عزوف الشباب عن الخدمة في جيش الاحتلال.. الأسباب والنتائج؟
يتزايد عزوف الشباب الصهيوني عن الخدمة والتجنيد في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، وفقاً لتقارير عبريّة، وقد أظهر استطلاع لمراكز التجنيد في الجيش الصهيوني أن الشباب الصهيوني لا يريدون الخدمة في الجيش ويهربون منه، وذلك بالتزامن مع أخبار كثيرة سمعت مؤخراً حول التمرد عن الخدمة العسكريّة احتجاجاً على أسباب كثيرة أغلبها يتعلق بما وصلت إليه "إسرائيل" وبالأخص مع قدوم حكومة الفاشيين، في وقت يحذر عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين من فوضى داخل الجيش الإسرائيلي قد تؤدي إلى انهيار "إسرائيل"، وقد نشر إعلام العدو في الفترة الماضية معلومات كثيرة حول تمرد الجنود وإلقاء السلاح في بعض الوحدات العسكرية، حيث بات يتصدر الجانب العسكريّ المهم، والروح المعنويّة والقتاليّة والانخراط في قوات العدو الواجهة الإعلامية والسياسية في الكيان، في ظل اعترافات القيادات الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة بأنّ جيش العدو يعاني من ترهل بشري وعسكري، سيشكل عائقاً في تحقيق أيّ انتصار، ناهيك عن تعرض قوات العدو لانتقادات شديدة حول تردي مستوى الجيش ووجود سلسلة من المشاكل وخاصة في سلاح البر، والمشكلات على المستويات اللوجستية والتكنولوجيّة والتنفيذيّة، وبالأخص معضلة الثقافة التنظيمية، وهي مشكلة عميقة لم يتم التطرق إلى محاولة حلها حتى، ما ينذر بنتائج لا يحمد عقباها.
استطلاعٌ صادم
نتائج الاستطلاع الذي أجراه موقع عبري لـ "دائرة قياس السلوك" التابعة لجيش الاحتلال التابع للكيان الصهيوني، أظهرت أن الدافع للانضمام إلى "الوحدات القتالية" في جيش هذا الكيان وصل إلى أدنى مستوى له، عقب ترك جنود الاحتياط الخدمة ما قد يقلب الجيش الإسرائيلي رأسا على عقب، فيما يمكن الحديث في "إسرائيل" عن انفجار قريب، وخاصة مع تضاؤل التضامن نتيجة انقلاب الإصلاح القضائي، وفي الشهرين الماضيين، ذهب جنود الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي أبعد مما كانوا يتخيلون، بقلوب ثقيلة أوقفوا خدمتهم احتجاجا على التشريع لقلب نظام الحكم في الكيان، وقد حذر ضباط كبار في هيئة الأركان العامة وإلى حد ما وزير الدفاع يوآف غالانت، من الأضرار التي لحقت بالجيش الإسرائيلي، ولكن أيضا من الوضع الاستراتيجي الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوسط، وكله في غير مصلحة الإسرائيليين.
ولا بدّ من ربط نتائج الاستطلاع الأخير بالتغييرات التي يخطط لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في النظام الصهيوني ومعارضتها الشرسة، ما يعني احتمالية كبيرة في قلب كل الموازين لدى العدو وعلى رأسها العسكرية التي تبقي استعماره، وإن الاحتجاج المتصاعد لم يقتصر على من لديه خدمة بل حتى من قبل الجنود في جيش الدفاع الإسرائيلي، فمنذ حوالي شهر، ذكرت صحيفة "هآرتس" مخاوف على رأس الجيش الإسرائيلي حيث اجتاحت موجة الاحتجاج جنود الاحتياط في سلاح الجو، وتوسعت تدريجياً لتشمل مجموعات رئيسية أخرى بما في ذلك العمليات الخاصة والاستخبارات العسكرية، والآن مئات من الطيارين الاحتياطيين والملاحين أوقفوا خدمتهم.
وفي الوقت الذي كشف فيه موقع "الحركة من أجل حرية المعلومات" العبري في تقرير له عن استطلاع أخير أجراه جيش الكيان الصهيوني لحوالي 40٪ من الشباب الخاضعين للخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة أن دوافعهم للانضمام إلى "القتال" في وحدات جيش هذا الاحتلال وصلت إلى أدنى مستوياتها، وجاءت تلك المعلومات عقب أيام قليلة على أنباء إلقاء جنود كتيبة في الجيش أسلحتهم العسكرية، حيث غادروا مقر وحدتهم العسكرية وتركوا أسلحتهم احتجاجا على نقل قائدهم العسكري من لواء "جولاني" وهو لواء مشاة يضم النخبة داخل جيش الاحتلال إلى لواء المظليين، وقد سمعنا كثيرا عن جنود الاحتياط من وحدات متعددة في جميع أنحاء الجيش يعلنون أنهم لن يحضروا للخدمة، وبالأخص منذ مضي حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قدماً في خطتها للسيطرة على القضاء.
ووفقاً لهذا التقرير، وحسب استطلاع آخر أجري في فلسطين المحتلة في كانون الأول من العام الماضي، فإن 66٪ فقط من الرجال أبدوا استعدادهم للانضمام إلى الوحدات القتالية، في حين تشير احصائيات 2020 الى اتجاه 73٪ منهم، لكن هذا التقرير كشف أن هذا الرقم وصل إلى أدنى مستوى له في السنوات الأخيرة، ما يشير إلى انخفاض مستمر في الرغبة في التجنيد والانضمام إلى الوحدات القتالية التابعة لجيش الاحتلال، كما أن هذه البيانات تتماشى مع بيانات متسقة تشير إلى أن نسبة الجنود المجندين في الجيش الإسرائيلي قد انخفضت بشكل عام، بينما في الوقت نفسه ازداد عدد الفارين من الخدمة العسكرية بنسب مجهولة يخفيها الكيان، فيما كتبت وسائل الإعلام العبرية أنه مع استمرار هذا الوضع، هناك شائعات حول انتهاء فكرة ما يسمى "جيش الشعب".
نتائج وخيمة
في السابق، أي منذ بداية الأزمة الحادة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها القوات العسكرية للكيان، هدد مئات من جنود الاحتياط في الجيش بالانسحاب من الخدمة التطوعية احتجاجًا على خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي تسعى إلى تحييد سلطة القضاء وحماية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الإطاحة به بتهم الفساد، فيما توقف المئات من جنود النخبة الاحتياطية في قسم العمليات الخاصة بالمخابرات العسكرية ووحدات الحرب الإلكترونية عن عملهم، ويقول مئات آخرون إنهم يخططون لفعل الشيء نفسه، لكننا اليوم وصلنا لمرحلة أخطر وهي التخلف عن الخدمة ما يضع جيش العدو في دائرة الانهيار وهذه ليست مبالغة فمن يقرأ تصريحات أبرز وأهم المسؤولين الصهاينة يدرك أن ما يجري ليس بالأمر السهل.
وكما رفض جيش اللاحتلال الكشف علنا عن عدد جنود الاحتياط الذين تمردوا ويزداد عددهم تغيب الاحصائيات التي يمكن أن تحوي أرقاما مخيفة للجيش الذي كان يوصف من قياداته "الجيش الذي لا يقهر"، وحسب الإعلام الأمريكيّ، فإن القيادة العسكرية العليا الإسرائيلية قلقة أيضًا بشأن إمكانية استقالات من الجنود المتفرغين،رغم نفي متحدث من مكتب رئيس الوزراء أن قادة عسكريين أبلغوا نتنياهو "بأي تهديد للقدرة العملياتية للجيش"، ومع ذلك وصف رئيس الوزراء التمرد المتزايد بأنه "خطر رهيب على دولة إسرائيل"، وفي الغالب سيدفع فشل العدو في ضبط تلك الظاهرة إلى التستر الأعمى على الجمر الذي سيحرق كيان الاحتلال، لإخماد نيران الفضائح التي تطال جيش العصابات الصهيونيّة الذي قتل الآلاف من الفلسطينيين، وقد عبر خبراء ومطلعون صهاينة عن قلقهم العارم بشأن التداعيات المحتملة لما يجري من ناحية تعزيز جيش الحرب الإسرائيلي، وخشيتهم أن يتم انهيار هذه المؤسسة العسكرية المهمة التي تستخدم كأداة دموية داخل فلسطين للحفاظ على السرطان الاحتلالي.
في الختام، يعد الانهيار العسكريّ الذي تعيشه تل أبيب هذه الأيام رسالة مفادها بأن الإسرائيليين اقتربوا من لعنة الـ80 التي ينتظرها كيان احتلالهم، في وقت يزداد ذلك الوضع في جيش العدو سوءاً بالتزامن مع سياسة الصمت المطبق لقيادات العدو، وعدم إظهار الواقع السيء في الجيش كما هو على المستوى السياسي، فيما تؤكد تقارير أنّ المشكلة ليست فقط فيمن يتخلف عن الخدمة بل في الجنود الصهاينة الذين يهملون أسلحتهم بعد التدريبات، ولا يقومون بصيانتها حتى، فيما لا يتم استغلال أفضل الوسائل التكنولوجية، وتراجع مستوى جاهزية الكيان وهزيمة خططه بما يشكل خطراً وجوديّاَ عليه، وقد فشل جيش العدو في التجنيد والحشد من جهة وتآكل وتقلص دور القوات البريّة في الحروب الدائرة من جهة أُخرى، وقد تحدث الإعلام العبريّ كثيراً عن الإقالات والتعيينات العديدة على أكثر من مستوى، وبين وجود علاقة مباشرة بين أداء وهزيمة مسؤولي الجيش الإسرائيلي وإقالتهم وتنصيبهم، كما أنّ الأخطاء التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون باعترافهم قد تؤدي بـ "إسرائيل" إلى حافة الهاوية، ويُهدد أساس وجود الصهاينة الاحتلاليّ.
المصدر: الوقت