زلزال تركيا أضعف حظوظ أردوغان.. فهل يطيح بالانتخابات؟
بعيدًا عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في 6 شباط/ فبراير الجاري، يبدو أن المشهد السياسي في هذا البلد يتجه إلى مزيد من الـتأزّم، مع تحذير الدوائر الدبلوماسية الغربية وقادة المعارضة في الداخل من النيات الغامضة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الانتخابات الرئاسية والنيابية المقرر اجراؤها في 14 أيار/ مايو المقبل، وعدم استبعادهم استغلاله المأساة التي تمر بها بلاده، كذريعة لتأجيلها، وهو ما يرفضه الغرب نظرًا لتقاطع مصالحهم مع هذه الدولة الحليفة.
فغني عن التعريف أن أردوغان كان وما زال يواجه ــ حتى قبل وقوع الزلزال ـ تحديات غير مسبوقة على المستويات السياسة والمالية (في ظل أوضاع معيشية ضاغطة مثل ارتفاع الايجارات)، فضلًا عن اتهام المعارضة له بممارسة القمع والاستبداد من خلال إحكام قبضته الأمنية على السلطة، واعتقال أنصارها والصحفيين.
أكثر من ذلك، في الانتخابات البلدية الأخيرة في تركيا عام 2019، استولت المعارضة على رئاسة بلديتي أكبر مدينتين وهما اسطنبول وأنقرة. والأهم أن استطلاعات الرأي التي كانت أجريت قبل الزلازل، أظهرت تأخر أردوغان وحزبه بسبب التضخم القياسي المرتفع في البلاد، بالرغم من أنهم قد سجلوا بعض النقاط في أعقاب محاولة الرئيس التركي التوسط في النزاع الروسي ــ الأوكراني.
هل تؤثر تداعيات الزلزال على حظوظ أردوغان لتجديد ولايته؟
في الواقع، يرجح المراقبون الغربيون والاتراك، أن يضرّ الزلازل بشكل كبير بفرص أردوغان في الاحتفاظ بالسلطة. فالحكومة أخطأت في التعامل مع هذه الكارثة منذ اللحظات الاولى، وربما أدى ذلك الى ارتفاع أعداد الضحايا. أردوغان الذي كان (وقبيل الزلزال) أعاد تنظيم وكالة التأهب للكوارث في تركيا، ووضع المقربين من حزب "العدالة والتنمية" في موقع المسؤولية، بات أكثر عرضة للخطر سياسيًا، رغم الاجراءات التي اتخذها للتخفيف من نقمة المواطنين عليه، كمحاولته إلقاء اللوم على مقاولي البناء واعتقالهم، مع غيرهم ممن اتهمهم بخرقهم القوانين، عبر تشييدهم مبانيَ واهية في المنطقة المنكوبة. لكن قد لا يكون ذلك كافيًا لوقف الغضب الشعبي وذلك استنادًا الى الأمور التالية:
- أولًا: سيكون للجغرافيا السياسية كلمة في هذه الانتخابات تحديدًا، وهي لغاية الآن لا تصب في مصلحة أردوغان مطلقًا. فالزلزال ضرب إلى حد كبير المناطق التي كان فاز فيها أردوغان بنسبة تتراوح بين 63 و 74 بالمائة من الأصوات في انتخابات 2018.
- ثانيًا: حاجة الرئيسي التركي مع حزبه "العدالة والتنمية"، إلى مشاركة فعّالة، واقبال جماهيري كثيف مؤيد لهم من قبل أنصارهم هناك، لوقف تيار المعارضة في تلك المناطق.
- ثالثًا: إن المشاكل التي قد تعترض عملية إجراء انتخابات في هذه المناطق (المدمرة خصوصًا)، إلى جانب احتمال حدوث رد فعل عنيف معادٍ لأردوغان، سيصعّب المهمة عليه بشكل كبير.
المفارقة أنها ليست المرة الأولى التي يهز فيها زلزالٌ السياسة التركية. ففي العام 1999، ساعد الزلزال الذي أساءت الحكومة التركية التعامل معه آنذاك، في تسريع صعود أردوغان إلى السلطة عام 2003. أما اليوم، فيطالب بعض حلفاء أردوغان القلقون بتأجيل الانتخابات. واللافت أن الرئيس التركي نفسه لم يؤيد هذه الاقتراحات، لكنه لم يشجبها أو يرفضها، وبالتالي، يمكن أن تكون بالونات اختبار لقياس ما إذا كان الرأي المحلي والدولي سيؤيد التأجيل.
ما موقف الغرب من التأويلات المتعلقة بتأجيل الانتخابات التركية؟
يعطي الغرب أهمية لهذا الاستحاق الانتخابي انطلاقًا من اعتباره أن الديمقراطية في تركيا في انحدار بالفعل، ولذلك يرى أن تأجيل الانتخابات التي كان من الممكن أن تفوز بها المعارضة، من شأنه بنظرهم أن يزيد التوترات في تركيا بشكل كبير، وبالتالي، ليس من مصلحتهم أن يشاهدوا أنقرة، وهي حليف حيوي في حلف شمال الأطلسي، تنزلق أكثر إلى الانقسام الداخلي أو المعسكر الاستبدادي.
من هنا، يعتبر ساسة غربيون أنه لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن بعض الأوراق التي يمكن أن يلعبها، لحث أردوغان على المضي قدمًا وإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، كالتلويح بحجب المساعدات الاقتصادية المقدمة من الولايات المتحدة والمنظمات المتعددة الأطراف واستغلال هذه الكارثة للضغط على أردوغان وحكومته.
أكثر من ذلك، يطرح هؤلاء السياسيون الغربيون رمي الجزرة لأردوغان الذي يطالب الولايات المتحدة برد 1.4 مليار دولار كانت قد دفعتها تركيا للحصول على طائرات F-35 تمتنع واشنطن عن اعادتها كعقاب لانقرة، بعد شرائها صواريخ مضادة للطائرات روسية الصنع، وبالتالي اقناع بايدن بالموافقة على رد هذه الأموال بشرط إجراء الانتخابات في أوانها المحدد.
بالمقابل، ثمة رأي غربي آخر مفاده أنه بامكان ادارة الرئيس بايدن تقديم ما تحتاج إليه تركيا لإجراء تصويت حرّ ونزيه في منطقة منكوبة، بدءا من المشورة الفنية وصولًا إلى توفير الآلات اللازمة والموظفين المدربين، خصوصًا أن الولايات المتحدة كانت نجحت باتمام الانتخابات الرئاسية لعام 2012 في الوقت المحدد، خصوصا في المناطق التي دمرها إعصار ساندي قبل أسبوع فقط.
في المحصلة، إن هذه اللهفة الغربية على تركيا، لا تنبع من دوافع انسانية بحتة، بل هناك ما هو أبعد من ذلك، وهو يتعلق بالحفاظ على بقاء أنقرة ضمن التحالف الدولي المناهض لروسيا، خصوصًا وأن أردوغان تاجر بارع يجيد المساومة لا سيما أثناء الأزمات، والشواهد التاريخية كثيرة، وأحدثها ابتزازه الغرب في قضية توسيع حلف الاطلسي، ليضم كلًّا من السويد وفنلندا.
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي