حريات حديثة!..رقص وحفلات في بلاد الحرمين.. لكن لا مكان لحرية الرأي  

مارس 3, 2023 - 08:16
حريات حديثة!..رقص وحفلات في بلاد الحرمين.. لكن لا مكان لحرية الرأي   

شهدت السعودية تحولاً اجتماعياُ واقتصادياُ دراماتيكياً لم يسبق له مثيل على مدى نصف العقد الماضي. فقد سمحت التغييرات في القانون والتخفيف من القواعد المجتمعية الصارمة للمرأة بالطلاق في المحاكم عبر الإنترنت ضد رغبة أزواجهن، والسفر بدون إذن ولي الأمر الذكر، وارتداء الجينز والقمصان، وقيادة السيارة. 

وبات الشباب والشابات السعوديون يصنعون اللاتيه في مقاهي ستاربكس جنبا إلى جنب، ويقودون سيارات الأجرة، ويعملون لدى شركات التكنولوجيا. ولا تزال الكحول والمخدرات محظورةً، ولكن هناك طرق للعثور عليها ويبدو أن الأمر أصبح أسهل من ذي قبل.

لكن هذا التحول ليس سوى جزء من الحقيقة. عند النظر إلى المملكة السعودية اليوم، عليك أن تأخذ بعين الاعتبار فكرتين في وقت واحد: لقد طرأ تغير اجتماعي واقتصادي هائل على الدولة تحت حكم محمد بن سلمان، بيد أنه جعل البلاد قمعية أكثر من أي وقت مضى.

يختفي الناس في السعودية الواحد تلو الآخر، بعد أن يتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز أو السجون، لكن في الوقت نفسه، سمح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إقامة حفلات رقص للرجال والنساء معاً، بل موّلها جزئياً، بحسب ما ذكرت صحيفة "الصنداي تايمز".

وقالت الصحيفة: "هذا يعكس التحوّل الجذري الذي طال الاقتصاد والحياة الاجتماعية في المملكة، ومع ذلك، فإن هذا التحول ليس سوى جزء من الحقيقة".

وأضافت أنّه "ابن سلمان جعل البلاد أكثر قمعاً، وحرية التعبير التي كانت محدودة دائماً، الآن غير موجودة".

وأوضحت "الصنداي تايمز"، أنّ "ابن سلمان أسكت الأصوات المعارضة داخل القضاء، وأجهزة الأمن، ومجتمع الأعمال والعائلة المالكة نفسها، الذين اعتقلوا كذلك، وفُرض عليهم حظر السفر، وأُجبروا على تسليم مبالغ نقدية كبيرة للدولة".

وتعززت عمليات القمع والسجن، "مع امتلاك صندوق الثروة السيادي السعودي حصة كبيرة من منصة تويتر، ما يسمح لابن سلمان مطاردة واعتقال أي شخص يغرد برأي مخالف لرأيه"، بحسب الصحيفة.

كما أشارت إلى أنّه "في الوقت الذي تم فيه رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، تم اعتقال الناشطات اللواتي قضين سنوات في حملات من أجل التغيير، كما تعرّض عدد منهنّ للتحرش الجنسي في السجن وضربهن وتعذيبهن بالصدمات الكهربائية، في حين لا يزال بعضهن رهن الإقامة الجبرية".

وفي خضمّ الانتقاد الدولي لسجلها الحقوقي، حاولت السعودية تلميع صورتها بإعلان بعض الإصلاحات في الأعوام الأخيرة، فقد أصدرت السلطات عام 2020 أمراً ملكياً عنوانه العريض إنهاء تطبيق حكم الإعدام، ولكن ضمنه ثغراتٌ تترك للقضاة منافذ عدّة لفعل ذلك، إذ أعدمت 81 شخصاً دفعةً واحدة في آذار/مارس عام 2022 بتهم متعددة والكثير من هذه الحالات حدث لاحقا.

وفي ظل رؤية ولي العهد السعودي الانفتاحية وسعيه لإقامة سعودية جديدة على النمط الأوروبي، ذكر حساب “كشكول” الشهير بتويتر أن حفلات الرقص المملكة العربية السعودية أصبح مرخصا لها من قبل هيئة الترفيه.

ودون “كشكول” في تغريدة له عبر حسابه بتويتر، ما نصه:”رسالة وصلتني من أحد المتابعين يؤكد أن إقامة حفلات الرقص أصبح مرخصاً له من قبل هيئة الترفية. فما يسمى قانون مشروع البحر الأحمر أصبح عاماً على جميع المناطق.”

وتابع موضحا:”بالمختصر: الحرام ما حرّمه ابن سعود، والحلال ما أحله!. والدين أصبح ديكور ومجموعة نصوص يتكثرون بها علينا بين الحين والآخر.”

وتشهد السعودية مؤخراً نشاطًا فنيًا مكثفا عبر استقدام مطربين ومطربات من خارج المملكة، بعد أن أنشأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “هيئة الترفيه”، وقلص من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العام الماضي، ورفع القيود عن إقامة الحفلات والمناسبات للأديان الأخرى.

فعادة ما تحظر السعودية إقامة كنائس في المملكة لاعتبارات دينية، حيث أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في العدد الأخير من مجلة “الكرازة” الناطقة بلسان حالها، أنها أقامت قداس عيد الميلاد الأخير في السعودية بـ”رعاية كاملة من سلطات المملكة”، وبتكليف من البابا تواضروس الثاني، بابا أقباط مصر، للأنبا مرقس مطران منطقة شبرا الخيمة في وسط القاهرة، بزيارة الأقباط المقيمين في السعودية.

واستمرت الزيارة شهرا، وشملت عدة مدن في الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، وشهدت إقامة القداسات بحضور أعداد كبيرة من الأقباط المصريين والإريتريين وممارسة كافة الصلوات والاجتماعات الروحية.

تعد استطلاعات الرأي العام شيئا نادرا في السعودية، بالتالي من الصعب معرفة حقيقة الموقف الشعبي من جهود الأمير محمد بن سلمان نحو الانفتاح والإصلاح المزعوم في واحدة من أكثر دول العالم انغلاقا وتعصبا.

وتشير بعض الاستطلاعات من داخل المملكة إلى وجود ثلاث فئات على الأقل غير راضية عن الوضع الراهن: السلفيون، والأمراء من عائلة آل سعود، والسعوديون العاديون الذين يتمسكون بالتقاليد. اذ يمنع القمع والخوف هذه الفئات من محاولة الإطاحة بالأمير محمد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

ولا يزال بعض السعوديين ينشرون فيما بينهم تعليقات سلفية مناوئة للوضع الحالي، ويعارض عدد من رجال الدين بشكل غير علني المهرجانات الموسيقية التي ترعاها الحكومة ويتهمون الأمير محمد بن سلمان بمخالفة تعاليم الإسلام.

ولطالما حافظ أمراء العائلة المالكة المستائين على ولائهم للملك، إذ كان لديهم الكثير من المال لإنفاقه. لكن الأمير محمد شن هجوما حادا على هذه الطبقة، وقام بحبس عدد من الأمراء البارزين (والعديد من رجال الأعمال) في فندق فخم سنة 2017، وساومهم من أجل الحصول على الأموال والأصول.

ويشكو أمراء آخرون من معاملة مماثلة، مثل الحرمان من بعض الامتيازات (الرحلات الجوية المجانية والمرافق والرعاية الطبية)، وأصبح من الصعب عليهم الحصول على عمولات لتسهيل العقود الحكومية. بشكل عام، يقول الأمراء إن محمد بن سلمان حوّل النظام السياسي التوافقي إلى حكم الرجل الواحد.

ويعتقد بعض السعوديين أن الأمير محمد بن سلمان يسعى للتخلي عن الدين تماما، ولا يحاول فقط محاربة التعصب الديني وتعزيز الاعتدال. حيث يقول أحد الصوفيين في المدينة المنورة: "إنه يحاول إبعاد الدين عن الفضاء العام مثلما حدث في أوروبا عندما تم إقصاء الكنيسة".

وتزيد سياسات الأمير الاقتصادية من سخط السعوديين. اذ يشكو رجال الأعمال من استخدام الأمير لصندوق الثروة السيادية الضخم ومؤسسات أخرى لمزاحمة القطاع الخاص. كما انخفضت الإعانات تزامنا مع ارتفاع الضرائب والرسوم والغرامات.

ختاماً يعتقد المراقبون أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوجه دفة التغيير لتحويل البلاد إلى دولة بعيدة عن الإسلام واقتصاد حديث وحريات مدفوعة الثمن وتشكيل هالة لتمجيد شخصه هو ووالده.

 مجد عيسى

المصادر:

1- https://cutt.us/lQQfp

2- https://cutt.us/lNZCz

3- https://cutt.us/rRslg

4- https://cutt.us/1ztVH