربما كانت عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد جلبت لهم الأمن العسكري، لكن إلى جانب ذلك، من المحتمل أن يواجهوا تحديات عسكرية كبيرة في المستقبل.
[1] www.iiss.org
[2] nationalinterest.org
[3] www.euronews.com