زيارة الرئيس الايراني الى سوريا: أي تاثيرات على الامن القومي للكيان الصهيوني؟
لافتة كانت الزيارة الاخيرة للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا، في أبعادها وفي رسائلها وفي توقيتها الإقليمي الحساس، وفي توقيتها الدولي الاستثنائي، وحيث حظيت (الزيارة) باهتمام ومتابعة واسعة، سياسيا واعلاميا، كان لمتابعة الاعلام الإسرائيلي لها وقع غير عادي، يمكن ان نستنتج منه أهمية وحساسية وخطورة هذه الزيارة بالنسبة للعدو، بكل ما لهذه العبارات من معنى.
بعض هذه الوسائل الاعلامية العدوة كان لها على خلفية الزيارة، مواقف وتحذيرات غير عادية، تمحورت اغلبها حول خطورتها على "اسرائيل"، بما حملته من رسائل وبما يمكن ان ينتج عنها من مواقف وخطط ومشاريع، ستكون حتما ضد مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي.
فالعنوان المشترك لاغلب هذه الوسائل الاعلامية الاسرائيلية، اعتبر أنّ هذه الزيارة جاءت بهدف تعزيز حلف طهران ــ دمشق ــ حزب الله، وأنّ زيارة رئيسي لسوريا تأتي في توقيت مهم، على المستوى الإقليمي، ورسالتها هي "أننا انتصرنا، وتحالفنا الاستراتيجي لا يمكن كسره".
وفي هذا الاطار، "قال المراسل العسكري في القناة الـ12، نير دفوري، إنّ هناك تعزيزاً للجبهة في مقابل "اسرائيل"، موضحة ان هذا أمر غير جيد ابدا".
من جهة اخرى ايضا وبنفس السياق، ذكرت "القناة الـ13" الإسرائيلية أنّ زيارة الرئيس الإيراني لدمشق تعبّر عن العهد الإيراني الجديد في الشرق الأوسط.
طبعا، من المنطقي جدا ان تكون وسائل الإعلام الإسرائيلية، وباغلبها، قريبة في توجهاتها البعيدة والعميقة من الاستراتيجية التي تخدم مصلحة الأمن القومي للكيان، ولكن، اغلب هذه الوسائل، بمعزل عن التناقضات الواضحة في مواقعها ومواقفها المختلفة، والداعمة منها لحكومة العدو او المعارِضة، لا يمكنها ان تكون بعيدة عن الواقع، وبالتالي لا يمكنها ان تخفي عن الراي العام داخل "اسرائيل" حقيقة ما يجري داخل الكيان او على حدود فلسطين المحتلة، ومن ضمن مصلحة الأمن القومي ايضا، هذه الوسائل مجبرة على نقل ما تعيشه "اسرائيل" اليوم من هواجس، وما يهدد موقعها ووجودها ككيان محتل، يخوض، ومن اجل حماية احتلاله، صراعا استثنائيا، يرتفع مستوى خطورته عليه يوما بعد يوم.
فما هي حقيقة الهواجس الإسرائيلية من الزيارة؟ ولماذا يرى المتابعون، داخل "اسرائيل" وخارجها، أن فيها خطرا على الكيان؟
أولا: بمجرد أن تحصل الزيارة من رئيسي كرئيس دولة محاصرة ومستهدفة منذ اكثر من اربعين عاما، من جبهة غربية واقليمية واسعة، لدولة اخرى (سوريا) تعرضت لعدوان واسع لأكثر من اثني عشر عاما، ومن نفس الجبهة الإقليمية الغربية، فهذا وحده يحمل انتصارا غير عادي لايران ولسوريا معا، وبنفس الوقت، يحمل هزيمة لـ"اسرائيل".
ثانيا، جاءت الزيارة، بما حملته في مضمونها من تحدٍ صاعق لهذه الجبهة الإقليمية الغربية، كتتويج لانتصار الدولتين في حرب شبه كونية، شنت على سوريا وعلى ايران، كحرب استباقية لحماية "إسرائيل" ولتعزيز موقعها العدائي ضد الدولتين، وضد ما تمثلانه على مستوى الصراع الوجودي ضد الإحتلال.
انطلاقا من ذلك، يمكن استنتاج البعد الحساس لما تراه "اسرائيل"، بجانبيها السياسي والاعلامي، من خطورة انتصار ايران وسوريا وطبعا كل اطراف محور المقاومة ضدها، في حربها الاستباقية في سوريا، والتي شنها الغرب لمصلحتها.
فسوريا كدولة حدودية مع فلسطين المحتلة، والتي لعبت وما زالت تلعب دورا محوريا ورئيسيا في دعم انطلاقة حزب الله والفصائل الفلسطينية في معركتي التحرير والمقاومة، تنفض عنها اليوم غبار العدوان الكوني الذي شن عليها، وتتحضر لكي تعود بكامل جغرافيتها وبكامل علاقاتها العربية، رقما صعبا ومؤثرا بمواجهة "اسرائيل"، وكل ذلك يتثبت ويتأكد في سوريا يوما بعد يوم وبدعم واسع ومفتوح من ايران.
وبالمقابل في الجهة الأخرى، تتفرج "اسرائيل" بحسرة العاجز وغير القادر على تغيير هذا الواقع، ورغم مسلسل الاعتداءات الهستيرية التي تشنها على سوريا، تعيش تل أبيب هاجس حقيقة تنامي وتصاعد قدرات المقاومة وامكانياتها الردعية، دون أن تتمكن من إيقاف او عرقلة هذا المسلسل.
ويبقى الأهم والاخطر بالنسبة للكيان المؤقت اليوم، بالاضافة لعودة سوريا، كجسم رئيسي في جبهة مقاومتها، قوية، صلبة ومعافية، ان إيران استطاعت، وبصبرها وحكمتها وبصيرتها، أن تعيد التوازن إلى علاقاتها مع الدول العربية وخاصة الخليجية، لتشكل بهذه العلاقات او عبرها، احد امتن خطوطها الدفاعية، في معركتها التاريخية على مستوى الصراع الواسع ضد "إسرائيل".
شارل أبي نادر